Beirut weather 23.54 ° C
تاريخ النشر March 13, 2025
A A A
هل المشكلة المقاومة أم الرهان على الأميركي؟
الكاتب: ناصر قنديل

كتب ناصر قنديل في “البناء”:

في لحظة فارقة من حرب طوفان الأقصى، وبعد اغتيال السيد حسن نصرالله، الذي قال رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو “إنه محور محور المقاومة، وإن رحيله مهّد الطريق لسقوط نظام الأسد، وتراجع قوة ومكانة حزب الله في لبنان”، انصرف مفكرون لبنانيون وعرب وأتراك كل في مكانه ومكانته وعلاقاته ومراكز تفكيره، وليس بينهم قطعاً أيٌّ من نواب التغيير في لبنان ولا أي من بقايا المعارضة السورية، لكن منهم شخصيات دخلت إلى الحكومة الجديدة في لبنان وشخصيات وازنة في مكانتها الفكرية لدى القطريين والأتراك بسبب مكانتها السابقة في العلاقة مع النظام السابق في سورية، وتوصّل هؤلاء لصياغة نظرية تقول إن حزب الله والنظام في سورية كانا عالقين بين خياراتهم العقائدية وهوياتهم الوطنية التي تحملت أعباء الانتماء العقائديّ، بما لا يتيح استخدام كامل فائض القوة لديهما في حرب طوفان الأقصى ذهاباً إلى الحرب الكبرى، بعدما لم يكن ممكناً لهما التصرّف تجاه اندلاع الحرب بغير ما يُمليه الاعتبار العقائديّ منعاً للانتحار الأخلاقي. ووصل هؤلاء لخلاصة مفادها، لبنانياً وسورياً، بوجود فرصة يجب ألا تضيع!

الفرصة هي بناء مساحة ثالثة بين “إسرائيل” والمقاومة في لبنان، ومساحة ثالثة مشابهة بين “إسرائيل” وأميركا من جهة وإيران وقوى المقاومة من جهة أخرى في سورية، حيث تتيح الضربة التي تلقتها المقاومة في لبنان مخاطبتها بلغة الدعوة للموافقة على تعديل في مسار تطبيق القرار 1701، يقوم على الانسحاب لصالح الجيش اللبناني جنوب الليطاني قبل أن يتمّ الاحتلال الانسحاب إلى ما وراء الخط الأزرق، وقبل أن يوقف انتهاك الأجواء اللبنانية، أي ما يُسمّى في القرار 1701 بوقف كامل للأعمال العدائية. وبالمقابل فإن فشل جيش الاحتلال في التقدم داخل الأراضي اللبنانية بصورة تتيح التحدث عن انتصار إسرائيليّ، بما يسمح بالتحدث أميركياً مع الإسرائيلي لقول موازٍ، بأن لا تستخدم “إسرائيل” التراجع الذي يقدّمه حزب الله للدولة اللبنانية لمزيد من التوغل والتغوّل، بل تقبل بتقديم تنازل مشابه له بالتسريع بوقف الأعمال العدائية بما فيها الانسحابات الواجبة، وتضعها رصيداً لصالح دولة يكون قادتها أصدقاء لأميركا برعاية سعودية مباشرة، فتنشأ منطقة سياسيّة ثالثة في لبنان ليست المقاومة ولا الاحتلال، هي منطقة الدولة الصديقة لأميركا، التي تستطيع إعادة الكرة بعد كل إنجاز، فتطلب تنازلاً جديداً من المقاومة عنوانه حصر قرار استخدام السلاح بالدولة، وبالمقابل انسحاب إسرائيلي حتى خط الهدنة، بما يتيح فتح الطريق واسعاً لوضع المقاومة أمام استحقاق البحث بحصر حمل السلاح بالدولة، ولو على مراحل، فتنال “إسرائيل” ما يمكن القول لها إنها كانت عاجزة عن تحقيقه، ويقال للمقاومة إنها ساهمت بتراجعها أمام الدولة بأن ينال لبنان ما لم تكن قادرة على تحقيقه بتقدمها.

الفرصة الموازية في سورية، كما تخيّلها المفكرون العرب المقربون من تركيا وقطر والمفكرون الأتراك، وقادة قناة الجزيرة، تقول بأن منطقة ثالثة سياسياً واستراتيجياً يمكن بناؤها بين أميركا و”إسرائيل” من جهة وإيران وقوى المقاومة من جهة، ترعاها تركيا وقطر، وتستثمر على خسائر مرحلة الحرب وانشغال ايران والمقاومة بها، وانشغال روسيا بحرب أوكرانيا، وتأثير العقوبات الأميركيّة القاتل على الشعب السوريّ والجيش السوريّ وبنية الدولة السوريّة، وعلى نتائج الغارات الإسرائيليّة على تدمير بنية الجيش السوريّ وتقييد حركة إيران وقوى المقاومة، وتضع يدها على سورية بترتيبات بعضها يحتاج عملاً استخباراتياً دقيقاً، وينتج عنها نظام جديد موالٍ لأميركا، يستطيع إخراج إيران والمقاومة من سورية ويقطع عليهما طرق الإمداد، ويضعف الحضور الروسيّ ويحاصره، ما يحقق لـ”إسرائيل” ما لا تستطيع تحقيقه، ويمنح أميركا جائزة كبرى، ومقابل ذلك ينال انكفاء إسرائيلياً عن اللعب الأمني في سورية، وانكفاء أميركياً عن العقوبات بحق سورية وعن مشروع الخصوصيّة الكرديّة شمال شرق سورية.

حصيلة الاختبارين اللبناني والسوري، تقول إن اللحظة الأميركية التي ترافقت مع انتقال من ولاية رئاسية إلى أخرى توّجت بوصول الرئيس دونالد ترامب، وظهور أولوية تفاهم أميركي روسي، على بناء مساحات مستقلة مع تركيا والسعودية، وبالتزامن ظهور معادلة ضعف إسرائيلية ناجمة عن نتائج الحرب وانفكاك الرأي العام داخل كيان الاحتلال عن رواية الحكومة حول تحقيق نصر، وظهور علامات عدم الثقة من مؤشرات رفض النازحين للعودة، وظهور استحالة التعامل الإسرائيلي مع فرضية دولة فلسطينية كثمن للتطبيع مع السعودية في ظل هيمنة مجتمع المستوطنين في الضفة ورؤيتهم التوراتية لها كأرض ميعاد منتظرة، بدأ يتبلور موقف أميركيّ يتماهى مع الحاجة الإسرائيلية للتماسك الداخلي، وخطاب القوة، وبرز التوغل والتغول الإسرائيلي على جبهتي لبنان وسورية بتغطية أميركية، حتى برز مؤخراً موقف أميركي يدعو لضم ملف النقاط اللبنانية المحتلة الى ملف النقاط الحدودية العالقة والدعوة للمفاوضات حولها تماهياً مع النظرة الإسرئيلية، بينما على الجبهة السورية كان التوغّل والتغول أبعد مدى، وظهر أن الأميركي يربط رفع العقوبات عن سورية ورفع الحظر عن ما يحتاجه لبنان لتمويل نهوض الاقتصاد وإعادة الإعمار، بشروط الرضا الإسرائيلي.

تراجعت المقاومة في لبنان، ونهضت دولة صديقة لواشنطن تحت رعاية سعودية مباشرة، فهل صحّ الرهان على الأميركي؟ هل تحرّرت الأرض؟ وهل سوف تتحرّر كما كان يتوهّم كثيرون ولا يزال مثلهم يتوهمون؟ وسقط النظام في سورية وولد نظام في كنف تركيا وقطر، فهل انتقلت سورية إلى استقرار أمني يتوقف معه التوغل الإسرائيلي، وتستعيد سورية وحدة أراضيها أم تكرّست صيغ الفدرالية والميليشيات الطائفية والعرقية، وتدخل مخاطر على سلمها الأهليّ في الساحل وغير الساحل، ودائماً في ظل استمرار العقوبات الأميركية؟