Beirut weather 19.1 ° C
تاريخ النشر December 18, 2024
A A A
3 اتجاهات عمل لـ«اليوم التالي»: إسرائيل تريد «كانتوناً» في سوريا
الكاتب: يحيى دبوق

كتب يحيى دبوق في “الأخبار”

تشير الضربات التي تنفّذها إسرائيل على مستودعات السلاح النوعي في سوريا ومواقع إنتاجه، إلى لا يقين في تقديراتها لليوم الذي يلي سوريّاً، علماً أنها هي وحلفاؤها والجهات الدولية والإقليمية التي تتقاطع معها في المصالح، حفّزوا على/ وسهّلوا إسقاط النظام السوري. ومع ذلك، فإن التقدير الإسرائيلي هو أن كسْر مكوّن في المحور المعادي – وفي هذه الحالة سوريا -، يشكّل فرصةً كبيرة جداً يجب العمل على استغلالها إلى أقصى ما تَحتمل، على أن يُصار إلى مواجهة تحدّيات سقوط النظام، والتي تتشكّل في اليوم الذي يلي، عبر الخيارات المتاحة.
وكان استقر الرأي في تل أبيب، قبل سيطرة «هيئة تحرير الشام» على مدينة حمص وريفها، ثم دخولها إلى العاصمة السورية، على ضرورة العمل مع المجموعات المسلّحة في المنطقة الحدودية ذات الغالبية الدرزية، عبر رفع مستوى الاتصالات مع قياداتها التي تعمل منذ ما قبل سقوط النظام، على الانفصال الفعلي عن دمشق. إذ قادت تلك القيادات تمرّداً استقرّ على نوع من الحكم الذاتي في منطقة ترى تل أبيب فرصة كبيرة جداً لدفعها إلى الانضمام إلى سيطرتها المباشرة أو غير المباشرة، باعتبارها «الجائزة الإسرائيلية» لمرحلة ما بعد سوريا الدولة الموحدة، علماً أن إسرائيل تعتقد أن كل السيناريوات في هذه المرحلة ذات أرجحية معتدّ بها، ومنها الاحتراب الداخلي والتشرذم والفوضى في عموم سوريا وجغرافيتها.
وفي سياق ترجمة الرؤية المتقدمة، أُعلن في تل أبيب عن لقاءات لبحث مستقبل «الطائفة الدرزية» في سوريا، بين رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية في جيش الاحتلال شلومي بيندر، ورئيس الطائفة الدرزية في فلسطين المحتلة الشيخ موفق طريف. ووفقاً لبيان صادر عن جيش العدو، التقى بيندر الشيخ طريف، لبحث تطوّرات المشهد السوري وتأثيراته على الطائفة الدرزية، مشيراً إلى أن «رئيس الاستخبارات أكد على الالتزام العميق بين الجيش الإسرائيلي والطائفة الدرزية التي تسهم بشكل حاسم في مجالات حساسة وحيوية في الجيش»، مع التشديد، وهنا الدلالة، على «شكر طريف على دوره المهمّ في بناء جسور مع المجتمع الدرزي في سوريا».
وعلى خط موازٍ لتلك التحركات، عمل سلاح الجو الإسرائيلي على تحييد القدرات النوعية للجيش السوري، وتحديداً الصاروخية منها، بما يشمل المخازن ومواقع التصنيع والتطوير، فضلاً عن تدمير ما أمكن من سلاح الجو بما يشمل أيضاً قدرات دفاع جوي على اختلافها، وكذلك الوسائل القتالية لسلاح البحرية السوري، وغيرها من القدرات التي تعتقد تل أبيب بضرورة العمل على تهشيمها في كل الأحوال، كي لا تنتهي في يد جهات قد تعمل مستقبلاً ضدّ الكيان. وإذا كانت تلك العمليات جزءاً لا يتجزأ من استراتيجية إسرائيل لمواجهة ما سيلي في سوريا، إلّا أنها أيضاً تشكّل دليلاً على أن استقرار سوريا وبقاءها موحّدة في إطار نظام حكم مهادن للكيان، ليس مرجّحاً على طاولة التقدير في تل أبيب، أو في حد أدنى، هو تقدير يتساوى في معقوليته مع تقديرات متطرفة أخرى، لا يقين إزاءها.

إسرائيل لن تنتظر ما يقدّمه لها الآخرون في سوريا، بل تريد هي، وعبر الآخرين، فرض إرادتها على المشهد

أما في الاتجاه الثالث للتحرّك الإسرائيلي، فيبرز التوغل البرّي والسيطرة المباشرة على المنطقة المنزوعة السلاح وفقاً لاتفاقات عام 1974، بل وتجاوزها لاحتلال منطقة جغرافية معتد بها، بما يشمل أماكن استحكام وسيطرة مشرفة في الاتجاهَين، سوريا وإسرائيل، فيما يشير إلى إرادة منع أيّ جهد استخباري لاحق قد ينطلق من سوريا، وتحسين قدرات الاحتلال الاستخبارية هناك.
ولعلّ كل تلك الجهود الإسرائيلية كانت ترمي إلى الآتي:
أولاً: تنصيب إسرائيل نفسها حامية للأقليات في الجنوب السوري، الأمر الذي يغطي أطماعها في الاستيلاء على جزء من الجغرافيا السورية، وتحديداً منطقة واسعة نسبياً في الجنوب انطلاقاً من السويداء وصولاً إلى الحدود مع لبنان، مع التوسّع في اتجاه منطقة درعا وريفها. وتشكل سيطرة إسرائيل على ما كان يُعرف في السابق، في زمن الانتداب، بدولة جبل الدروز، السيناريو الأمثل لمصلحتها الأمنية، وكذلك أطماعها التوسعية.
ثانياً: تدمير الأسلحة النوعية، سواء تلك التي في الخدمة أو في المخازن وكذلك في أماكن التصنيع، على أن يُصار إلى منع تزويد سوريا، أقلّه إلى أن يستقرّ الوضع فيها على نظام أو أنظمة ومعرفة ولاءاتها، بأيّ سلاح نوعي و«كاسر للتوازن» وفقاً للمسميات العبرية، ما يمنع عن أيّ مكون من الفصائل، الحالية أو المتشكّلة مستقبلاً، الإضرار بإسرائيل.
ثالثاً: تحقيق وجود عسكري مباشر في سوريا، بهدف فرض إرادة إسرائيل على الفصائل السورية المختلفة، وكذلك على الرعاة الذين يريدون تشكيل نظام، أو أنظمة هناك، كلّ وفقاً لمصالحه. والمعنى أن إسرائيل لن تنتظر ما يقدّمه لها الآخرون في سوريا، بل تريد هي فرض إرادتها على المشهد وعلى عملية تكوين سوريا المستقبلية، بما يضمن لها مصالحها هي أيضاً، وأطماعها، وقد يكون ذلك واحداً من الدروس والعبر من الاقتتال الداخلي السوري في العقد الماضي.
رابعاً: في حال الفوضى والتشرذم، وهو التقدير الذي لا يغادر طاولة القرار في تل أبيب، ستتمكّن إسرائيل مباشرة، من دون أيّ تدخّل خارجي مساند، من إقامة دويلة، أو كانتون، وخصوصاً أن الاتجاه الأكثر ترجيحاً لديها أن الأمور قد تستقرّ على قتال دويلات: الكرد في الشمال حيث يسيطر هذا المكون على أهم المعابر البرية مع العراق؛ والساحل السوري ومدنه في اللاذقية وطرطوس حيث الغالبية العلوية التي لم يصل إليها حتى الآن الجولاني أو أيّ من الفصائل؛ وبقايا «داعش» في منطقة واسعة نسبياً في وسط سوريا؛ وكذلك منطقة السويداء والقنيطرة حيث الغالبية الدرزية التي تريد إسرائيل تنصيب نفسها جهة حامية لها.
تلك هي إذاً إستراتيجية إسرائيل لليوم الذي يلي في سوريا، والتي تعمل عليها بلا إبطاء، رغم أن جزءاً لا يتجزّأ من مكوّناتها مبني على لا يقين، وأنها بمجملها تحمل إمكانية فشلها، على اعتبار أن كل السيناريوات والفرضيات واردة؛ وهنا المعضلة والمفارقة التي يواجهها رعاة المشهد الجديد في سوريا.