Beirut weather 25.77 ° C
تاريخ النشر August 15, 2025
A A A
قرار القاضي شعيتو: زمن الحصانات ولّى؟
الكاتب: صلاح سلام

كتب صلاح سلام في “اللواء”

خطوة لافتة وجريئة أقدم عليها المدعي العام المالي القاضي ماهر شعيتو، بمنح أصحاب المصارف مهلة شهرين لإعادة الأموال التي حوّلوها إلى حساباتهم في الخارج، في أعقاب اندلاع الأزمة المالية في أواخر العام 2019. هذه المبادرة، التي تأتي في لحظة حساسة من تاريخ لبنان المالي، تشكّل منعطفاً مهماً على طريق تصحيح الخلل البنيوي في القطاع المصرفي، وفتح الباب أمام استعادة الثقة المفقودة بين المودعين والنظام المصرفي.
منذ أكثر من خمس سنوات، يعيش اللبنانيون مأساة غير مسبوقة مع ودائعهم المحتجزة، وسط انهيار مالي أطاح بالعملة الوطنية وأغرق الاقتصاد في ركود طويل. وفيما ظلّت معظم الخطوات الإصلاحية حبراً على ورق، جاء قرار القاضي شعيتو ليضع النقاش في مساره الجدي، عبر إلزام أصحاب المصارف، الذين استفادوا من مواقعهم ونفوذهم لتحويل أموالهم الشخصية إلى الخارج، بإعادة هذه الأموال خلال فترة زمنية محددة، تحت طائلة الملاحقة.
أهمية القرار لا تكمن فقط في قيمته القانونية، بل في رسالته السياسية والاقتصادية: أن زمن الحصانات الضمنية ولّى، وأن المساءلة باتت ممكنة حتى في أوساط كانت تُعتبر عصية على المحاسبة. وإذا ما نُفذ القرار بصرامة، فسيكون بمثابة اختراق فعلي في جدار الجمود، وقد يفتح الباب أمام معالجة أكبر وأعمق، تتمثل في وضع آلية واضحة لإعادة أموال المودعين التي تمثّل جوهر الأزمة وثقة الناس.
كما أن هذا التحرك القضائي يعطي إشارة إيجابية للمجتمع الدولي، الذي ظلّ يربط أي دعم مالي للبنان بإصلاحات ملموسة في القطاع المصرفي وبشفافية أكبر في إدارة المال العام. فإثبات جدية الدولة في محاسبة كبار المستفيدين من الأزمة، قد يشكّل ورقة قوة في المفاوضات مع المؤسسات الدولية والدول المانحة.
مع ذلك، فإن نجاح هذه المبادرة يتوقف على عدة عوامل: مدى التزام المعنيين بإعادة الأموال، قدرة السلطة القضائية على فرض تنفيذ القرار، وتحصينه من الضغوط السياسية والمصرفية التي اعتادت إفشال أي محاولة إصلاحية جادة. فالمعركة الحقيقية لن تكون في إصدار القرارات، بل في ترجمتها على أرض الواقع، وإحباط حملات الالتفاف والتشويش التي قد ترافقها.
في النهاية، يضع قرار القاضي شعيتو كرة الإصلاح في ملعب القضاء والسلطة السياسية معاً. وإذا ما استُثمرت هذه اللحظة بالشكل الصحيح، فقد تشكّل نقطة انطلاق لمسار جديد يعيد بعض الأمل إلى المودعين، ويضع لبنان على أول الطريق نحو استعادة نظام مصرفي نظيف مهني وشفاف، يواكب متطلبات النهوض الاقتصادي.