Beirut weather 16.88 ° C
تاريخ النشر June 4, 2025
A A A
عباس عراقجي: قوة التفاوض
الكاتب: ناصر قنديل

كتب ناصر قنديل في “البناء”

– بينما كان وزير الخارجية الإيرانية عباس عراقجي يوقع في بيروت كتابه قوة التفاوض، وهو يقول إن تخصيب اليورانيوم حق لا تنازل عنه وهو بالنسبة لإيران خط أحمر وإن إيران لا تأخذ إذناً من أحد في ممارسة حقوقها الثابتة، كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب يقول إن إيران ستواجه عواقب وخيمة في حال عدم الموافقة على مقترحات مبعوثه ستيف ويتكوف التي قال عراقجي إن فيها كثيراً من الغموض وإن إيران تدرسها وسوف تردّ عليها بما هو مناسب في الأيام القادمة.

– التوتر في مناخ التفاوضي بين واشنطن وطهران ليس خافياً، لكن عراقجي يقول إن التفاوض ليس الخيار الأفضل لواشنطن مع طهران، بل هو خيارها الوحيد، والكلمات ذاتها سبق وقالها وزير الخارجية الأميركية الأسبق جون كيري الذي تولى التفاوض والتوقيع على الاتفاق النووي الذي تنتهي مفاعيله منتصف الشهر المقبل بمرور عشر سنوات على توقيعه عام 2015، عندما شرح بعد توقيع الاتفاق لأعضاء السلك الدبلوماسي الأميركي في آسيا وأفريقيا خلفيات الاتفاق، فقال إن كل الإدارات الأميركية المتعاقبة التي تعاملت مع الملف النوويّ الإيراني وتحدّثت عن خيار الحرب تفادت هذا الخيار للسبب ذاته، وهو محدودية أثر الضربات الأولى على قدرات إيران النووية والعسكرية، والتسبب بالتالي بحرب استنزاف طويلة تهدّد القواعد والمصالح الأميركية في المنطقة من جهة، وتتسبّب باضطراب كبير في سوق الطاقة العالمي من جهة موازية. وهذه الموانع كانت تكبر كلما مرّ المزيد من الزمن، فكلفة حرب عام 2015 أكبر بكثير من كلفة حرب عام 2005، وما جرى استبعاده عام 2005 مستبعد بقوة أكبر عام 2015، ونضيف لقوله إنه مستبعد أكثر وأكثر عام 2025، أما الخروج من التفاوض دون اتفاق للعودة إلى سياسة العقوبات فإن سيرة العقوبات تقول إن إيران راكمت المزيد من التقدّم في قدرتها النووية وقوتها العسكرية في ظل العقوبات، فهي لم تكن قد بدأت تخصيب اليورانيوم عندما بدأ التفاوض وتمّت العودة للعقوبات، ولم يكن لديها صواريخ تصل لأبعد من 700 كلم في أيام التفاوض الأولى، وهي تقوم بالتخصيب عام 2015 بنسبة 20% وتملك صواريخ بمدى 2000 كلم، ونضيف ها هي عام 2025 تخصب بنسبة 60% وتملك صواريخ تصل الى 6000 كلم، وبعد سنوات سوف تخصب على نسبة 90% وتملك صواريخ تصل إلى 10 آلاف كلم، لذلك فإن بديل الاتفاق هو الاتفاق وبديل التفاوض هو التفاوض.

– يمثل عراقجي عملياً عنوان كتابه، فهو قوة التفاوض، وقد شرح عنوان الكتاب أمام الذين حضروا التوقيع بقوله، إن القوة شرط ضروري للتفاوض وبدون القوة لا أرضيّة تتيح لصاحب الحق أن يفاوض، والتفاوض ثمرة اليقين باستحالة اللجوء إلى القوة لحسم القضايا الخلافية. وهذا يستدعي أن يمتلك الطرفان قوة كافية تُقنع الطرف الآخر بحتمية البحث عن حل عبر التفاوض، وهذا الشرط الأساس المتوافر في الحالة الأميركية الإيرانية، ويضيف عراقجي معنى آخر لقوة التفاوض وهو امتلاك رؤية واضحة واستراتيجية مدروسة للتفاوض، ومهارات وأدوات وخيارات وبدائل لا بدّ منها على طاولة التفاوض. وهذا الشرط الذي تحرص إيران على التفوق فيه على أميركا، سواء وضوح رؤيتها أو تماسك قياداتها وجبهتها الداخلية حولها، وخصوصاً المهارات التفاوضية والهدوء والذكاء وحسن إدارة الملفات التفاوضية والتمسك بالتفاوض خياراً دائماً دون تحويل الحياة الإيرانية إلى رهينة للتفاوض، فإيران تمضي في خططها النووية والاقتصادية وكأن العقوبات مستمرّة، أما المعنى الثالث حسب عراقجي فهو أن التفاوض بذاته ينشئ قوة لمساره يفرض نفسه على المفاوضين، ودينامية تستقطب الرأي العام وتضغط على المفاوضين، باعتباره تفادياً لخيارات أشد تسبباً بالقلق والخطر، والتفاوض قوة للمفاوضين بصفته قيمة معنوية سلمية ونموذجاً لما تستطيعه القدرة البشرية والإنسانيّة على تجاوز حلقات خطرة عبر الاحتكام للعقل والبحث عن حلول مبتكرة تتفادى هدر الثروات والأرواح في حروب يمكن تجنّبها.

– كلام ترامب مقابل كلام عراقجي يوضح أن واشنطن مشتتة بين إغراء الكلام الحربي والمصالح التفاوضيّة، وأن إيران بشخص عراقجي تمثل قوة التفاوض.