Beirut weather 13.54 ° C
تاريخ النشر August 14, 2025
A A A
الرئيس عون يجمع بين الانفتاح والحزم
الكاتب: جو رحال

كتب جو رحال في “لبنان الكبير”:

في لحظة سياسية فارقة، استقبل الرئيس جوزاف عون في بعبدا أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني، فحوّل اللقاء إلى منصّة لتثبيت قاعدة سيادية لا لبس فيها: لا سلاح خارج إطار الدولة، ولا قرار يعلو على مؤسساتها. أكّد عون أمام ضيفه أن لبنان منفتح على التعاون مع طهران، لكن على قاعدة الندّية والاحترام المتبادل، وأن أي دعم خارجي مرحَّب به حين يمر عبر المؤسسات الشرعية لا عبر قنوات مسلّحة موازية.
الموقف الرئاسي جاء بعد أيام من إقرار الحكومة أهداف «خارطة طريق» مدعومة أميركيًا، تهدف إلى ترتيب الوضع الأمني في الجنوب ونزع سلاح المجموعات غير الشرعية عبر مسار تدريجي تقوده الدولة. بهذا الربط بين الخطاب والممارسة، يضع عون الأساس لتحويل السيادة من شعار إلى خطة قابلة للتنفيذ، محمية بغطاء داخلي ودولي، ومنسجمة مع مرجعيّتي اتفاق الطائف والقرار 1701 اللذين يكرّسان بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها.
زيارة لاريجاني إلى بيروت لم تكن الأولى في جولته، إذ سبقتها محطة في بغداد في 11 آب، جرى خلالها توقيع تفاهمات أمنية للتنسيق على الحدود، في خطوة فسّرتها مصادر عراقية بأنها فنية الطابع وليست “اتفاقًا أمنيًا” شاملًا. عودته إلى المشهد اللبناني تأتي بعد إعادة تعيينه في 5 آب في منصبه الحساس بطهران، ما أعطى زيارته بعدًا سياسيًا ورسالة اختبار للنوايا المتبادلة.
وعلى طريق المطار، كان الاستقبال الشعبي من مؤيدي “حزب الله” حاضرًا، لكن الصورة الرسمية في بعبدا كانت أبلغ: دعم التعاون حين يعزّز الدولة، ورفض قاطع لأي محاولة لتجاوزها. بهذا التوازن، جمع عون بين الانفتاح والحزم، فطمأن الداخل وأرسل للخارج رسالة شراكة بلا تبعية، مكرّسًا أن مرجعية السلم والحرب بيد الجيش والقوى الأمنية فقط.
هذه اللحظة السياسية ليست معزولة عن سياقها الأوسع؛ فمنذ انتخابه في 9 كانون الثاني 2025، وضع عون أولوية السلم الأهلي وحصرية السلاح في صلب برنامجه، واليوم، ومع اشتداد الضغوط الإقليمية والتجاذبات الداخلية، يؤكد أن الدولة وحدها هي الضامن للاستقرار، وأن الحوار الداخلي هو الطريق الوحيد لأي معالجة لملف السلاح.
بهذه المقاربة، تحوّلت زيارة بروتوكولية إلى حدث سيادي بامتياز، أعاد رسم الحدود بين الشراكة والتبعية، وبين الدعم المشروع والتدخل المرفوض. إنها رسالة موجّهة للجميع: القرار يُصنع في بيروت، والدولة هي البيت الذي يتسع لكل اللبنانيين، والجيش هو السقف الذي يحميهم جميعًا. هذه هي البوصلة التي يريد عون أن تبقى ثابتة، وسط عواصف السياسة الإقليمية.