Beirut weather 22.43 ° C
تاريخ النشر July 25, 2025
A A A
حراك عربي سطحي وإمساك إسرائيلي بالمبادرة
الكاتب: ناصر قنديل

كتب ناصر قنديل في “البناء”

قرّر النظام العربي الرسمي أنه غير معنيّ بما تفعله “إسرائيل” في غزة ولبنان انطلاقاً من اعتبار الأطراف التي تعلن “إسرائيل” الحرب عليها، أعداء للنظام العربي لا مانع من التخلص منهم، ولو بأيد إسرائيلية، ولو أدى ذلك الى ما يمكن وصفه بالأضرار الجانبية، سواء قتل الآلاف من المواطنين الفلسطينيين واللبنانيين، والمزيد من التغوّل الإسرائيلي والقناعة الأميركية بأن تغطية الجرائم الإسرائيلية التي ينتفض العالم بوجهها، لا يعكر صفو العلاقة الأميركية العربية ولا التزام العرب بتقديم تمويل سخيّ لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وارتضى النظام العربي ربط نزاع لفظيّ مع كيان الاحتلال حول الضفة الغربية والقدس، فهو يقول إنّه متمسك بحلّ الدولتين، و”إسرائيل” تمضي قدماً بإجراءات تهويد القدس وتوسيع الاستيطان في الضفة، وحصر النظام العربي رؤيته لدوره الإقليميّ تحت عباءة أميركية بمحاولة الحؤول دون مواجهة مفتوحة بين أميركا وإيران سوف تشعل الخليج وتتسبب بكارثة مالية وبيئية من جهة، والاستثمار على النظام الجديد في سورية كإنجاز عربي تركي أميركي مشترك.

أدرك قادة الكيان أن انكفاء العرب عن تقديم الحماية لغزة ولبنان، وامتناعهم عن استخدام أوراق القوة العربية للضغط لوقف الحرب فيهما، ليس بسبب العداء مع حركة حماس وحزب الله كما يقولون، بل تفادياً لمواجهة مع “إسرائيل” أرادوا تحويلها الى مدخل لصفقة يتم فيها تقاسم الساحات تقول لـ”إسرائيل”، خذي غزة ولبنان ودعي لنا سورية واحترمي ربط النزاع حول الضفة الغربية والمواجهة مع إيران، وما فعلته “إسرائيل” في سورية ليس إلا تتمة لقرارها بضمّ الضفة الغربية بعد قرارها بخوض الحرب على إيران مع اليقين بأنها أقدر على التأثير على الموقف الأميركي الذي يركن إليه العرب، حتى لو أدى ذلك إلى الإطاحة بمصالح عربية وتعريض مصالح عربية للخطر، أو تسبب بسقوط الخطاب العربي الداعي إلى تسوية سياسية للقضية الفلسطينية، لأن الرسالة التي تلقتها “إسرائيل” من السلوك العربي تقول إنهم مجرد ظاهرة صوتية.

في سورية هناك مَن يقول إن ما يبدو نصائح أميركية أو تحذيرات أميركية للنظام الجديد، تحت عناوين مثل توسيع المشاركة السياسية والطائفية واعادة النظر ببنية الجيش، يعرف الأميركي أنها صحيحة، لكنه يعرف أنها صحيحة قبل التدخلات الإسرائيلية العدوانية الأخيرة التي وصلت إلى قصف مقار الرئاسة ووزارة الدفاع في دمشق، هو في الحقيقة اختباء وراء هذه العناوين الصحيحة للتنصل من أي مطالبة بموقف يحمي النظام الجديد من الاعتداءات الإسرائيلية، بحيث يصبح عدم سماع النظام النصائح والتحذيرات تفسيراً لفشله وتعرضه للاستهداف الإسرائيلي، بما يوحي أن الائتلاف الأميركي التركي العربي الداعم للنظام الجديد قد أصيب بصدع كبير، خرجت منه أميركا لصالح تموضع يجنب واشنطن فرضية الضغط على “إسرائيل” ويرسم خطوطاً حمراء أمام اعتداءاتها.

ما فعلته تركيا لم يكن أفضل مما فعله العرب، فعندما أعلنت “إسرائيل” أنها سوف تحتفظ بصلاحية التدخل في جنوب سورية وأجواء سورية كلها، ولن تسمح ببناء جيش سوري حقيقي يملك أسلحة حقيقية، وأنها ترسم خطوطاً حمراء أمام الدور التركي العسكري في سورية، التزمت تركيا بهذه الخطوط الحمراء رغم رفع صوتها، وكان لافتاً أن الطيران التركي الذي تصدّى للطيران الروسي في سماء سورية عام 2015 وأسقط طائرة روسية، امتنع عن مجرد التحليق في أجواء دمشق كرسالة حضور داعمة للنظام السوري الجديد، بعد الغارات الإسرائيلية التي استهدفت مقار الرئاسة ووزارة الدفاع في العاصمة السورية.

الحركة السعودية الاستثمارية نحو دمشق، محاولة للقول إن سورية تحظى بالرعاية العربية، وإن نظامها الجديد قادر على توفير الاستقرار، ورسالة أمل للسوريين بعد الأحداث الدامية في بلادهم وما أثارته من مخاوف تقول إن بلدهم ليس في حال خطر وإلا كيف تستثمر فيه السعودية هذه المبالغ الطائلة، لكن المشكلة هي أن هذه الرسالة لن تردع “إسرائيل” من جهة، و لكنها من جهة موازية لن تصلح علاقة النظام بالمكونات السورية التي ذاقت الأمرين من الأحادية الحزبية والمذهبية والعقائدية للنظام، ودفعت دما على أيدي قواته العسكرية والأمنية التي لم تغادر عقلية الفصائل، بينما استجابة النظام لدعوات الإصلاح الأميركية تحمل معها مخاطر انفجار العلاقات بين النظام ورئيسه من جهة وقادة الفصائل التي تحالفت معه لتقاسم عائدات تسلّم الحكم من جهة مقابلة.

العرب والأتراك أمام خطر الفوضى في سورية، وربما تقسيمها، وما يعنيه ذلك من تحول سورية إلى بؤرة تشع بالخطر على كل من حولها، خصوصاً تركيا والعراق ولبنان والأردن والسعودية، ولا يمكن الرهان على قيام أميركا بالاصطفاف الواضح بوجه التدخلات الإسرائيلية العدائية، وتركيا تملك القدرة العسكرية على التدخل بجيشها عند الحاجة، وتملك القدرة على ضبط الفصائل عبر توظيف نفوذها الاستخباري متى تشاء، لكن كل ذلك ينتظر الإرادة السياسية لخوض مخاطر مواجهة مع “إسرائيل” لرسم خط أحمر أمام تطلعاتها، فهل يفعل العرب والأتراك ذلك، وهم يتركون غزة تموت جوعاً دون فعل شيء؟