Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر January 10, 2025
A A A
هل يقود الرئيس عون لبنان نحو التعافي الاقتصادي؟
الكاتب: هدى علاء الدين - لبنان الكبير

تتجه الأنظار اليوم نحو العماد جوزاف عون، الرئيس الجديد للجمهورية، الذي يُنتظر منه قيادة لبنان نحو التعافي الاقتصادي واستعادة الاستقرار السياسي والاجتماعي في وقتٍ عصيب. فالبلاد تعاني من أزمة اقتصادية خانقة، وفوضى مالية غير مسبوقة، ما يجعل التحديات التي سيواجهها عون ضخمة ومعقدة. إذ يتعين عليه أولاً مواجهة التدهور المستمر في سعر صرف الليرة اللبنانية، والارتفاع الكبير في معدلات البطالة والفقر، فضلاً عن التعامل مع أزمة ديون متراكمة، بالاضافة إلى كسر الجمود للحصول على الدعم الدولي. كما سيواجه مسؤولية ضخمة تتمثل في إعادة إعمار لبنان، في ظل الدمار الكبير الذي ألحقته به الحرب الأخيرة.

إصلاح القطاعات الأساسية
سيكون من الأولويات الأساسية تنفيذ إصلاحات جذرية في القطاع المصرفي، وهو أحد العوامل الرئيسية التي تساهم في الأزمة الحالية. فقد أدت سنوات من السياسات الاقتصادية غير السليمة والادارة الضعيفة إلى تدهور حاد في الثقة بالمصارف اللبنانية، ما جعلها مصدراً للأزمات المالية المتلاحقة. وفي هذا السياق، من الضروري أن تتركز خطة الاصلاح على إعادة هيكلة البنوك وتعزيز الشفافية في معاملاتها المالية، مع وضع آليات فاعلة لحماية المودعين واستعادة الثقة بالنظام المصرفي. فمن خلال هذه الاصلاحات، يُمكن للبنان أن يبدأ باستعادة استقراره المالي وجذب الاستثمارات المحلية والدولية التي تضررت بشدة نتيجة الأزمة.

علاوة على ذلك، يجب أن تركز السياسات الاصلاحية على تقليص العجز المالي الضخم الذي يعاني منه لبنان، وهو تحدٍ يتطلب اتخاذ قرارات صعبة وغير شعبية، مثل زيادة الضرائب بصورة مدروسة وعادلة، بما يضمن توفير موارد مالية إضافية تمكّن الدولة من تمويل الاصلاحات الضرورية. كما يجب تقليص الإنفاق الحكومي غير الضروري، الذي يثقل كاهل الموازنة العامة، مع تعزيز إصلاحات في الادارة العامة لتحسين الكفاءة وتقليص الهدر.

إضافة إلى ذلك، يُعد إصلاح قطاع الكهرباء من الأولويات الأساسية التي يجب أن يركز عليها الرئيس عون، إذ يعتبر هذا القطاع من أكثر العوامل التي تثقل كاهل الدين العام، بحيث يستنزف جزءاً كبيراً من الموارد العامة من دون أن يقدم أي تحسن يذكر في جودة الخدمات. ويتطلب الأمر خطوات حاسمة نحو تحديث البنية التحتية للكهرباء، ومكافحة الفساد والهدر فيه، مع تعزيز مصادر الطاقة المتجددة والمستدامة، الأمر الذي يساهم في تخفيف العبء على الموازنة العامة ويضمن استدامة الموارد.

الدعم العربي ركيزة أساسية للاستقرار
يعد الدعم العربي من العوامل الحاسمة التي يمكن أن تسهم بصورة كبيرة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي في لبنان، خصوصاً في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر بها البلد. وتلعب دول الخليج العربي دوراً استراتيجياً بالغ الأهمية في توفير الدعم المالي والتنموي، ما يُعتبر شريان حياة للاقتصاد اللبناني في ظل الأزمات المستمرة. فقد كانت هذه الدول، على مر العقود، عوناً رئيسياً في تعزيز الاقتصاد اللبناني من خلال مساعدات مالية ضخمة، فضلاً عن المنح والاستثمارات التي تدعم قدرة لبنان على تنفيذ مشروعات تنموية استراتيجية، مثل إعادة إعمار البنية التحتية وتحسين شبكات الكهرباء والمياه التي تمثل أولوية حيوية في المرحلة المقبلة.

إضافة إلى ذلك، لا يقتصر الدعم العربي على التمويل فحسب، بل يتعداه ليكون رسالة قوية تعكس التزام هذه الدول بمساندة لبنان في هذه الأوقات الحرجة. هذا الدعم يمكن أن يُحفز لبنان على اتخاذ خطوات جادة نحو إجراء الاصلاحات الهيكلية اللازمة في القطاعات الحيوية، مثل النظام المصرفي، وإعداد الموازنة العامة، وإعادة هيكلة الدين العام الذي وصل إلى مستويات قياسية. وتساهم هذه الاصلاحات بصورة أساسية في استعادة الثقة بالاقتصاد اللبناني على المدى الطويل، وتضعه على الطريق الصحيح نحو التعافي والاستقرار المستدام.

الدعم الدولي شريك استراتيجي في الاصلاح
من المهام الرئيسية التي ستترتب على الرئيس عون العمل على استعادة العلاقات الطيبة مع المجتمع الدولي، وخصوصاً مع المؤسسات المالية الدولية، التي تلعب دوراً أساسياً في دعم الاقتصاد اللبناني. فقد تضررت صورة لبنان بصورة كبيرة على الساحة الدولية بسبب الأزمة الاقتصادية والمالية المستمرة، ما أدى إلى تداعيات سلبية على استقراره المالي والسياسي. وستكون إعادة بناء هذه الثقة على الصعيد الدولي ركيزة أساسية لأي خطة إنقاذ اقتصادي حقيقية. ويتطلب هذا الأمر خطة إصلاحية شاملة وواضحة، تتضمن إجراءات ملموسة تعكس التزام لبنان الجاد بالمعايير المالية الدولية، وتعزز من الشفافية والمساءلة في مختلف المجالات الاقتصادية.

ويعد الدعم الدولي في صورة قروض ميسرة أو منح فرصة كبيرة للبنان لتنفيذ مشاريع تنموية ضخمة في قطاعات رئيسية، وهو ما سيعود بالنفع على الاقتصاد الوطني ويعزز القدرة التنافسية للبنان في السوق الاقليمي والعالمي. وسيؤدي توافر هذا الدعم إلى استعادة الثقة لدى المستثمرين الدوليين، ما يشجع على تدفق الاستثمارات الأجنبية الضرورية لتحفيز النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل للشباب اللبناني. كما أن هذه العلاقة مع المؤسسات الدولية ستمكن لبنان من تقليص العجز المالي وتحقيق الاستدامة الاقتصادية.

التعامل مع الفساد وتحقيق الاستقرار السياسي
يُعتبر الفساد المستشري في العديد من المؤسسات الحكومية من أبرز الأسباب التي أدت إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان. هذا الفساد يعوق الأداء الحكومي ويحد من قدرة الدولة على اتخاذ قرارات إصلاحية فاعلة. لذلك، سيكون من الضروري اتخاذ خطوات حازمة لمكافحته عبر تعزيز استقلالية القضاء، وتطبيق ممارسات مالية شفافة تقوم على المساءلة والمحاسبة، فضلاً عن تشديد الرقابة على المؤسسات الحكومية وتفعيل آليات رقابية لضمان تقليص الفساد والهدر في الموارد العامة. ومن دون هذه الاصلاحات الجوهرية، فإن أي محاولة لإعادة بناء الاقتصاد اللبناني ستظل محكوماً عليها بالفشل، بحيث لا يمكن تحقيق استقرار اقتصادي حقيقي في بيئة يعمها الفساد.

علاوة على ذلك، يعد الاستقرار السياسي من الشروط الأساسية لتحقيق نجاح حقيقي في الاصلاحات الاقتصادية. فغياب التوافق السياسي وتواصل الانقسامات الحادة بين الأطراف السياسية سيعوق قدرة الدولة على اتخاذ القرارات المهمة التي تحتاج اليها البلاد للخروج من الأزمة. إذ إن استقرار الحكومة والعمل المؤسساتي يعزز من قدرة لبنان على تنفيذ خطط إصلاحية طموحة، ويوفر بيئة مواتية للمستثمرين، ويخلق ثقة أكبر لدى المجتمع الدولي. ومع استمرار هذه الانقسامات السياسية، فإنها ستظل تعرقل تنفيذ أي خطة إصلاحية وتضعف من قدرة البلاد على تحقيق تنمية اقتصادية شاملة، ما يجعل تحقيق الاستقرار السياسي أولوية لا غنى عنها لأي تحرك إصلاحي اقتصادي.

يُعتبر انتخاب جوزاف عون رئيساً للجمهورية لحظة مفصلية في مسار لبنان السياسي والاقتصادي، في وقتٍ يواجه فيه البلد تحديات غير مسبوقة على الصعيدين الداخلي والدولي. فالرئيس يدرك تماماً الأعباء الثقيلة التي تقع على عاتقه، ويعي تماماً أن استعادة الثقة على الساحة الدولية، هي المفتاح الأساسي لإعادة لبنان إلى مسار الاستقرار ويعلم أن تنفيذ خطة إصلاحية جذرية ومدروسة هو السبيل الوحيد لاستعادة الدعم الخارجي الحيوي، وتحقيق الاستقرار المطلوب لليرة اللبنانية، ما يمهد الطريق أمام تعافي الاقتصاد اللبناني واستعادة قوته المالية، وهو ما لا بديل عنه إذا ما أراد لبنان الخروج من هذه الأزمة. فهل يكون جوزاف عون قائد لبنان نحو التعافي الاقتصادي؟