كتب مرسال الترس في “الجريدة”
منذ تم وضع الركائن الأساسية لحاضرة الفاتيكان قبل ألفي عام ونيف، عندما صُلب القديس بطرس بالمقلوب حتى لا يكون شبيهاً بمعلمه السيد المسيح، وهذه الدولة التي تُعتبر من الأصغر في العالم بالمساحة ولكنها ذات تأثير معنوي وديني غير مسبوق على صعيد الكرة الأرضية، إذ أن هناك أكثر من مليار وأربعمئة مليون إنسان يستمعون إلى توجيهاتها وتعليماتها بدقة.
وإذا كان في تاريخ بعض القادة المتغطرسين، أو الأمبراطوريات الطاغية، مَن لم يأخذ على محمل الجد ذلك التأثير، فإن العديد من الوقائع الميدانية قد أثبتت العكس، وباتت العديد من الدول تأخذ بعين الإعتبار حضور تلك الدولة التي لها نحو مئة وثمانين سفيراً في العالم.
ففي العام 1945، سخر الزعيم الشيوعي جوزيف ستالين من وقوف الفاتيكان ضد الزعيم النازي أدولف هتلر، ولكن ستالين ربح الحرب العالمية الثانية مع الحلفاء ضد الزعيم الالماني.
وفي العام 1978 وصل إلى السدة البابوية البولوني كارول جوزيف فوتيلا، الذي حمل لقب “يوحنا بولس الثاني”، الذي ساهم مساهمة فعالة في إنهيار النظام الشيوعي مع تفكّك الاتحاد السوفياتي سنة 1991.
منذ أيام، وقبل أن ينعقد مجمع الكرادلة “الكونكلاف”، سخر الرئيس الأميركي دونالد ترامب بطريقة غير مباشرة من طريقة انتخاب البابا الجديد الخلف للبابا فرنسيس الأول، فأجاب على سؤال عمّن يفضل أن يكون على رأس الكنيسة الكاثوليكية: “لماذا لا أكون أنا”؟! وذهبت وسائل الإعلام إلى نشر صور لترامب بالثياب الحبرية!
وجواب الرئيس ترامب لم يكن عابراً أو بالصدفة، فالرجل، منذ تسلمه مهام الرئاسة الأميركية في ولاية ثانية مطلع السنة الحالية، وهو يرسل التحدي تلو الآخر لرئيس هذه الدولة أو تلك.
شهد العالم على إذلال الرئيس الأوكراني فولودومير زيلينسكي في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، وعلى إحراجه الملك الأردني الملك عبدالله الثاني، وعلى إعلانه تحدياً بضم الأراضي الكندية إلى بلاده وكذلك قناة بنما وقطاع غزة.. والحبل على الجرار… وكأنه أصبح الامبراطور الأكثر نفوذاً في القرن الحادي والعشرين، والذي يجب أن لا يُرد له أمر.
والصدفة، ربما، أوصلت الأميركي، روبرت بريفوست إلى “كرسي بطرس” تحت إسم “لاون الرابع عشر” (أو ليو 14) تيمناً باسم البابا “لاون الأول” (أو ليو الأول) الذي أحدث ثورة في الفاتيكان، كي يعمل على تعزيز الحضور الكاثوليكي في الولايات المتحدة الأميركية التي أفسحت أمام البروتستانت لتكوين لوبيات ضغط تكاد لا تضاهى إزاء الكاثوليك.
وقد شدّد البابا الجديد في إطلالاته الأولى على السلام في عالم يفتقد المعنى والرحمة.
فهل يمكن أن يصل إلى موازاة سلفه يوحنا بولس الثاني الذي عدّل في تراتبية الامبراطوريات في العالم؟