Beirut weather 20.41 ° C
تاريخ النشر January 15, 2025
A A A
الاتفاق على بُعد خطوة: مرحلة أولى ناجزة
الكاتب: يحيى دبوق

 

كتب يحيى دبوق في “الأخبار”

ترجّح التقديرات أن الصفقة بين إسرائيل وحركة «حماس» باتت ناجزة، وإنْ كانت الشكوك لا تزال قائمة لدى المراقبين في إتمامها. ومع تجاوز غالبية العقبات «الداخلية» بالنسبة إلى إسرائيل، فإن الجانب الفلسطيني معنيّ بأن لا يعرقل أيّاً من التفاهمات الحاصلة، بعد أن كان لتدخُّل الوسيط الأميركي والإدارة الجديدة تأثير هائل، علماً أن تلك الضغوط لم تتكثّف إلا مع وصول إسرائيل إلى حائط مسدود في حربها على غزة. وفي هذه الأجواء، لا يزال الجدال قائماً حول موعد الإعلان عن الصفقة، وما إذا كان سيسبق تنصيب دونالد ترامب، أو يتزامن معه، أو يعقبه، رغم أن التقديرات ترجّح الاحتمال الأول.

وإذا كانت إسرائيل، من الناحية النظرية، قادرة على الانسحاب من الاتفاق في أيّ لحظة، عبر وضع العراقيل والشروط الجديدة – كما فعلت مراراً في الأشهر الماضية -، فإن ذلك يبدو مستبعداً اليوم من ناحية عملية؛ إذ يمكن تلمُّس الجدية في التصريحات الصادرة عن أقطاب الائتلاف ممَّن يعارضون الاتفاق، وظلّوا على مدى أكثر من سنة يهدّدون بإسقاط الحكومة في حال مضت في اتجاه وقف الحرب، ولا سيّما الثنائي، زعيما حزبَي الصهيونية الدينية، بتسلئيل سموتريتش، وإيتمار بن غفير. وكان هذا الأخير واضحاً جداً، حين قال: «الاتفاق أُبرم عمليّاً، ولا يمكن عرقلة تنفيذه». أما مقاربته السياسية أمام جمهوره وأتباعه ممَّن علت لديهم سقوف وآمال وصلت إلى حدّ الانتصار الكامل والشامل على الفلسطينيين وترحيلهم وعودة الاستيطان إلى غزة وضم الضفة، فكانت تبريرية، مع إلقائه بالمسؤولية عمّا سيحدث على الآخرين، حتى وإنْ كان «الآخرون» شريكه في الفاشية، وزير المالية، سموتريتش. وعليه، شدد الرجلان على ضرورة منع الاتفاق، لكنهما أحجما هذه المرّة عن التهديد بالانسحاب من الحكومة وبإسقاطها، كون التخلّي عن القرار الحكومي لا يخدم أيديولوجية الاستيطان والاستيلاء على أراضي الفلسطينيين، فيما التوجّه إلى صفوف المعارضة من شأنه أن يرحّل نتنياهو إلى صفوف أحزاب قد تضرّ بتلك الأيديولوجية، وبالمكتسبات التي حصّلها الحزبان عبر الحرب.

تستغلّ المعارضة الوضع القائم والتجاذبات لتعرض على نتنياهو حبل نجاة هو في ذاته ملغوم

أمّا المعارضة الحالية، والتي تستغلّ الوضع القائم والتجاذبات لتعرض على نتنياهو حبل نجاة هو في ذاته ملغوم، في حال انسحب حزبا الصهيونية الدينية من الائتلاف، فتعمل من الآن على الطعن في رئيس الحكومة وصدقيته وكل ما أقدم عليه في الأشهر الأخيرة، وتحديداً الأسباب التي ساقها لإفشال المفاوضات مرة تلو الأخرى، والتي يتخلى عن بعضها الآن: فماذا عن «محور فيلادلفيا» – «صخرة وجود» إسرائيل الأمني – والذي لا يمكن لنتنياهو التخلّي عن السيطرة عليه، وكان هو السبب المعلن وراء إفشال صفقات تبادل أسرى في الأشهر الماضية؟ وماذا عن «محور نتساريم» في وسط القطاع، والذي وصف بأنه خطّ دفاعي أمني لا يمكن تركه لأنه الأسلوب الوحيد لمنع حركة «حماس» وفصائل المقاومة من تنفيذ «طوفان أقصى» جديد؟ كلا المحورين، وفقاً للصفقة الجديدة، سيجري التخلّي عنهما والانسحاب منهما تدريجياً، وإنْ جرى توصيف ذلك بأنه إعادة انتشار، بعد انتهاء العمليات القتالية هناك.

مع ذلك، ورغم كل التفاؤل المعبّر عنه إزاء اتفاق تبادل الأسرى، بما يشمل التزامات لم تكن متبلورة في مسودات اتفاقات سابقة لم تبصر النور، إلّا أنه تفاؤل يتعلّق فقط بالمرحلة الأولى منه، فيما تكتنف المرحلة الثانية شكوك كثيرة، علماً أن المفاوضات المتصلة بها يفترض أن تبدأ مع بدء تنفيذ المرحلة الأولى. وكيفما اتفق، فإن البحث في حلول وتسويات، لم يكن ليحدث لو أن لدى إسرائيل ورعاتها، وتحديداً الجانب الأميركي، خيارات عملية لليوم الذي يلي الحرب، أو أخرى تؤجّل إنهاءها. وعليه، فإن الاتفاق سُحب سحباً من إسرائيل ومن رعاتها، ولم يكن انتخاباً لخيار بين خيارات موجودة على طاولة القرار في تل أبيب.