Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر January 22, 2025
A A A
صندوق النقد في لبنان فور تشكيل الحكومة: زيادة القروض إلى 8 مليارات دولار… لكن بشروط “أقسى”
الكاتب: سلوى بعلبكي - النهار

لا يزال انتخاب رئيس جمهورية جديد للبلاد، وتكليف رئيس لتشكيل حكومة العهد الأولى، يرخي بظلال التفاؤل والأمل بعودة الحياة إلى شرايين الاقتصاد، ويجدّد ثقة المجتمع الدولي المالي والاقتصادي بقدرة لبنان على العودة إلى سابق عهده من النمو الإيجابي والاستقرار المالي.

لم تنكر المؤسسات الدولية في أي وقت، ثقتها بأن لبنان برغم تعقيدات الأوضاع السياسية والأمنية التي يعيشها، يمكنه العودة إلى “الصراط المستقيم”، وتقويم الاعوجاج النقدي والمالي الذي أصاب هيكل البناء الاقتصادي فيه، فأعطب أركانه الأساسية، وأضاع الودائع المصرفية، ما أفقده ثقة المستثمرين ورجال الأعمال العرب والأجانب.
لذا، لم يكتف صندوق النقد الدولي حضورياً أو عبر دراسات أو تصريحات معلنة بتقديم التشجيع والنصح المتكرر للدولة اللبنانية، بل شجعها مراراً للإقدام على تخطي البيروقراطية الإدارية، والمناكفات السياسية، والشروع بأسرع ما يمكن لوضع خريطة طريق واضحة المعالم والتوجهات، قابلة للتنفيذ وواقعية، يمكن معها التخطيط لعملية نهوض مالي واقتصادي، تسمح بإعادة الودائع والحقوق المصرفية لأصحابها بالتدرج، وتعيد تحريك عجلة النمو والإنتاج في شتى القطاعات.
في 16 الشهر الجاري، أبدى صندوق النقد الدولي عبر متحدثة باسمه عن استعداده لتقديم برنامج دعم جديد للبنان، علماً بأن اتفاقاً قد وقع على مستوى الخبراء في نيسان 2022 أقر دعماً من الصندوق بقيمة 3 مليارات دولار ولكنه لم يُنفذ.
لكن الجديد هو ما أكدته مصادر صندوق النقد لـ”النهار” أنه فور تشكيل حكومة جديدة، سيقوم وفد رفيع من الصندوق بزيارة لبنان، وفي جعبته عرض للحكومة، يقضي باستكمال البرنامج القديم، وصولاً إلى توقيعه قريباً أو تطويره، والأهم هو رفع المبالغ الممنوحة كقروض وزيادتها لتصل إلى 8 مليارات دولار، ولكن بشروط “أقسى” هذه المرة، وخصوصاً في شفافية إدارة المالية العامة، والضرائب والحلول الممكنة لأزمة المودعين. وأضافت المصادر أن الزيارة ستكون فرصة مناسبة لتقييم الإصلاحات التي أنجزها لبنان، مع تأكيد التعاون الإيجابي مع الحكومة الجديدة. وإذا تشكلت الحكومة الأسبوع المقبل، فإن الوفد لن يتأخر بالمجيء إلى لبنان، وقد تحصل الزيارة في آخر الجاري.
في تشرين الأول 2020 وفي عز الأزمة الاقتصادية والانهيار المالي، عزت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا هذه الأزمة إلى حالة التشرذم السياسي قائلة: “إن لبنان يشهد وضعاً اقتصادياً كارثياً بسبب عدم توافر الإرادة السياسية (…) التشرذم السياسي يغرق لبنان ويمنعه من الخروج من الأزمة”. وفي آخر زيارة قام بها خبراء من صندوق النقد للبنان في أيار 2024 أعلنوا أنه لا يزال عدم اتخاذ إجراءات بشأن الإصلاحات الاقتصادية الضرورية يلحق خسائر فادحة بالاقتصاد اللبناني والسكان. وتالياً يرى الأكاديمي والباحث اقتصادي الدكتور أيمن عمر أنه مع الخروج من حالة الاستعصاء السياسي والتشظي في الإدارات العامة وتوافر الإرادة السياسية بعودة الانتظام العام إلى المؤسسات الدستورية بانتخاب قائد الجيش العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية وتكليف القاضي نواف سلام لرئاسة الحكومة، وحالة الطمأنينة التي بثتها، يتوافر الشرط الأساسي الذي يطلبه الصندوق للمساعدة في الخروج من هذا الوضع الكارثي وهو وجود حكومة جديدة لديها الإرادة والصلاحيات المطلوبة لتنفيذ الإصلاحات الشاملة الضرورية”.
خلال سنوات الأزمة طرحت العديد من الأوراق والخطط الاقتصادية والمالية للخروج من الأزمة وأهمها الورقة الفرنسية في عام 2020 وما تضمنته من إصلاحات أساسية وهي: قطاع الكهرباء، الرقابة المنظمة لتحويل الرساميل (الكابيتال كونترول)، حوكمة وتنظيم قضائي ومالي، مكافحة الفساد والتهريب، إصلاح الشراء العام وأخيراً المالية العامة. ولكن جميعها وفق ما يقول عمر “لم تبصر النور إلى الواقع العملي، أما اليوم فمع هذا التوافق الإقليمي والدولي الذي أرخى بظلاله على الداخل اللبناني، تصبح الفرصة مؤاتية جداً لتحقيق الإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد للبدء بالتعافي الاقتصادي والخروج من الانهيار المالي”.
منذ آذار 2023 وصندوق النقد يحذر من أن “لبنان في وضع خطير للغاية”، وفي 9 حزيران 2023 وصف الأزمة بـ”الشديدة والمتفاقمة”، وما فتئ يكرر التحذير من أن لبنان “بحاجة إلى تحرك عاجل لتنفيذ إصلاحات اقتصادية شاملة، تجنباً لعواقب يتعذر إصلاحها”. لذا، يرى عمر أن “خطة الحكومة المرجوّة من الاختصاصيين يجب أن تتمحور حول الإصلاحات التي يطلبها صندوق النقد، وأهمّها:
– هيكلة القطاع المصرفي وحل مشكلة الودائع التي يعتبرها صندوق النقد الركيزة الأساسية للتعافي الاقتصادي. وتالياً عودة توفير الائتمان إلى الاقتصاد وتكوين ودائع جديدة تسهم في تكوين احتياطي متزايد من العملات الأجنبية وتحقيق الاستقرار النقدي.
– تعزيز المالية العامة عبر إقرار الموازنات العامة في مواعيدها الدستورية واستهداف العجز الصفري من خلال إصلاحات مالية، وتفعيل الإدارة الضريبية من أجل تحصيل الضرائب ولا سيما زيادة تعزيز تعبئة الإيرادات من خلال تعزيز الامتثال ومعالجة نقص الموارد والتمويل في المالية العامة الذي يحول دون توفير الخدمات العامة الأساسية والبرامج الاجتماعية والإنفاق الرأسمالي، وإعادة ترتيب أولويات الإنفاق الحالي لتلبية الاحتياجات الاجتماعية واحتياجات البنية التحتية الأساسية.
– الحوكمة والشفافية والمساءلة واتخاذ تدابير لزيادة الشفافية في القطاع العام، بما في ذلك البيانات المالية المدققة للمؤسسات العامة، فضلاً عن إصلاحات المؤسسات العامة على نطاق أوسع وفي مقدمها قطاع الكهرباء.
– إرساء نظام موثوق للنقد والصرف.
ويختم عمر بالقول إن “صندوق النقد الدولي ليس هو خشبة الخلاص حصراً للبنان من أزماته، ولكن أهم ما في هذه العملية هو الثقة التي يعطيها صندوق النقد للدولة اللبنانية والمالية العامة والقطاع المصرفي فيه، فيمتلك بذلك ما يشبه شهادة حسن سلوك للاقتصاد اللبناني ومؤسساته في المحافل الدولية والأسواق المالية العالمية، فيتحسن تصنيف لبنان الائتماني من وكالات التصنيف العالمية وتعود الثقة إلى سندات الدين الحكومة وخصوصاً اليوروبوندز، ويزداد الطلب عليها فتتوافر موارد مالية من الدولارات للخزينة وتتم معالجة الشحّ من الدولارات الذي كان السبب المباشر للأزمة والانهيار”.