Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر January 12, 2025
A A A
هذه هي الخطوات الأوليّة لاستعادة لبنان ثقة المجتمع العربي والدولي… في انتظار تحقيق الوعود
الكاتب: دوللي بشعلاني - الديار

سُرّ سفراء “مجموعة الخماسية” في لبنان بانتخاب قائد الجيش العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية، لأنّ دولهم أوحت للمسؤولين اللبنانيين بضرورة التوافق عليه، من أجل تأمين الدعم الدولي لإعادة إعمار ما تسبب به العدوان الاسرائيلي على المناطق المدنية، وعودة الإستثمارات في البلوكات البحرية من قبل الشركات النفطية العالمية وسوى ذلك. ونقلوا الى دولهم أجواء التفاؤل التي سادت في مختلف المناطق اللبنانية بعد توصّل مجلس النوّاب الى التوافق على إسم رئيس الجمهورية بعد سنتين وشهرين و9 أيّام من الشغور الرئاسي.

ولعلّ أكثر ما أفرح الدول المعنية بالملف اللبناني، على ما تنقل مصادر سياسية مطّلعة، هو التوافق الذي أظهره الثنائي الشيعي معاً في الإقتراع لقائد الجيش، والذي يدلّ على استمرار العمل مع الرئيس عون في المرحلة الراهنة والمقبلة لإنقاذ البلد من أزماته المالية والاقتصادية، والاجتماعية لا سيما مع مغادرة مليون لبناني لمنازلهم وقراهم بسبب تداعيات الحرب الأخيرة. مع العلم بأنّ عدداً كبيراً منهم بدأ بالعودة وبإعادة إعمار منزله (بفعل المساعدات المالية التي وزّعتها المقاومة على المتضرّرين)، باستثناء سكّان القرى الحدودية التي لا تزال محتلّة من قبل القوّات “الإسرائيلية”. وهذا التعاون والتنسيق سيتجلّى في الحكومة التي يُفترض أن تُشكّل بعد الاستشارات النيابية التي سيشهدها قصر بعبدا الإثنين في 13 كانون الثاني الجاري، والتي سينتج عنها مساء تسمية رئيس الحكومة المكلّف تشكيلها الذي سيُطلب منه تأليفها خلال فترة قصيرة، خلافاً لما جرت العادة في لبنان، من أجل بدء العمل سريعاً على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة.

غير أنّ المصادر نفسها، لا تُعوّل كثيراً على وعود الدول الخارجية فقط، لأنّها قد لا تتحقّق بعصا سحرية، أو أنّها قد تتطلّب وقتاً لتُصبح واقعاً… فما وعدت به الولايات المتحدة الأميركية في أواخر عهد الرئيس السابق العماد ميشال عون بعد توقيع إتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و”إسرائيل” بوساطة آموس هوكشتاين، من أنّ هذه الإتفاقية ستُتيح للبنان بدء عملية التنقيب واستخراج الغاز والنفط من حقل “قانا”، وتأمين المردود المالي جرّاء بيع المكتشفات التجارية من الثروة النفطية فيه، لم تتحقّق مع الأسف. وقد أدّت الى استكمال “الإسرائيلي” عملية شفط النفط من حقل “كاريش”، في حين أعلنت “توتال إنرجي” الفرنسية بعد عملية التنقيب أن لا غاز في البلوك 9. ما يعني بأنّ الإستفادة من هذه الإتفاقية ذهبت حتى الآن بالكامل لمصلحة “إسرائيل”، ولم يستفد منها لبنان بشيء. وهو ما يُخشى منه من خلال الإتفاقيات المقبلة، لا سيما من مسألة تثبيت الحدود البريّة بين لبنان و”إسرائيل” والتي تدخل ضمن تنفيذ القرار 1701، بعد الإنسحاب “الإسرائيلي” من الجنوب.

ولهذا، سيقوم لبنان بخطوات عملية سريعة لبدء استعادة ثقة المجتمع العربي والدولي به، وللحصول على الدعم المالي والمعنوي في أقرب وقت ممكن… فأنّ يكون لبنان مدعوماً من قبل الدول العربية والغربية، يبقى أفضل بكثير، وفق المصادر، من بقاء لبنان في عزلة دولية متعمّدة، تفرض عليه حصاراً يحول دون تمكّنه من إيجاد الحلول لأزماته المختلفة. وهذا يكفي لكي يُساعد لبنان نفسه، ويبدأ بورشة الإصلاح ليستعيد هذه الثقة. ومن أبرز هذه الخطوات الأولية التي هي على السكّة:

1″- الحفاظ على السيادة اللبنانية في الجنوب: من خلال الإلتزام باتفاق وقف إطلاق النار، وتطبيق انسحاب جيش الاحتلال من القرى الجنوبية الحدودية خلال فترة الـ 60 يوماً التي تنتهي في 27 كانون الثاني الجاري، على ما ينصّ عليه الإتفاق، وانتشار الجيش اللبناني في منطقة الليطاني. الأمر الذي من شأنه إعادة الأمن والإستقرار الدوليين الى الحدود، وبالتالي عودة الإستثمارات في البلوكات البحرية. وكانت وزارة الطاقة قد قرّرت تمديد الموعد النهائي للشركات لتقديم عطاءاتها للحصول على حقوق التنقيب عن النفط والغاز في 9 حقول بحرية من أصل 10 عائدة للمنطقة الإقتصادية الخالصة في لبنان، ضمن جولة التراخيص الثالثة الى 17 تمّوز المقبل، ما يُتيح لها اليوم بالتشجّع على تقديم طلباتها للإستثمار في البلوكات المعروضة.

ويعلم المجتمع العربي والدولي، على ما أكّدت المصادر، أهمية تسيير قطاع النفط في لبنان، لإعادة الازدهار الاقتصادي للبلد خلال المرحلة المقبلة، ولتحقيق الشركات النفطية العالمية الأرباح والموارد من هذا القطاع. فالبلوكات البحرية اللبنانية واعِدة، وإن لم يتمكّن “كونسورتيوم” الشركات من إيجاد أي مكتشفات تجارية في كلّ من البلوكين 4 و9، كونه لم يحفر سوى بئراً واحدة في كلّ بلوك، في حين أنّ الاكتشافات تتطلّب حفر آباراً عدّة.

2″- إعادة العلاقات السياسية والديبلوماسية النديّة بين لبنان وسورية: فمسألة إعادة النازحين السوريين الى بلادهم، وقضية الموقوفين في السجون السورية، وعودة العلاقات الثنائية الى سابق عهدها وسواها، هي ملفات مهمّة بدأت حكومة تصريف الأعمال بمناقشتها مع القيادة السورية الجديدة. ورأينا أنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب ووفد عسكري قد زاروا دمشق السبت حيث التقوا قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، وسيتم تِباعاً مناقشة جميع الملفات معه خلال المرحلة المقبلة. مع الإشارة الى أنّ مسألة عودة النازحين الى بلادهم قد وردت في “خطاب القسم” الذي ألقاه رئيس الجمهورية بعد انتخابه في مجلس النوّاب، ما يعني أنّ الحكومة الجديدة ستعمل عليها أو ستتابعها، سيما أنّ من شأنها تخفيف الأعباء المالية التي تكبّدتها الخزينة اللبنانية خلال استضافتهم في لبنان مدّة 14 عاماً. فتسهيل عودة النازحين الى بلادهم، والإبقاء فقط على اليد العاملة اللازمة للبنان في قطاعات البناء والزراعة والنظافة، على ما ينصّ عليه القانون اللبناني، هو الأمر الطبيعي الذي يجب أن يحصل خلال فترة قصيرة.

3″- تشكيل الحكومة في أسرع وقت ممكن بعد تسمية رئيس الحكومة المكلّف: فالحكومة ستكون مكلّفة بتطبيق الخطة الإصلاحية التي وضعتها مؤتمرات باريس السابقة، فضلاً عن مؤتمر سيدر، وسواها. فضلاً عن الخطة الاقتصادية الجديدة التي ستضعها الحكومة في بيانها الوزاري. فوجود حكومة جديدة كاملة الصلاحيات، تجعل دول الخارج تستعيد الثقة سريعاً بلبنان. وقد بدأت هذه الثقة تظهر من خلال الزيارات الرسمية التي قامت بها بعض الدول لتهنئة الرئيس عون بانتخابه، مثل زيارة الرئيس القبرصي نيكوس خريستودولايدس الذي كان أول المهنئين لله، ووزير خارجية إيطاليا أنطونيو تاجاني. فضلاً عن برقيات واتصالات التهئنة التي تلقّاها حتى الساعة، من رؤساء كلّ من فرنسا إيمانويل ماكرون ومصر عبد الفتاح السيسي، والأردن الملك عبد الله الثاني، وأميركا جو بايدن، ورئيس وزراء ليبيا وسواهم.

وسيكون هناك خطوات أخرى، على لبنان إنجازها في المرحلة اللاحقة، على ما أشارت المصادر، لا سيما بعد الانتهاء من هذه الخطوات الأولية الضرورية، ستضعها الحكومة الجديدة وتسعى لتطبيقها الواحدة تلو الأخرى.