Beirut weather 23.54 ° C
تاريخ النشر August 22, 2025
A A A
سورية ونقاط التحول الانفجارية
الكاتب: ناصر قنديل

كتب ناصر قنديل في “البناء”

أربعة مسارات تشهدها سورية بالتوازي سوف تتكفل برسم مشهد جديد مع مرور السنة الأولى على ولادة النظام الجديد الذي يحكم دمشق، المسار الأول هو السياق المأزوم للعلاقة بالمكوّنات التي تشكل أسوار سورية غرباً وشمالاً وجنوباً، حيث تتعقد أكثر فأكثر فرص التسويات بين حكومة هيئة تحرير الشام من جهة وكل من مكوّنات الساحل وشرق الفرات والسويداء، ومع الإعلان عن تشكيل مجلس تشريعيّ يُسمّى تجاوزاً بالمنتخب، وهو مجلس معيّن سوف يشكل عدم إعلانه مصدر أزمة مع حكومات الغرب التي تريد اكتمال شكل نظام يبرر لها مواصلة الانفتاح السياسي والاقتصادي، وسوف يتكفل الإعلان عنه بتفجير العلاقة مع هذه المكوّنات، وربما مع مدينتين كبيرتين مثل دمشق وحلب.

هيئة عليا للانتخابات تمّ تعيينها سوف تقوم بتعيين لجان فرعيّة منبثقة عنها للمناطق الانتخابية التي سوف تقوم بتعيين هيئات ناخبة في المناطق، والمقصود عبر كلمة هيئات ناخبة إطار مكوّن من عدد يعادل عشر مرات أكثر من العدد المطلوب لتمثيل المنطقة في المجلس التشريعي وينتخب هؤلاء أعضاء المجلس من بينهم بمعدل واحد عن كل عشرة، والحصيلة سوف تأتي بجماعة هيئة تحرير الشام ومَن يؤيدهم من أبناء المناطق المصنفة متمرّدة، بل إن أعضاء في الهيئة العليا للانتخابات يقولون علناً إنه يجب منع ترشيح وعضويّة مَن يقولون بنظام فدرالي أو علماني أو مَن كانوا جزءاً من مؤسسات النظام السابق بما فيها مجلس الشعب وهيئات الإدارة المحلية والبلديات، وإذا كان ثمّة فرصة لضمّ فعاليات دمشقية وحلبية لإضفاء الشرعية على المجلس رغم أنها فرصة مشكوك بحدوثها مع الروح السلطوية الانفرادية للحكم الجديد، إلا أن الأكيد أن لا مكان في المجلس التشريعي لمن يمثل العلويين والأكراد والدروز فعلاً، ما يعني أن إمكانيات الحوار والتسويات بعد تشكيل المجلس سوف تتراجع، والأرجح أن تنكسر الجرّة خصوصاً بين تنظيم قسد وحكومة دمشق.

المسار الثاني المأزوم الذي يبلغ المنعطف الانفجاريّ قريباً أيضاً، هو مسار العلاقة بكيان الاحتلال وتداعياته، حيث بالتزامن مع الإعداد للإعلان عن تشكيل المجلس التشريعي الجديد بالتعيين تحت مسمّى انتخابات، شهدت هذه العلاقة تحولاً نوعياً تمثل بالإعلان الرسمي الأول عن اجتماع رسميّ بين حكومة الاحتلال وحكومة دمشق، وكشفت القنوات العبرية وبعض القنوات العربية عن إنجاز اتفاق أمنيّ قبلت بموجبه حكومة دمشق بالترتيبات التي طلبتها حكومة الاحتلال في جنوب سورية منطقة أمنية تنال فيها قوات الاحتلال امتيازات على حساب السيادة السورية، وكان أول غيث ردود الأفعال ما ظهر في الأوساط الإسلاميّة المنتمية إلى بيئات القاعدة والأخوان المسلمين، والتي يعبّر بعضها عن موقف تركي وبعضها الآخر عن موقف قطريّ، وتلاقت على لغة شديدة القسوة بحق قيادة النظام الجديد بعدما تجنّدت هذه الجهات للدفاع عن هذا النظام. وإذا أخذنا بتفسير بعض التحليلات لرموز من هؤلاء ومن معارضين سابقين تشاركوا مع النظام الجديد في مواجهة النظام السابق فإن الاحتمال هو سير حكومة دمشق دون رضا أنقرة والدوحة نحو تسريع التفاهم مع تل أبيب بمباركة واشنطن، ولهذه الأصوات وزن وتأثير في جماعات مسلحة مشاركة في النظام الجديد وفي بيئات مساندة لها حضور اجتماعيّ وسياسيّ وثقافيّ، وبجمع هذا التأزم مع استهدافات اميركية متواصلة لرموز جماعات أيدت النظام ومنحها ضمانته لوقف الملاحقة بحقها بتهم الارهاب، فان تأزماً من نوع خطير يبدو قادماً، هذا إذا لم نقم حساباً لما سوف يتركه مجرد الإعلان عن التفاهمات مع حكومة نتنياهو وانعكاسها على مختلف شرائح الشعب السوري ونخبه السياسية والاقتصادية.

المسار الثالث هو مسار صراع النفوذ بين مكوّنات النظام الجديد على شبكة المصالح والعلاقات الاقتصاديّة بالمستثمرين السوريين والعرب الخليجيين، حيث تقوم حالة تنافس شرسة بين أمراء الجماعات التي تولّت السيطرة كل على منطقة، وبين بطانة الحكومة المركزيّة وجماعة الرئاسة، ومع كل وفد خليجي أو كل مشروع استثماريّ عقاريّ خصوصاً، تنتشر الأحاديث عن عمولات وحصص وثروات تتراكم في حسابات يقول بعض المعارضين السابقين إنها تبلغ 1.6 مليار دولار خلال ستة شهور فقط، وإن الصراع حول الأحجام والأدوار بلغ مرحلة التصفيات الجسديّة بحق البعض، وصدور لوائح سوداء في بعض المحافظات تمنع رموزاً من الحكومة وأجهزتها من دخول المحافظات المعنيّة، ويتحدّث البعض عن نسبة مئوية يجري وضعها على المشاريع يعود نصفها لأمير المحافظة ونصفها للمركز يتمّ توزيعه بمعرفة أصحاب القرار الذين يتقدّمهم أشقاء الرئيس الانتقالي، كما يقول معارضون سابقون.

المسار الرابع الانفجاريّ هو ما سوف ينتج عن انطلاق دورة الحياة الاقتصادية وفق معايير ومعادلات جديدة أولها إلغاء دعم الكهرباء والمحروقات والخبز، بما يعني مع صدور أول فواتير كهرباء تضخّم إنفاق الأسرة السورية المتوسطة والفقيرة بمبالغ لا قدرة لها على تأمينها، تتراوح بين 200 و500 دولار شهرياً، مع متوسط دخل بين 100 و300 دولار شهرياً، في ظل ارتفاع هائل في الأسعار مع تحرير الأسواق وتراجع الصناعة الوطنيّة وانهيار الصناعات التي تتم بامتيازات أجنبية مع دخول السلع الأصلية للأسواق ولكن بأسعار مضاعفة، وتوقع خبراء التنمية في الأمم المتحدة انفجاراً اجتماعياً وشيكاً خصوصاً مع إصرار البنك الدولي وصندوق النقد الدولي على إلغاء سياسات الدعم للطبابة والتعليم والخدمات والخبز التي كانت معتمدة في النظام السابق، ولعل فقدان الخبز من الأسواق والحديث عن أزمة قمح هو واحدة من علامات هذه الأزمة.

سورية على موعد متزامن لهذه المسارات الانفجاريّة، بصورة يصعب معها تفادي الانفجار الكبير.