Beirut weather 17.99 ° C
تاريخ النشر July 12, 2025
A A A
في ذكرى الحرب تعالوا نتذكّر ونفكّر!
الكاتب: ناصر قنديل

كتب ناصر قنديل في “البناء”:

في مثل هذه الأيام قبل عقدين تقريباً شنت “إسرائيل” عدوانها على لبنان عام 2006، وخلال شهر كامل كانت طائرات جيش الاحتلال تقصف وتدمر الجسور والأبنية وتستهدف الحجر والبشر على امتداد مساحة لبنان، وتقدّم للبنانيين شروطها الواضحة، تسليم حزب الله السلاح وإلا المزيد من القتل والتدمير، وكانت واشنطن ممثلة بوزيرة خارجيتها غونداليزا رايس تضغط لصالح المطلب الإسرائيلي وتقترح تحويل اليونيفيل إلى قوات متعددة الجنسيات تعمل وفق الفصل السابع، تشرف على نزع السلاح ومراقبة الحدود اللبنانية السورية وتتسلم المطار والمرفأ، وتصف ما يجري بأنه مخاض ولادة شرق أوسط جديد، وهو ما يعلنه بنيامين نتنياهو هذه الأيام عن رؤيته لوظيفة الحروب التي يخوضها، وكان في لبنان منذ اليوم الأول من يردّد صدى التهديدات الأميركية الإسرائيلية، من داخل الحكم وخارجه، ويقول إن التسريع بتسليم السلاح سوف يُسرّع بإنهاء الحرب، تماماً كما يحدث الآن.

انتهت الحرب بعد 33 يوماً ولم تنجح محاولات الحصول على توقيع المقاومة بالاستسلام وتسليم السلاح، رغم أن القرار 1701 تحدّث عن تصوّر نهائي لا مكان فيه إلا لوجود سلاح الدولة اللبنانية، لكنه وضع أولويّة للانسحاب الإسرائيلي ووقف الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية فوراً، وربط جعل جنوب الليطاني منطقة حصريّة للجيش اللبناني بتنفيذ “إسرائيل” للانسحاب ووقف الانتهاكات، وهو ما لم يتحقق، ببقاء الاحتلال في الجزء اللبناني من بلدة الغجر واستمرار انتهاك الأجواء والمياه اللبنانية. وبسبب هذا التعطيل الاسرائيلي لمراحل الاتفاق تجمّد كل شيء، بما في ذلك المرحلة الثانية من الانسحاب الإسرائيلي إلى الحدود الدولية للبنان، واعتماد حل لمزارع شبعا يقترحه الأمين العام للأمم المتحدة، وقد وضع الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون مقترحاً بنقل السيادة على المزارع لليونيفيل بانتظار تفاهم لبنانيّ سوريّ على ملكيّتها على قاعدة الانسحاب قبل الترسيم ولا ترسيم في ظل الاحتلال، وكما رفضت “إسرائيل” الانسحاب من الجزء اللبناني من بلدة الغجر رغم وعودها بفعل ذلك ورفضت وقف طلعاتها الجوية وانتهاكاتها البحرية، رفضت مقترح بان كي مون، وتعطل كل مسار القرار 1701 بما في ذلك ما كان يتّصل بترسيم الحدود اللبنانية السورية وضمان أمنها، وفتح باب النقاش حول سلاح المقاومة ضمن استراتيجية للدفاع الوطني.

هذه المرّة استفاد الأميركي والإسرائيلي من الارتباك الذي عاشته المقاومة مع الداخل اللبناني بسبب إقدامها على فتح جبهة إسناد لغزة من خارج الإجماع اللبناني، ما أفقدها خاصية الدفاع التي ميزتها دائماً وما معها من قدرة ردع، ووضعها في موقع الهجوم خارج العنوان الوطني اللبناني الجامع، خصوصاً أن هذا الارتباك السياسي ترافق مع ارتباك عسكريّ ناتج عن الضربات التي لحقت بقيادات المقاومة وبيئتها وبناها العسكرية والتنظيمية مع ضربات البيجر واللاسلكي، رغم أن الجبهة الأماميّة نجحت بعد ذلك بتعديل التوازن بنسبة كبيرة بصمودها الأسطوريّ، وفرض هذا الثبات نفسه على مفاوضات وقف إطلاق النار، بإعادة إنتاج اتفاق تحت سقف القرار 1701 نفسه كإطار لتوازن مشابه لتوازن ما بعد حرب 2006، مع تعديلات تكتيكية عبرت عن نسبة الخلل الذي نجح الاحتلال بفرضه، سواء لجهة استبدال الانسحاب الفوري والوقف الفوري للاعتداءات بمهلة ستين يوماً تم تمديدها ورغم انتهاء المهل لا زال الاحتلال قائماً ولا زالت الاعتداءات مستمرّة، أو لجهة جعل انسحاب المقاومة من جنوب الليطاني لصالح الدولة اللبنانية قبل انسحاب الاحتلال ووقف اعتداءاته، بعدما كان القرار 1701 قد جعل هذا الانسحاب لاحقاً لانسحاب الاحتلال ووقف اعتداءاته. وهذا يعني رغم التعديلات التكتيكية أن الإطار الاستراتيجي لم يتغير، فلا قوات متعددة الجنسيات ولا فصل سابع، ولا صك استسلام بإلقاء السلاح كشرط لوقف الحرب، والقرار 1701 نفسه يعود إطاراً لترتيبات وقف النار.

كان التحوّل الأهم هو ما ترتب في الداخل اللبناني، بالتزامن مع تحوّل كبير في سورية وتغيير النظام وهويته وموقفه من المقاومة ومن المواجهة مع الاحتلال، والواضح أن الصراع الدائر حول هوية الدولة اللبنانية وموقفها من الاحتلال والسيادة الوطنية والمقاومة ضمناً، هو بالضبط الذي سوف يقرّر ميزان القوى النهائي، فقد اندفع الزخم الغربي والعربي نحو إعادة تركيب السلطة في لبنان وفق رؤية تقول بمحاصرة المقاومة، لم يلبث أن ظهر أنها رؤية متسرّعة، فالرئيس المنتخب العماد جوزف عون الذي أعلن سعيه لحصر السلاح بيد الدولة، وجد من المقاومة كل التعاون في الانسحاب من جنوب الليطاني ترجمة لرؤيته التي قبلت بها المقاومة، والتي تقول بخطوة أولى في جنوب الليطاني تبدأ بها المقاومة ويليها التزام الاحتلال بالانسحاب ووقف الاعتداءات، وفقاً لنص الاتفاق والضمانة الأميركية الفرنسية، على ان يلي ذلك فتح باب البحث بالاستراتيجية الدفاعية وضمنها مستقبل سلاح المقاومة، وهو يكتشف خلال سبعة شهور مضت على الاتفاق أن لا نية بالضغط على الاحتلال لتنفيذ التزاماته، بل مزيد من الضغط على لبنان طلباً للبدء بنزع سلاح المقاومة كشرط لمطالبة الاحتلال بالانسحاب ووقف الاعتداءات. وكما في المرة السابقة يتردّد صدى هذه المطالبات داخلياً باتهام رئيس الجمهورية بالخوف المبالغ به من الحرب الأهلية، وهو يؤكد التمسك بما سبق واتفق عليه مع المقاومة ومع الأميركيين، ولم يكن الإخلال من جانب المقاومة، فكيف ينقلب على ما تمّ الاتفاق عليه، ويترك البلد لقمة سائغة لـ”إسرائيل” التي إذا سقط حافزها بما يتصل بمستقبل سلاح المقاومة لن تنسحب ولن توقف اعتداءاتها، ما دامت لم تفعل ذلك والحافز أمامها، والحديث عن ضمانات أميركية يكرّر الحديث الذي سبق عن الضمانات المعطاة مع اتفاق وقف إطلاق النار؟

عدنا الى ما كان عليه الوضع مع تعطيل تطبيق القرار 1701، ومسار مستقبل السلاح ضمناً، لكن مع فارق أن هناك تحديات مستمرة تتمثل بالاحتلال والاعتداءات وتعطيل إعادة الإعمار، ما يستدعي حواراً بين الدولة والمقاومة، حول كيفية مواجهة هذه التحديات بروح وفاقية وفرض حقوق لبنان بالقوة التي تجمع قدرات لبنان المتعددة، بالتوازي مع تقديم رؤى مستقبلية حول علاقة المقاومة بالدولة ومستقبل السلاح، تزيد موقع الدولة قوة نحو الخارج بدون أن تضعف لبنان والمقاومة.