Beirut weather 14.65 ° C
تاريخ النشر October 28, 2025
A A A
جنوب الليطاني بيضة القبان في الحرب
الكاتب: ناصر قنديل

كتب ناصر قنديل في “البناء”

 

– لم يكن إدراج منطقة جنوب الليطاني في القرار 1701 عبثياً، بل كان السعي لجعلها منطقة عازلة بين المقاومة والاحتلال حاضراً في خلفيات صياغة القرار، على قاعدة معرفة مسبقة أن ذكر القرار 1559 ونزع سلاح المقاومة وارتباطه بالحوار الداخلي اللبناني ليس هدفاً قابلاً للتحقيق وفق النص نفسه باعتباره مرتبطاً بإنهاء النزاع على مزارع شبعا بانسحاب إسرائيلي منها، كما نصت لاحقاً توصية الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تمهيداً لتفاهم لبنان وسورية على ملكيتها، والمزارع بالنسبة لكيان الاحتلال لا يمكن فصلها استراتيجياً عن الجولان الذي لا يمكن للاحتلال الانسحاب منه ولا التفاوض على الانسحاب منه، إضافة إلى أن جعل مرجعية مصير السلاح بربط القرار 1559 باتفاق الطائف يمنح المقاومة نافذة مفتوحة على ربط مصير سلاحها بالاستراتيجية الوطنية للدفاع، ولعل هذا هو السبب الذي جعل الفقرة الخاصة بالانسحاب من جنوب الليطاني منفصلة عن الفقرة التي تسمّى قضايا الحل المستدام التي تناولت مزارع شبعا ومصير السلاح وترسيم الحدود اللبنانية السورية في الفقرة العاشرة من القرار 1701.

 

– في التسلسل الذي لحظه القرار 1701 والذي جاء تعبيراً عن موازين القوى التي انتهت إليها حرب تموز 2006 لصالح المقاومة، يأتي الانسحاب من جنوب الليطاني لاحقاً للانسحاب الإسرائيلي إلى ما وراء الخط الأزرق ووقف “إسرائيل” كل الأعمال العدائية ومنها انتهاك الأجواء اللبنانية، وهو ما جعل كيان الاحتلال يتردد في تنفيذ موجباته في القرار التي تمهد للمطالبة بتنفيذ المقاومة لهذا الانسحاب، لأن وقف الطلعات الجوية الإسرائيلية في الأجواء اللبنانية يعني التسليم بنهاية زمن الحروب مع المقاومة، وهو ما ليس وارداً في حساب “إسرائيل” طالما هناك مقاومة مسلحة على حدودها من جهة، وطالما لدى “إسرائيل” أهداف مبيتة وغير محققة من أطماعها في لبنان، ولذلك حرصت “إسرائيل” وهي تفاوض على اتفاق وقف إطلاق النار بعد الحرب الأخيرة، وعندما فشلت في تحقيق أهدافها الكبرى، خصوصاً فشل جيشها في الوصول إلى نهر الليطاني، أن تعدل في آلية تنفيذ القرار 1701 هذا التسلسل، لجهة جعل انسحاب المقاومة من جنوب الليطاني سابقاً لانسحاب الاحتلال إلى ما وراء الخط الأزرق، والحصول على مهلة الستين يوماً للالتزام بالاتفاق مع نص حق الدفاع القابل للتأويل بمؤازرة أميركية بما يبقي القدرة على مواصلة إطلاق النار إلى ما بعد دخول الاتفاق حيز التنفيذ.

 

– قبلت المقاومة بتقديم هذه التنازلات لحساب الدولة اللبنانية وليس لحساب الاحتلال، على قاعدة إدراك أن الاختلال في موازين القوى لم يكن ما حدث بينها وبين الاحتلال الذي ألحق بها خسائر هائلة بضرباته التكنولوجية والاستخبارية، لكنه فشل في إيقاف صواريخها الموجعة في عمق الكيان، وفشل بصورة فاضحة في تحقيق أي إنجاز في الجبهة البرية، ولولا الخلل في الموازين الداخلية لصالح خيار وقف الحرب بأي ثمن، لما اكتفت المقاومة بتوظيف صمودها وصمود بيئتها الشعبية للحصول على اتفاق كهذا يبنى على القرار 1701، ويضع بيد الدولة مسؤولية إدارة الاتفاق من الجانب اللبناني، لضمان الانسحاب ووقف الاعتداءات، في ظل عملية إعادة تكوين للسلطة استفادت من الحرب لمحاكاة الرهان على الدور الأميركي والعربي، بحيث ما كانت ممكنة إعادة ترتيب ميزان القوى الداخلي دون اختبار هذا الرهان.

 

– خلال سنة أنجز لبنان اختباراته مع الرهان على أميركا، وحدث ما حدث في سورية وقدم الحكم الجديد في سورية مثالاً للبنان عن هذا الرهان في شروط أفضل من شروط لبنان، دون أن ينجح هذا الرهان بوقف الاعتداءات الإسرائيلية أو التوصل إلى اتفاق يحفظ السيادة السورية، وجاءت قرارات الحكومة اللبنانية في 5 أيلول إقراراً بسقوط الرهان الذي عبرت عنه قرارات الحكومة نفسها قبل شهر في 5 آب، وجاء التزام المقاومة بدقة بكل موجباتها في الاتفاق، سواء لجهة عدم الرد على الاعتداءات الإسرائيلية، أو لجهة التنفيذ الدقيق لما طلبه الجيش اللبناني تحت عنوان الانسحاب من جنوب الليطاني، وصار الإسرائيلي مكشوفاً لجهة أهداف وأطماع وتطلعات لا يمكن للبنانيين القبول بها حتى لو لم يتفقوا مع المقاومة، وظهر أن الأميركي لن يفعل شيئاً لإلزام الإسرائيلي بالاتفاق، وصارت الحرب بوتيرتها الراهنة رغم الاستنزاف الذي تمثله للمقاومة، عاجزة عن تحفيز قضية نزع سلاح المقاومة بالأدوات الداخلية اللبنانية رغم كل الضغوط الأميركية.

 

– هنا ترتفع التهديدات بالحرب الإسرائيلية بصوت أميركي أطلقه المبعوث توماس برّاك، ورددت أصداءه أصوات لبنانية عديدة، ولم ينفع بدفع المقاومة لجعل سلاحها موضوعاً للتفاوض وصار السؤال هل تنشب الحرب هو سؤال اللحظة على مستوى كل لبنان، والجواب هو أن “إسرائيل” لن تفرط بنتائج اتفاق وقف إطلاق النار الذي حقق لها انسحاب المقاومة من جنوب الليطاني، إلا إذا ضمنت ما هو أفضل، ولأن الحرب مخاطرة بخسارة مكسب استراتيجي كبير بهذا الحجم، وهي تعلم أن الحرب تعني سقوط الاتفاق الحالي وعودة المقاومة إلى جنوب الليطاني، والأكيد أنه في أي اتفاق لاحق للحرب الجديدة لن تقبل المقاومة ما قبلته في اتفاق ما بعد الحرب الأخيرة، وضمانة أن تنجح الحرب في خلق موازين قوى تتيح تحسين الوضع لصالح “إسرائيل”.