Beirut weather 14.1 ° C
تاريخ النشر December 20, 2024
A A A
للعقول التي لا تستوعب: تعالوا لفحص المفاتيح
الكاتب: ناصر قنديل

كتب ناصر قنديل في “البناء”

يعتقد الذين يروّجون لانهيار محور المقاومة ونجاح المشروع الأميركيّ الإسرائيليّ بهزيمة قوى المقاومة، أن انتصاراً أميركياً إسرائيلياً تحقق على المقاومة في لبنان وفلسطين يُضاف للانتصار في سورية، ويقولون الآن جاء دور اليمن. ويروّجون أن حملات الاستهداف التي تطال اليمن هي بداية مسار معلوم النهاية وهو شطب اليمن عن الخريطة الإقليمية، فهل هذا الاعتقاد في مكانه؟

التدقيق في المشهد الإقليمي سوف يقودنا إلى طرح أسئلة تشكل مفاتيح موضوعية لقياس الربح والخسارة، فهل كان المشروع الأميركي الإسرائيلي الممتد خلال سنة وربع السنة مجرد محاولة لإلحاق الأذى بالمقاومة في لبنان وفلسطين، أم هو حاصل قراءة استراتيجية أميركية إسرائيلية تقول إن المقاومة بعد طوفان الأقصى وجبهة الإسناد اللبنانيّة تحوّلت إلى تهديد وجودي لكيان الاحتلال وإن التساكن مع وجودها أصبح مستحيلاً، لأن ما جرى يقول إن لا ضمانات ولا ضوابط تحول دون تكرار تهديد أمن المناطق المحتلة عام 1948 تهديداً وجودياً، طالما بقيت هذه المقاومات على الحدود، وإن لا حل إلا بإزالة هذه المقاومة وتصفيتها كشرط لضمان الاستقرار الوجوديّ للكيان، فهل تحقق هذا الهدف؟

إن مجرد ذهاب الكيان إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع المقاومة في لبنان، دون الحصول على الامتيازات التي كان يضعها شروطاً، ويخوض التفاوض تحت النار لفرضها، يعني أن قيام المقاومة بفرض التفاوض تحت النار على طريقتها أجبر الكيان على التراجع والقبول بوقف النار بلا مكاسب، وهو يعلم أن اتفاق وقف النار في لبنان بشروطه المعلومة، وهي العودة إلى القرار 1701 الذي يمثل مرحلة التساكن مع المقاومة المسلحة بضمانات قرار أمميّ، يفترض أن الحرب شنّت لأنه لم يعُد صالحاً، مع الاقتناع بزوال عهد التساكن، ولا يمكن تفسير العودة إلى عهد التساكن إلا بفشل حرب التخلص من التهديد الوجودي، كما قالت الجبهة البرّية والجبهة الداخليّة التي فشلت محاولة حمايتها من نيران المقاومة، ولا يفيد في تغيير المشهد القول بأن ما جرى بعد الاتفاق في لبنان من تغيير في سورية أصاب خط إمداد المقاومة، لأن هذا الخط الذي كان شرياناً وجودياً للمقاومة من قبل لم يعُد بالأهميّة ذاتها مع انتقال المقاومة إلى التصنيع، خصوصاً الاكتفاء في إنتاج الطائرات المسيّرة التي كانت مصدر القلق الرئيسي لجيش الاحتلال والقبة الحديديّة في هذه الحرب، ومثلها صواريخ الكورنت المصنّعة والمعدلة في مختبرات المقاومة صاحبة الدور المحوريّ في الحرب البرية.

كما في لبنان في قطاع غزة، يذهب الاحتلال إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع المقاومة، وهو يعلم أنه فشل في القضاء على المقاومة ونزع قدراتها، بينما قواته تنزف تحت ضرباتها، وبصورة أشدّ قسوة مما كان عليه الحال في أول أيام الحرب، وإنهاء الحرب مع بقاء المقاومة، يعني العودة إلى قبول التساكن مع مقاومة مسلّحة قال طوفان الأقصى إنها تحولت إلى تهديد وجودي، وإنها نجحت ببناء قدرة كافية لتمثيل هذا التهديد وهي تحت الحصار. ما يعني أن ما حدث قابل للتكرار، وأن الحرب لم تنفع في توفير الأمان الوجودي للكيان وإزالة هذا التهديد الاستراتيجي الذي تمثله المقاومة، والمضحك أن الذين يقولون بهزيمة المقاومة يعيدون ذلك إلى تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإدخال الشرق الأوسط في الجحيم ما لم يتم إنهاء الحرب قبل دخوله إلى البيت الأبيض، ويفسّرون ذلك بنية استهداف إيران، والسؤال لماذا إذن لا يبقي الكيان الحرب قائمة حتى وصول ترامب ويتحقق للكيان ما يريد، ذهاب أميركا إلى الحرب على إيران؟

نصل إلى اليمن ونسأل، هل مفتاح تقدير الهزيمة والنصر هو الاستهداف الأميركي والإسرائيلي لليمن، أم هو شيء آخر واضح وضوح الشمس، وهو أن اليمن رغم ضعفه وفقره وجوعه نجح بتحدي الهيبة الأميركية وقدرة الردع الأميركية في البحر الأحمر، أهم الممرات المائية العالمية كما تقول تقارير الاستراتيجيات العسكرية الأميركية كل سنة، وترجمة هذا التحدي كانت بمنع سفن الكيان والسفن المتوجّهة إلى الكيان من العبور، وصولا الى إقفال ميناء إيلات، بسبب توقف حركة السفن، فهل نجح الأميركي والإسرائيلي بإزالة هذا التهديد، والجواب بسيط، فتح ميناء إيلات ورؤية السفن تزدحم على أرصفته. فهل هذا هو الحال؟

قليل من التدقيق بالرواية المناوئة للمقاومة يكشف أنها مجرد خداع بصريّ، بتتابع الصور النمطية، باستبدال معيار الهزيمة بالحديث عن حجم الخسائر، وقليل من الانتباه يفضحها بخلاصة تقول إن قوى المقاومة تكبّدت أثماناً باهظة لتحفظ معادلة القوة، وهي لا تزال تحفظها.