Beirut weather 18.57 ° C
تاريخ النشر October 30, 2025
A A A
أورتاغوس واكبت عمليّة استهداف داخل الأراضي اللبنانيّة؟
الكاتب: ميشال نصر

كتب ميشال نصر في “الديار”

منذ انفجار الجبهة اللبنانية مع «إسرائيل»، والعيون متجهة نحو طبيعة الدور العسكري الأميركي في إدارة هذا المشهد الميداني. إلا أن الجديد هذه المرة، لا يكمن في التصريحات الديبلوماسية أو المساعدات العسكرية التقليدية، بل في الوجود المباشر لضباط أميركيين داخل غرف العمليات الإسرائيلية، التي تشرف على إدارة المعارك في الشمال، وفقا لوسائل اعلام اسرائيلية ودولية. خطوة غير مسبوقة، تطرح أسئلة كثيرة حول حدود الشراكة بين الحليفين، ودلالات هذا الانخراط الميداني الأميركي في لحظة إقليمية شديدة الحساسية، وعما اذا أصبحت واشنطن شريكا مباشرا في الحرب الجارية ضد لبنان؟ أم أن وجود ضباطها يقتصر على التنسيق ومنع الانزلاق نحو مواجهة شاملة؟

خبير عسكري لبناني اشار الى أن وجود عسكريين أميركيين داخل غرفة العمليات الإسرائيلية ليس سابقة بحد ذاته، اذ طالما دعمت «اسرائيل» في كل حروبها، لكنه يأخذ هذه المرة بعدا مغايرا، نظرا إلى طبيعة الجبهة اللبنانية وحساسيتها، اذ أن مهمة هؤلاء الضباط لا تقتصر على التنسيق الاستخباري، بل تمتد إلى تقييم الأهداف، الإشراف على قواعد الاشتباك، والمساهمة في تحديد سقف «الردود الإسرائيلية»، بما يتوافق مع «الحدود المرسومة» أميركيا لأي عملية عسكرية ضد لبنان، أي بعبارة أخرى، واشنطن لا تكتفي اليوم بإرسال الذخائر الدقيقة والقنابل الذكية، بل باتت ترسل الضباط الذين يقررون متى وأين تستخدم. ويعدّد الخبير العسكري في هذا الاطار جملة من العوامل، ابرزها:

– تدخل المشاركة في إطار «إدارة التصعيد» بين واشنطن و”تل أبيب»، بما يعني أن القرار العسكري الإسرائيلي بات يصاغ، في ظل رقابة أو مشورة أميركية مباشرة.

– الرقابة المباشرة على العمليات، بهدف ضبط إيقاع المواجهة ومنع توسعها، حيث تسعى واشنطن لان تبقى نار الجبهة الشمالية تحت السيطرة الأميركية، لا في يد جنرالات «تل أبيب» وحدهم.

– المتابعة الأميركية للعمليات في الزمن الحقيقي، تسهل تدفق المعلومات بين الأقمار الاصطناعية الأميركية وأجهزة الاستطلاع الإسرائيلية، ما يرفع دقة الاستهداف ويمنح جيش العدو تفوقا استخباراتيا غير مسبوق.

– دليل على تراجع الثقة الأميركية بأداء المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، بعد إخفاقات ميدانية متكررة، احرجت واشنطن امام المجتمع الدولي.

ويضيف الخبير أن هذا النوع من التكامل يضع واشنطن عملياً في موقع الشريك الميداني، وليس المراقب فقط، وهو ما يحمل تبعات قانونية وسياسية خطيرة، معتبرا ان هذه الخطوة تشكل قلقا كبيرا بالنسبة للجانب اللبناني، ذلك أن الجبهة الجنوبية لم تعد فقط تحت القرار الإسرائيلي، بل باتت ضمن دائرة القرار الأميركي المباشر، أي أن أي تصعيد جديد أو توسيع للعمليات، سيخضع لحسابات البيت الأبيض، أكثر مما يخضع لتقديرات القيادة العسكرية الإسرائيلية وحدها، ما يضع بيروت أمام معادلة حساسة ودقيقة.

ويتابع ان هذا التعاون الدفاعي والتنسيق الاستخباراتي، الذي قد ترى فيه واشنطن حماية المصالح الأميركية، ومنع أي تصعيد قد يضر بمشاريعها وامنها القومي، الا انه في المقابل يعني عمليا أن الضربات على لبنان تتم بعلم واشنطن وموافقتها، إن لم يكن بإشرافها المباشر، محذرا من أن ذلك «قد يسقط أي ادعاء أميركي بالحياد أو الوساطة في أي تسوية مستقبلية»، علما ان الرئيس الاميركي دونالد ترامب كان اعلن انه تم اطلاعه على عمليات نفذت في لبنان من بينها « تفجيرات البيجر» قبل تنفيذها، رغم انه لم يكن قد انتخب بعد.

وفي دليل اضافي على عمق «التورط» الاميركي، تكشف المعطيات ان مورغان اورتاغوس، التي زارت قيادة الجبهة الشمالية في «الجيش الاسرائيلي» الاحد الماضي، برفقة عدد من ضباط القيادة المركزية الاميركية، وجالت مستطلعة الحدود مع لبنان، واكبت من غرفة عمليات الجبهة الى جانب «وزير الدفاع الاسرائيلي»، احدى «عمليات الاستهداف التي نفذتها مسيرة اسرائيلية ضد احد الاهداف داخل الاراضي اللبنانية».

وتشير المعلومات الى ان الجانب الاميركي، وفي اطار الخطة الموضوعة لتفعيل عمل «الميكانيزم»، ينوي نقل جزء من فريقه من بيروت الى «اسرائيل»، لتسهيل وتسريع العمل والتواصل، ولجعل الامور اكثر فعالية وتحسين القدرة على الاستجابة والتنسيق. علما ان طائرات مسيرة اميركية من نوع « MQ9»، مجهزة بصواريخ هجومية، تحلق بشكل دوري فوق الاراض اللبنانية، احيانا في طلعات مشتركة مع المسيرات الاسرائيلية، كذلك طائرات الاستطلاع والحرب الالكترونية المأهولة، التي تجوب مقابل الشواطئ اللبنانية اسبوعيا في عمليات جمع معلومات، ومسح «سيسمي» وصولا الى سوريا، منطلقة من قواعدها في ايطاليا واليونان.

 

في المحصّلة، يقف لبنان اليوم بين مطرقة الضربات الإسرائيلية، وسندان الشراكة الأميركية في صنع القرار العسكري، في ظل عجز الدولة عن التحرك الديبلوماسي الفاعل، كما اقر رئيس الحكومة نواف سلام، اذ مهما كانت المبررات التي قد تسوقها واشنطن، لتبرير وجودها داخل غرف العمليات الإسرائيلية، فإن الرسالة وصلت بوضوح إلى بيروت: الحليف الأميركي لم يعد يراقب من بعيد، بل بات في قلب غرفة القرار، وما يحدث اليوم ليس مجرد تفصيل عسكري عابر، بل تحول استراتيجي يرسم ملامح مرحلة جديدة في العلاقة بين لبنان والولايات المتحدة.