Beirut weather 17.99 ° C
تاريخ النشر July 9, 2025
A A A
المرونة الأميركية.. والمقاومة!
الكاتب: غسان ريفي

كتب غسان ريفي في “سفير الشمال”:

سادت أجواء من الإرتياح بعد أيام من الانتظار تخللها الكثير من التحليلات والتسريبات والمعلومات من أطراف عدة، تتحدث عن مرحلة صعبة ستبدأ مع الزيارة الحاسمة للمبعوث الأميركي السفير توماس باراك إن لم يتقدم لبنان بشبه وثيقة إستسلام، ردا على المقترح الأميركي.

لا شك في أن موقف لبنان الذي تسلمه باراك بسبع صفحات، كان موقفا دقيقا يراعي الخصوصية اللبنانية وخصوصية الواقع الاقليمي، وهو لم يأت كما يشتهي أصحاب الرؤوس الحامية والمواقف المتطرفة من سلاح المقاومة التي ومن خلال موافقتها على الورقة اللبنانية، عبرت عن قدرة على إدارة الموقف السياسي وفق متطلبات المرحلة من دون التنازل عن شعار “إنا على العهد”.

وكانت لافتة مرونة المبعوث الأميركي الذي تعاطى بكثير من الدبلوماسية مع الرد اللبناني، وهذا بالطبع لم يعجب إسرائيل التي إستبقت وصول باراك الى لبنان وعملت أثناء وجوده وبعد مغادرته بسلسلة من الغارات على إمتداد الساحة اللبنانية وصولا الى تخوم مدينة طرابلس في العيرونية شمالا.

هذا الموقف الصهيوني بالحديد والنار، يعبر عن عدم رضى العدو عن السقف السياسي الأميركي، ما يوحي أن هذا التصعيد الى حد ما هو في وجه الأميركي الذي يريده الاسرائيلي أكثر تشددا مع لبنان وأكثر حزما مع المقاومة.

وبحسب بعض المصادر، فإن التباين بين الرؤية التلمودية للصراع في الشرق الأوسط والرؤية الأميركية القائمة على المصالح أصبح واضحا، وهذا لا يمكن فهمه حسب المصادر نفسها إلا بوجود خلاف إستراتيجي أميركي إسرائيلي في المنطقة، علما أن الولايات المتحدة قادرة على فرض إرادتها على الكيان الصهيوني من موقع الحرص على مستقبل الكيان، ومن موقع الحذر الشديد من السياسة الاسرائيلية الحالية القائمة على الإيديولوجيا كونها تضر بمصالح الكيان الاستراتيجية.

هذه المعطيات إن صحّت توضح الى حد ما إتساع هامش المناورة للقيادة اللبنانية التي بدت مرتاحة لمنطق توم باراك، وهذا يعني أن لبنان لم يعد تحت المطرقة الأميركية وضغط الجدول الزمني والتهديدات المتلاحقة، وأن مرونة الولايات المتحدة متأتية من فهم طبيعة الواقع السياسي اللبناني وعدم قدرة أي قوة محلية أو إقليمية على إلغاء المقاومة وحزب الله على حد سواء.

هذا التحليل يؤيده إعتراف توم باراك الواضح والصريح بالحضور السياسي لحزب الله في المشهد اللبناني، وهذا ما تتحدث عنه مصادر عليمة حيث وبحكم التجارب، فإن الولايات المتحدة الأميركية هي دولة براغماتية وهذه البراغماتية يصعب أن تتجاوز حضور حزب الله الوازن جدا في لبنان، كما أنها تدرك أن أي تنازلات من قبل حزب الله يجب أن يقابلها ثمن كبير في السياسة، لذلك، وبحسب المعطيات على أصحاب الرهانات والأوهام أن ينتظروا مشهد الحضور السياسي الكبير لحزب الله مستقبلا، من دون ممانعة أميركا التي لن تتأخر عن غض النظر عن نفوذ الحزب مقابل بعضا من التنازلات أو التفاهمات أو التسويات لأن الثابت في السياسة الأميركية هو فقط أمن إسرائيل.