Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر December 12, 2024
A A A
تركيا التي خسرت إيران وروسيا.. ولم تكسب؟
الكاتب: ناصر قنديل

كتب ناصر قنديل في “البناء”

– الأكيد أن تركيا تبدو الآن الرابح الأكبر من التغيير الذي شهدته سورية، فقد نجحت بالفوز بمشروع ثابرت على التمسك به لأكثر من عقد، وخاطرت خلال سنوات بأحلاف اقتصاديّة وسياسيّة وعسكريّة، عندما عرّضت علاقتها بروسيا عام 2015 لأزمة قطيعة كادت تتحوّل إلى حرب كبرى بعد إسقاط طائرة روسيّة فوق سورية، قبل أن يخذلها حلف الناتو الذي تشكل دولة فاعلة فيه. ثم خاطرت بعلاقتها بالولايات المتحدة الأميركية يوم ذهبت بعد اتفاق أستانة الى تعزيز علاقتها بروسيا بصورة تسببت بإغضاب واشنطن، حتى كادت تبدو جزءاً من حلف روسي إيراني. ثم ها هي تعود الى واشنطن وتعرّض علاقتها بروسيا وإيران للانهيار، لكنها خرجت وقد نالت الجائزة الكبرى بالاستحواذ على دور الراعي لإعادة تشكيل سورية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، واتخاذها مدخلاً لدور إقليمي لا توفره لتركيا غير سورية، فهل تستطيع تركيا بعد كل هذه المخاطرات الاطمئنان إلى أنّها فازت؟

– الواضح من ردّ الفعل الإيراني الذي صدر عن مرشد الجمهورية الإسلامية السيد علي الخامنئي، أن العلاقة التركية الإيرانية تلقت إصابة بالغة، فإشارة الخامنئي لتركيا واضحة ولو دون تسمية بصفتها الدولة الجارة لسورية التي شاركت واشنطن وتل أبيب في مؤامرة استهدفت سورية، ومن خلالها محور المقاومة الذي تقوده إيران. وإذا اعتمدنا ما كتبه المفكر الروسي الكسندر دوغين المقرّب من الكرملين مؤشراً على كيف يفكّرون هناك، فهو يتحدّث عن حساب مقبل مع تركيا، بعدما يحمّلها مسؤولية طعن الحليفين الروسي والإيراني، ويسهل تتبع مؤشرات خطابات الرئيس التركيّ للتعرّف على تجاهل الحديث عن البلدين اللذين كانا حتى الأمس أبرز شريكين لتركيا.

– العلاقات الاقتصاديّة لتركيا مع روسيا وإيران، تقوم على مصالح متبادلة، لكن المعلوم أن طهران وموسكو قدّمتا لأنقرة أفضليّات اقتصادية في ملفات الطاقة خصوصاً، تسعيرة وطريقة سداد، وأن هذه الأفضليات شكلت وهي تشكل أحد أبرز ركائز تمكين النظام التركي من تجاوز حجم الأزمات الاقتصادية التي يعيشها، والتي اعترف بها الرئيس التركي أنها سبب رئيسيّ في تراجع نفوذ حزبه في الانتخابات النيابية الأخيرة. ومن الطبيعيّ في مفترق بهذا الحجم أقرب إلى الطلاق السياسيّ أن تجري محاولات لتحييد المصالح الاقتصادية المتبادلة من طريق الأضرار، لكن الأكيد أيضاً أن الجوائز والحوافز التي منحت لاعتبارات سياسية سوف تختفي.

– تجري النقلة التركية في الجغرافيا السياسية للمنطقة في توقيت لا يمكن الحديث فيه عن ميزان قوى دولي إقليمي يتّسم بالثبات، حيث تعاني أميركا من تراجع القدرة على خوض الحروب، رغم تفوّقها التقني وقدراتها الاستخبارية، وهي تواجه في أوروبا منافسة روسية ضارية لا تقتصر على أوكرانيا، وتواجه في المنطقة قدرة إيرانية لا يستهان بها ولا يمكن حل النزاع معها بالقوة، والتسبب بانهيار اقتصادي عالمي يمثل نتيجة حتمية لكل حرب بين آبار النفط والقواعد والأساطيل الأميركية والممرات المائية، وربما يكون انكفاء روسيا وإيران وراء الحدود والتخلّص من الانفلاش في الجغرافية السورية دون ظروف تسمح بالفوز، سبباً لتحسين قدرات روسيا وإيران على الدفاع.

– واقعياً يأتي التموضع التركي في ظروف عدم وضوح أميركي تجاه معادلات الإقليم، خصوصاً لجهة مستقبل العلاقة مع الجماعات الكردية المسلحة، التي لن يستتب الوضع في سورية لتركيا دون حسم أمر قوّتها وتفرّدها بجزء من الجغرافيا السورية. وتبدو واشنطن محكومة بمعادلتين مقررتين، الأولى تمكين «إسرائيل» من استعادة بعض من صورة القوة التي خسرتها في حروب طوفان الأقصى في غزة ولبنان، والثانية تحسين شروط التفاوض من موقع قوة مع إيران كبديل عن الحرب المستحيلة. وهذا يعني أن مكانة أكراد سورية تصبح أهم لواشنطن من إرضاء تركيا، والاستثمار على العامل الكردي شمال شرق سورية واضح أميركياً وإسرائيلياً، سواء بالتصريحات الواردة من تل أبيب عن حزام جنوبي وحزام شمالي، أو بزيارة قائد المنطقة الأميركية الوسطى لمواقع القوات الكردية وتصريحات وزير الدفاع الأميركي، عن اعتبار هذه القوات حليفاً استراتيجياً لواشنطن.

– إذا توقف مسار المشروع التركيّ في سورية في منتصف الطريق، ولم ينجح بتوحيد سورية تحت رايته، سوف يكون على تركيا مواجهة تداعيات داخلية تبدأ بالعنوان الكرديّ، وسرعان ما تصبح سورية نفسها عبئاً أمنياً واقتصادياً، خصوصاً أمام الإحراج اليومي الذي تتسبّب به الاعتداءات الإسرائيلية التي تمثل استفزازاً عملياً لتركيا باعتبارها الدولة الراعية لسورية الجديدة، فكيف سوف تتصرّف تركيا إزاء تلك الخيبة، خصوصاً إذا ذهبت العلاقات مع إيران وروسيا الى التأزم والتوتر؟