Beirut weather 14.1 ° C
تاريخ النشر August 28, 2025
A A A
ماذا تعني عودة باراك من دون ردّ إسرائيلي؟!
الكاتب: غسان ريفي

كتب غسان ريفي في “سفير الشمال”:

لم تحمل زيارة الوفد الأميركي الرفيع برئاسة السفير توم باراك إلى لبنان أي جديد، حيث اتسمت اللقاءات بالرتابة وتعطلت فيها لغة الكلام إلا من بعض الأحاديث بالعموميات وتكرار الشروط الاسرائيلية التي سبقت الزيارة عبر بيان مكتب رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الذي رفع السقف ونسف الدور الأميركي إلا من ممارسة الضغوط على سلطة لبنانية لا حول لها ولا قوة، فلا هي قادرة على مواجهة الداخل ولا الخارج، ما جعل الزيارة الأميركية برمتها لزوم ما لا يلزم. 

بدت زيارة الوفد الأميركي أقرب إلى السياحة السياسية في بلد يرزح تحت الوصاية والاحتلال، فمورغان أورتاغوس كانت مهتمة بجمالها وبتسريحة شعرها وبالاحتفال بعيد ميلادها في عشاء الجميزة وتلقيها الهدايا الثمينة وسماعها الإطراءات إلى درجات الخنوع والخضوع من المشاركين السياديين الذين “يرفضون التدخل بالشؤون الداخلية اللبنانية”.

وبدا توم باراك مأزوما، لا يمتلك حلا ليقدمه إلى سيده في البيت الأبيض، فوجد في صحافيي القصر الجمهوري “فشة خلق” واصفا سلوكهم “بالفوضوي والحيواني” وذلك في إساءة غير مسبوقة للشعب اللبناني وصحافته عموما، وخنوع منقطع النظير ممن بلعوا ألسنتهم خشية تعرضهم للغضب الأميركي، وممن أوجدوا له الأعذار، وممن جاء ردهم ناعما أشبه بالاعتذار منه على قيام الصحافيين بإزعاجه.

أما ليندسي غراهام وجين شاهين وجو ويلسون فقد فوجئوا بحجم الخضوع اللبناني، وأطلقوا العنان في الترويج للمواقف الاسرائيلية والتهديد العلني للبنان من دون حسيب سيادي أو رقيب إستقلالي.

لا شك في أن عودة توم باراك والوفد الأميركي إلى لبنان من دون أن يحملوا معهم ردا إسرائيليا على الورقة الأميركية التي أقرتها حكومة نواف سلام من دون نقاش وبشكل عاجل تختزن الكثير من الأمور، لجهة:

أولا: أن توم باراك لم يحترم التعديلات اللبنانية على ورقته ورمى بها في سلة المهملات ضاربا بعرض الحائط الجهود التي بذلتها الرئاسات الثلاث لإيجاد صيغة مقبولة تلتزم بها إسرائيل وترضي الأميركي.

ثانيا: أن الحكومة اللبنانية رضخت بشكل كامل للورقة الأميركية التي قدمها باراك بحبر إسرائيلي وتتضمن أفخاخا عدة وإنتهاكا للسيادة اللبنانية وضربا للكرامة الوطنية، ما يؤكد أنها تلتزم بأجندة أميركية لا يمكن لها أن تحيد عنها.

ثالثا: أن إسرائيل ضربت بعرض الحائط الورقة الأميركية وجهود توم باراك في خمس زيارات بمفرده ومع أورتاغوس ومع وفد الكونغرس ولم تكلف نفسها عناء الرد عليها، بل ألزمت باراك ببيان مكتب نتنياهو الذي أكد أن المطلوب تجريد حزب الله من سلاحه بالكامل ومن ثم يصار إلى البحث في إمكانية تقليص الوجود الإسرائيلي في الجنوب.

رابعا: عودة الأمور إلى المربع الأول مع إصرار العدو على شروطه ورفض المقاومة التخلي عن رصاصة واحدة وتأكيدها أن نزع السلاح أشبه بنزع الأرواح.

خامسا: المحاولات الاسرائيلية الحثيثة لبث الفتنة في البلاد من خلال عرضها مساعدة الحكومة في نزع سلاح حزب الله، وهذا أمر يتجاوز الخطوط الحمر ولا يمكن لأي كان القبول به.

سادسا: بدء ظهور التباينات داخل حكومة نواف سلام من خلال مواقف عدد من الوزراء الذين أكدوا على ضرورة إعادة النظر في القرارات الحكومية في حال لم يأت الأميركي بالرد الإسرائيلي.

سابعا: سقوط منطق الرئيس نواف سلام الذي ما يزال يتحدث عن حصرية السلاح بيد الدولة وإستعادة قرار السلم والحرب، بكلام للاستهلاك، في ظل الشروط الاسرائيلية العدوانية ما يجعله بعيدا كل البعد عن الواقع.

ثامنا: المزيد من الإحراج لرئيس الجمهورية جوزيف عون المؤتمن على سيادة لبنان وسلامة أراضيه والذي أقسم على الدفاع عن الكرامة الوطنية.

في خلاصة القول، يقف لبنان أمام مفترق طرق، فإما أن يختار العهد وحكومته السير في الركب الأميركي الإسرائيلي، أو أن يختار التفاهم مع المقاومة وفق تسلسل الأولويات التي حددها خطاب القسم والبيان الوزاري والصمود في وجه الضغوط الاميركية، والذهاب بعد الانسحاب الإسرائيلي إلى إستراتيجية دفاعية تعزز الأمن الوطني!..