Beirut weather 15.41 ° C
تاريخ النشر January 23, 2025
A A A
كباش ما بعد استقالة هاليفي: عين اليمين على قيادة الجيش
الكاتب: يحيى دبوق

 

كتب يحيى دبوق في “الأخبار”

 

كانت استقالة رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، حدثاً منتظراً، وإن حالت دونه الحرب على قطاع غزة واستمرارها طويلاً، بعد أن تعنّت رأس الهرم السياسي في إيقافها. أما وقد حصلت، فإن الاستقالة ستلقي بظلالها على المشهد الإسرائيلي للفترتين الحالية والمقبلة، وتتسبّب بكباش لا يمكن تقدير نتائجه منذ الآن، خاصة أنها من جملة استقالات سبقت وسوف تلي، لعدد لا يستهان به من المسؤولين العسكريين والأمنيين الإسرائيليين. أما أهم أسبابها، فهو أن هاليفي مسؤول عن فشل الجيش تحت قيادته، في كل ما يتعلّق بعملية «طوفان الأقصى»، والتي مثّلت فشلاً ذريعاً لمؤسسات إسرائيل الأمنية والعسكرية، سواء في تقييم الوضع وتقدير نيات حركة «حماس» وإمكاناتها، أي في مجمل طبقات الجهد والتقدير الاستخبارييْن، أو في الاستعداد لقوس الفرضيات والتهديدات التي يمكن أن تأتي من قطاع غزة، سواء ما سبق العملية أو ما واكبها، وكذلك ما أعقبها حتى بداية الحرب على قطاع غزة، والتي لن تستطيع على رغم قسوتها أن ترمّم صورة إسرائيل وجيشها وأجهزتها الأمنية.

وانضمّ إلى هاليفي قائد المنطقة الجنوبية، اللواء يارون فينكلمان، بوصفه أيضاً مسؤولاً عن فشل الجيش في «طوفان الأقصى»، على رغم أن استقالة الأخير لم تُحدّد بوقت، وظلّت مفتوحة بلا تاريخ استحقاق، وذلك على النقيض من هاليفي الذي حدّد موعد دخول استقالته حيز التنفيذ في السادس من آذار المقبل، أي بعد أيام قليلة من موعد انتهاء تنفيذ المرحلة الأولى من صفقة تبادل الأسرى مع «حماس». وعلى رغم أن التقديرات متناقضة، ومنها ما يرى الاستقالة فرصة لليمين المتطرف كي يسيطر على مؤسسة الجيش عبر تعيين رئيس أركان موالٍ وأكثر تطرفاً ومعنيّ بأيديولوجية المواجهة والاستيطان، وليس فقط بحفظ الأمن الجاري ومنع تشكّل التهديدات على الأمن الإسرائيلي أو تنفيذها، إلا أن هناك من يرى في ما وراء الخطوة، ترجيحاً لدى قيادة الجيش بأن الصفقة بمرحلتيها ستُنفّذ، وإلا لما كان هاليفي أقدم على الاستقالة، أو في حد أدنى لتركها معلّقة «طالما أن هناك حاجة» إليه، مثلما فعل قائد المنطقة الجنوبية.

اليمين يريد رئيس أركان أكثر تطرفاً واهتماماً بأيديولوجية المواجهة والاستيطان

وكان هاليفي قال، في رسالة الاستقالة، إنه سيورّث من يخلفه جيشاً مختلفاً «عالي الجودة وشاملاً»، فيما الواقع يقول إن الجيش لا يزال غارقاً في أزمة ثقيلة، كنتيجة مباشرة لأحداث 7 أكتوبر، والتي من شأنها أن تثقل على المؤسسة الإسرائيلية لأعوام مقبلة، خاصة أن تقاذف المسؤولية عنها وصل إلى مختلف المستويات. كذلك، ثمة أزمة لا يُسلّط الضوء عليها كثيراً حفاظاً على صورة الاقتدار في عين الجمهور الإسرائيلي ولدى الأعداء على السواء، وهي أن الكثير من الضباط، وتحديداً في الرتب الوسطى، يغادرون الجيش بلا توفّر بدلاء، في حين أن العبء العملياتي ملقى بشكل عام على الاحتياط، وسط تهرّب شريحة وازنة جداً من الإسرائيليين من الخدمة، مستفيدة من قوانين تتيح لها التهرب، ويجري استثمارها في خدمة أهداف سياسية بحتٍ، وفق ما تشير إليه العلاقة القائمة حالياً بين رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، والقطاع الحريدي الذي لا يريد أي تجنيد في الجيش، ويشن حرباً شعواء على أي اقتراح يؤدي إلى تجنيد الحريديم.

وعلى المقلب السياسي، لا يوجد في المؤسسة السياسية، من رئيس الحكومة إلى الوزراء المعنيين والمنسّقين التابعين لهم مع الأجهزة الأمنية، أي شخصية أعلنت أنها ستقرّ بالمسؤولية أو تنوي الاستقالة نتيجة الفشل الذريع في مواجهة عملية «طوفان الأقصى». لا بل إن التعليقات الواردة من عدد منهم، تظهر أنهم يتهربون من تشكيل لجنة تحقيق حكومية قد توجّه إليهم الاتهام بالتقصير، ويسعون إلى حصر المسؤولية في المؤسسة الأمنية، وكبار قادتها، من أمثال هاليفي وقائد المنطقة الجنوبية وعدد آخر من المسؤولين الأمنيين الذين أقروا بالفشل واستقالوا، وفي المقدّمة منهم رئيس شعبة الاستخبارات في الجيش، اللواء أهارون حليفا، وقائد فرقة غزة السابق، العميد آفي روزنفيلد.

ومع شغور منصب رئيس الأركان، وكذلك عدد من مسؤولي وقادة الشعب في الجيش، ستبدأ معركة السيطرة على المؤسسة العسكرية، ليس فقط في إطار آليات حكمت تعيين قيادة الجيش ومسؤوليه، بل ربما وفق آليات جديدة يريد فرضها اليمين المتطرف، وأعضاء الائتلاف نفسه، والذين سيعملون على فرض أسماء وشخصيات محسوبة على هذا الطرف أو ذاك من الشركاء السياسيين، الأمر الذي يسهّل لهم، لاحقاً، فرض أجندتهم الأيديولوجية والسياسية. وعلى رأس هؤلاء، وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، الذي أكّد أن «الفترة المقبلة ستشهد استبدال القيادة العسكرية العليا تمهيداً لاستئناف الحرب»، وإن كان الرأي السائد أن استئناف الحرب، لا يرتبط برئيس الأركان وهويته وأيديولوجيته.
وفي انتظار نتائج تلك المعركة، تبقى الأنظار شاخصة حالياً نحو اتفاق وقف إطلاق النار، وتقدير ما سيلي بخصوصه: فهل ينجح أطراف الاتفاق، إسرائيل و»حماس» والوسطاء، وعلى رأسهم الإدارة الأميركية الجديدة، في تنفيذه ومنع إفشاله، في مرحلتيه الأولى والثانية، أم أن للمعرقلين قدرة على فرض الفشل وعلى تجديد الحرب واستئنافها، وفق ما ذهب إليه الوزير في الحكومة الإسرائيلية، دافيد أمسالم، الذي رجّح أن المرحلة الثانية من الصفقة لن تبصر النور؟