Beirut weather 24.1 ° C
تاريخ النشر August 13, 2025
A A A
لبنان في عين العاصفة.. فأي حرب قادمة؟
الكاتب: د. جيرار ديب - اللواء

توجه المبعوث الأميركي، توم باراك، بعد إقرار مجلس الوزراء الخميس 7 آب الجاري، لأهداف الورقة الأميركية، برسالة تهنئة إلى كل من الرئيس جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام. وكتب منشوراً على منصة «إكس» «نهنئ الرئيسين ومجلس الوزراء على اتخاذ القرار التاريخي والجريء والصحيح هذا الأسبوع للبدء في التنفيذ الكامل لاتفاق وقف الأعمال العدائية الموقّع في تشرين الثاني 2024، وقرار مجلس الأمن رقم 1701 واتفاق الطائف».
قرار اتخذته الحكومة اللبنانية بترأس جوزاف عون للجلسة، الأمر الذي سبّب حالة من الارتباك الداخلي، حيث خرجت المسيرات لمناصري الثنائي الشيعي في أغلب مناطق لبنان تنديداً بالقرار واتهام المسؤولين في الدولة اللبنانية بأنها خضعت لأوامر ثلاثية الأبعاد تتمثل أميركية – إسرائيلية – سعودية. على اعتبار أنّ ما وافقت عليه الدولة اللبنانية بعد انسحاب الوزراء الشيعة من الحكومة، لا سيما البند المتعلق بسحب سلاح حزب الله، وبحصرية قرار الحرب والسلم بيد الدولة هو مطلب خارجي قد يشعل الجبهة الداخلية، ما جعل البعض يطرح بجدّية، هل لبنان مقبل على حرب أهلية، تعيد تنظيم أوراقه الداخلية و«تهيكل» الهوية السياسية لا سيما ولبنان قبل بعد أشهر على استحقاق انتخابي نيابي؟

في المشهد العام، وفي صورة ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما إن قرار الحكومة اللبنانية تزامن مع قرار الحكومة الإسرائيلية التي أجمعت على تطبيق قرار رئيسها بنيامين نتنياهو الرامي إلى احتلال القطاع بأكمله، متذرّعاً بأنه ينوي تسلميه إلى حكومة مدنية. قطعاً لا تنسيق ولا خضوع لبناني لمطالب العدو، ولكن هناك إصرار من الإدارة الأميركية بتغيير المشهدية الكبرى للمنطقة، وما الدعوة العاجلة التي وجّهها الرئيس الأميركي دونالد ترامب للدول العربية إلى الالتحاق بالاتفاق الإبراهيمي إلّا تأكيداً على دخول المنطقة حيث العصر الأميركي، بعد تراجع للنفوذ الروسي وشبه غياب لأي دور صيني فيها.
أن القراءة ما بين السطور، لا سيما في مجريات ما حدث قبل وبعد انتهاء الجلسة الوزارية اللبنانية، يدرك المتابع إن لا حرب أهلية مقبلة على لبنان، ولا حتى ضربة إسرائيلية في المدى المنظور لما سيتطلب احتلال قطاع غزة من مجهود حربي، بعد تحذير من رئيس الأركان الإسرائيلي، إيال زامير، الذي كان واضحاً داخل الكابينت الإسرائيلي، عندما أنذر بأن هكذا قرار سيكون بمثابة حرب استنزافية لجيشه الذي يعاني ما يعاني من انهيارات معنوية، ترجمت إلى الآن بسبع حالات انتحار بين صفوفه إضافة إلى الآلاف الذين يخضعون لعلاجات الصدمة النفسية بعد مشاركتهم في حرب غزة.

«لا حرب»، هذا ما يمكن استخلاصه من قرار الحكومة في لبنان، رغم حالة الغليان الشعبي لدى البيئة الحاضنة لحزب الله، ورغم رفع حدّة الخطاب والتهديد لدى مسؤولي الحزب. إذ إنّ مشاركة جميع وزراء الثنائي، باستثناء وزير المالية، ياسين جابر، بداعي السفر، دليل على إن لا نيّة لإسقاط الحكومة، وإلّا كان من الممكن عدم الحضور عبر تسجيل موقف اعتراضي. فالأمر لا يعني موافقة الحزب على القرار، ولكنّ الإقرار الضمني أن لا مهرب عند الدولة اللبنانية إلّا بقراءة بنود ورقة باراك، والإجابة عليها لأنه وببساطة لا قدرة للبنان على الدخول في أي نوع من الحرب (داخلية كانت أم عدوانية) وهو المنهك من كافة الجهات لا سيما الاقتصادية.
يشعر الحزب أن أوراق القوى لديه سقطت، خصوصاً بعد الحرب الأخيرة عليه من قبل العدو، واستمراريتها عبر تنفيذ الإسرائيلي مئات الغارات التي تغتال عناصره ومئات الهجمات التي تقصف مستودعاته وعمليات التدمير الممنهج لمناطق جنوبية. لا قرار بالمواجهة لدى قيادة الحزب، وإن الصورة السوريالية التي خرجت إلى وسائل الإعلام الخميس قبل ساعات من الاجتماع الوزاري (ومن يدري قد تكون حصلت قبل ذلك، ولكن نشرها في هذا التوقيت رسالة إلى الحزب) والتي تتضمن عناصر من قوات اليونيفيل تحديداً الكتيبة الفرنسية وهي تضبط مستودعات أسلحة داخل نفق (عماد 4) الشهير الذي كان له دوراً تصويرياً لأهميته في الحرب دلالة على الموقف الفرنسي مرحّب في قرار الحكومة، وهذا ما عبّر عنه وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، الذي هنّأ الحكومة اللبنانية على «القرار الشجاع والتاريخي»، الذي اتّخذته حكومته لنزع سلاح حزب الله.
لا نقاش حول الموقف الأميركي، ولكن النقاش في الموقف الفرنسي المستجد، والذي حمل الكثير من الرسائل التي وجّهت إلى قيادة الحزب والتي تتضمن أنّ فرنسا داعمة لبناء الدولة اللبنانية بمفهوم حصرية السلاح. لطالما كان الموقف الفرنسي متناغمان مع حزب الله وهذا ما بدت عليه فرنسا بعد تفجير مرفأ بيروت، أي بعد الزيارة الأولى للرئيس إيمانويل ماكرون، في 6 آب من عام 2020، والذي شكّل طاولة حوار كان ممثلاً فيها وفد من حزب الله. إذ كانت السياسة الفرنسية تبني على أساس إن الاستثمار في لبنان يحتاج إلى مهادنة مع الحزب، لكنّ ما حصل في حرب الإسناد وعدم تجاوب الحزب لدعوات فرنسا عبر ممثليها إلى لبنان أظهر أن الاستثمار وضمانه هو إلى جانب الدولة ومؤسساتها.
كما الموقف الفرنسي الملفت، لكنّ اكتفاء وزير خارجية إيران، عباس عراقجي، من وضع تغريدة حول إن سلاح المقاومة لن ينزع، جلّب عليه مواقف استنكارية من داخل لبنان، وفرض المزيد من العقوبات الأميركية على بلاده. لهذا يدرك الإيراني أن إعادة بناء ما دمّرته الحرب بات شبه مستحيل وسط تقارب أميركي – روسي في الشأن الأوكراني، في ظل خروج إعلام يتحدث على اللقاء المرتقب بين الرئيس الأميركي والروسي فلاديمير بوتين بمبادرة إماراتية.
قد لا تكون الأمور ذاهبة بهذه السلاسة إلى خواتيمها في لبنان، وقد يكون للحزب رأياً آخر في شأن تسليم سلاحه، وهو سيستفيد من اللعب في الوقت بدل عن ضائع إلى حين تتجلّى الصورة في قطاع غزة. أخذ الإسرائيلي قراره، ولكن ننتظر آلية التنفيذ، لهذا المشهد ارتدادات مهمة ليس فقط على بيروت، بل على العواصم العربية. إذ في حال أسقطت حماس مشروع تطويق القطاع والتهجير القسري، ستسقط معه جميع بنود الورقة الأميركية، لهذا سيعمد الحزب إلى الإطالة في مشروع تسليم السلاح، إلى حيث تتجلّى الصورة العامة في المنطقة، وإلى حين الوصول إلى انتخابات برلمانية يعيد إلى المجلس قوته التأثيرية فيه، وبين هذا الانتظار لن ننتحر وننجرّ إلى حرب داخلية في البلاد.