Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر August 13, 2025
A A A
ستة شهور وقت قياسي للسقوط
الكاتب: ناصر قنديل

كتب ناصر قنديل في “البناء”

– يكاد يكون المشهد اللبناني والسوري اليوم متشابهاً حتى في التفاصيل، سواء على مستوى هزال نموذج قدرة الدولة على حلّ المشاكل البسيطة للمواطنين كالكهرباء التي وعد الحكمان الجديدان بحلها كأولوية خلال شهور قليلة بعد تسلّم الحكم، أو على مستوى توحيد المكونات الوطنية وتجاوز مخاطر الأزمات الوطنية الكبرى واحتمالات الانزلاق نحو الحرب الأهلية، أو على مستوى القدرة على إدارة ملف السيادة الوطنية في مواجهة توحّش وتغوّل يبديه الإسرائيلي وتعجز واشنطن التي ترعى الحكمين الجديدين عن تقديم الحد الأدنى من موجبات الرعاية، ويكاد يعيد الحكمان الجديدان في سورية ولبنان التجربة التي خاضها نظام حكم الرئيس أمين الجميل عام 1983 قبل انهياره مطلع عام 1984 إثر انتفاضة 6 شباط، بعدما انهار نصفه في مطلع شهر أيلول 1983 مع هزيمة القوات اللبنانية في الجبل وسيطرة حركة أمل على الضاحية الجنوبية لبيروت.

– ليس خافياً حجم الجهد الأميركي الذي تمّ استثماره ومعه كل مقدرات الحلفاء من أجل تحقيق إنجازات بحجم صعود حكم جديد في سورية في الكنف الأميركي، ومثله في لبنان، ولم تكن الحرب الإسرائيلية التي رمت أميركا بكل ثقلها لجعلها مكلفة على المقاومة في لبنان عندما عجزت «إسرائيل» عن الفوز بها بقدراتها الذاتية، إلا جزءاً من خطة التغيير الأميركية، فكانت عمليات الاغتيال وقبلها البيجر واللاسلكي، لفتح الطريق البري أمام جيش الاحتلال، وهو ما نجحت المقاومة رغم حجم جراحها أن تحوّله إلى مناسبة لاستنزاف جيش الاحتلال وصولاً إلى دفعه لطلب وقف النار، الذي أرادت واشنطن تحويله بقوة التغيير في بنية السلطة إلى مدخل لإنهاء سلاح المقاومة، وكذلك في سورية رمت واشنطن بثقلها لتجميع مقدرات حلفائها العرب والأتراك والإسرائيليّين لتنفيذ عملية استخبارية ضخمة انتهت بسقوط النظام في سورية، وقفزت فوق كل المحرمات بفتح الطريق أمام جبهة النصرة لتسلم مقاليد الحكم، وبسرعة فائقة رفعت عنها العقوبات وقدّمت لها كل أسباب التقدم نحو نيل اعتراف دول العالم وفتح أبواب التعامل الاقتصادي والسياسي والأمني معها، وضغطت على حليفها الكردي التاريخي للاندماج بالحكم الجديد دون شروط، وتجاهلت كل تركيبة القوى التي وصلت إلى الحكم ومدى قدرتها على التأقلم مع ممارسة الحكم.

– بعد ستة شهور أدّى فيها الحكم في لبنان والحكم في سورية كل ما تضمنته الوصفة الأميركية، يعاني الشعب في البلدين من أزمات خانقة، ولا يبدو في الأفق أن هناك حلولاً قريبة للأزمات، ويتزامن عاملان خطيران في النمو والتصاعد نحو الانفجار، من جهة تعامل إسرائيلي قائم على الإذلال والتوحّش وإدارة الظهر لكل مظاهر حفظ ماء الوجه للحكمين الجديدين، ومن جهة تفكك وتشققات في البنية الوطنية للمجتمع، بصورة تهدّد السلم الأهلي، وغالباً بسبب عبث العامل الإسرائيلي كما هو الحال في سورية، أو بسبب التهرب من مواجهة العامل الإسرائيلي واستبدال ذلك بالمواجهة مع المقاومة لاسترضاء الأميركي والإسرائيلي، كما هو الحال في لبنان. وفي الحالتين تصغر الدولة بعيون شعبها ويصبح خطابها عن تصنيف مَن يحمل السلاح بالخارج على القانون مثيراً للسخرية، حيث في سورية مَن يحمل السلاح جماعة جبهة النصرة في مؤسسات الدولة وخارجها ويطلب من العلويين والدروز والأكراد تسليم السلاح ولا تمّت ملاحقتهم وقتلهم بصفتهم خارجين عن القانون، وما يقوله الغرب عن مجازر الساحل والسويداء كافٍ في توصيف الحال التي تعيشها مؤسسات الحكم الجديد من توحّش وإجرام وإرهاب، بينما في لبنان قرّرت الحكومة التي تصمت على كل جرائم الاحتلال وانتهاك السيادة اليوميّ من جيش الاحتلال، أن تصنف سلاح المقاومة خارجاً عن القانون، مخالفة أبسط معايير القانون الدوليّ التي تعتبر أن شرعيّة المقاومة المسلحة أعلى مرتبة من شرعية الحكومة التي تتلكأ في مواجهة الاحتلال.

– بعد ستة شهور، لبنان وسورية على مسافة رمية حجر من الحرب الأهليّة والانقسام الوطنيّ يسجل كل يوم واقعة جديدة رغم حال الإنكار والمكابرة التي يعيشها الحاكمون الجدد، بحيث لم يعد من معبر آمن نحو الإنقاذ إلا مبادرات بحجم مطالبة رئيس الجمهورية في لبنان بالدعوة لما وعد به من مناقشة عامة لاستراتيجيّة الأمن الوطني وفي قلبها خطة الدفاع الوطنيّ، بمعزل عن مصير قرار الحكومة، عسى أن يفتح هذا الحوار كوّة في جدار الأزمة، أما في سورية فيبدو الضغط على المبعوث الأممي غير بيدرسون للمطالبة بتفعيل القرار 2254 كأساس لتشكيل هيئة حكم انتقاليّ تمثل الجميع، وتنتقل إليها كل الصلاحيات التنفيذية، ولو بقي الرئيس الانتقالي، وتنجز خلال ستة شهور دستوراً جديداً وتدعو لانتخابات عامة خلال 18 شهرا كما نصّ القرار 2254.