اقترب الخريف حين يبدأ تساقط الورق الأصفر عن الشجر..

سقطت ورقة سركيس قنيعر الدويهي قبل أوانها..

سركيس الذي التقيته لأول مرة منذ ٣ سنوات بعد طلبه للتعارف وتزويدي بما يُفرح قلب كل باحث عن عمل ونشاط يخصّ منطقته..

سركيس يعرض الإعارة المشروطة بالردّ بكل حبّ..

سركيس الذي يلتقيه يرى فيه إنسانا هادئا لا يتكلّم الّا عند الضرورة..

لكن وراء ذلك يختبئ سبعًا من سبوع إهدن المخبّأة..

سركيس الذي كان يخدم بلدًا إعتقد وآمن به كوطنٍ، من خلال الجيش اللبناني الذي انقسم شمالا في شباط ١٩٧٦، لم يتخلّى عن زغرتاويته ونخوته الإهدنية لما جرس الخطر قُرع..

سركيس في اليوم الذي سبق هجوم ألوية اليرموك والصاعقة وحلفاءهم على زغرتا في ٢١ كانون الثاني من العام ١٩٧٦، كان يخدم في ثكنة عسكرية في الشمال حين رأى قوافل عسكرية غريبة مجهزة تتحضّر للهجوم على منطقته، فاتصل بسرعة بالأب سمعان الدويهي وانتقل سريعا الى زغرتا حيث جمعه “البونا” بالقيادة العسكرية وزودهم بمعلومات إضافة الى ما كانوا يملكونه..

ومن بعدها انطلق معه فصلا جديدا من حياته بوقوفه وراء متراس للدفاع عن منطقته.. فدافع بشرف وبكرامة إسوةً برفاقه الأبطال..

سركيس الذي صعقته “مجزرة اهدن”، دفعه شعور الغضب هذا الى الولوج في “مقلع” إعلاميين ومصورين وكتّاب وشعراء شماليين، إلى إذاعة لبنان الحرّ الموحّد من إهدن لكي يدافع عن كرامة منطقته الذي داسها ذوو القربى ، كتقني من وراء “الميكسر”، قبل ان يحمل كاميرته ويبدأ بتوثيق أحداث ونشاطات زغرتا-الزاوية من خلال تلفزيون إهدن..

سركيس هوى التصوير الفوتوغرافي ووثّق لحظات مهمة من تاريخنا، انتقلت هذه الهواية بالوراثة عن والده الذي كان يحب الصور والتصوير حتى اقتنى كاميرا يصوّر عبرها عائلته.

سركيس المصوّر المثقّف وقعت بين يديه الألاف من الصور القديمة عن زغرتا واهدن بشكل خاص من مجموعة المصوّرين كميل القارح ويرتشان ليظّهرها في محله لكنه ابى ان يحتفظ له بنسخة مع انه كانت لديه القدرة، إنمّا تحلّى بالأمانة..

ولكثرة تواضعه اشتهرت وانتشرت العديد من الصور التي التقطها ولم يوقعها منها الصورة الشهيرة للرئيس سليمان فرنجية وراء مكتبه..

سركيس فعلا غيابك خسارة متعددة الصعُد..

خسارة لروح التواضع..

خسارة لرمز من رموز البطولة..

خسارة للثقافة المخفية..

خسارة لإنسان محبّ دون غاية..

رحمك الله صديقي..

*الصورة لعبّود معوض يظهر فيها المرحوم سركيس خلال تصويره احتفال تدشين مستديرة شهداء ١٣ حزيران ١٩٧٨، اما صورة الرئيس الراحل سليمان فرنجيه فبعدسة سركيس.