Beirut weather 13.41 ° C
تاريخ النشر December 9, 2024
A A A
مراسلون تحت النار… رحلة الصحافيين عبر جحيم الحرب الأخيرة
الكاتب: أمل سيف الدين

كتبت أمل سيف الدين في “الديار”:

كانت حرب 2023-2024 بين حزب الله والعدو الإسرائيلي استثنائية في العديد من الجوانب، خاصةً من حيث التغطية الإعلامية، التي كانت تختلف بشكل واضح عن حرب 2006. ففي حرب 2006، كانت التغطية تقتصر على نقل الإحداثيات فقط، بينما في حرب 2023-2024، كانت التغطية تعتمد بشكل رئيسي على نقل الأحداث صوتًا وصورة. لم يكن الصحافيون في هذه الحرب مقتصرين على نقل الأخبار الجافة، بل كانوا يغطون الأحداث بشكل مباشر وبكل تفاصيلها.

ما الفرق بين 2023-2024 وحرب 2006؟

المراسل أحمد شلحا الذي يعمل في قناة TRT، يذكر أن الحرب الأخيرة كانت مختلفة تمامًا عن حرب 2006 من ناحية التغطية الإعلامية. في حرب 2006، كانت التغطية محدودة بالمعلومات التقنية والإحداثيات فقط، بينما في حرب 2023-2024 كانت التغطية تتم بالصوت والصورة، حيث كان الصحافيون يعملون في الميدان بشكل مباشر.

على سبيل المثال، كان المراسلون في “إسرائيل” يبتعدون عن الحدود بمسافة تتراوح بين 10 إلى 15 كيلومترًا، لكن الصحافيين في لبنان كانوا يغطون الحرب من مسافة صفر. وكان هناك دعم كامل من الجهات المسؤولة لتوفير الإمكانات كافة للمراسلين كي ينقلوا الصورة الحية للمشاهدين.

أبرز اللحظات المأسوية:

من بين أصعب اللحظات التي مر بها شلحا، كان استشهاد زميله الصحافي عصام العبدالله. يروي شلحا أنه في صباح يوم استشهاد عصام كان قد التقى به على تلة الحمامص، حيث كان عصام مازحًا مع زملائه وكان برفقته شابان عراقيان من الوكالة العراقية وقال لشلحا انه ليس لديه عمل ولكنه أتى ليعرف الصحافيين العراقيين الى المنطقة. وبعد أن ودعهم، توجه عصام إلى منطقة علما. وبعد ساعتين من مغادرته، وصل الخبر المأسوي باستشهاده، وهي صدمة تركت أثراً عميقًا في نفسه.

كما تحدث شلحا عن الصدمة الثانية التي كانت استشهاد الزميلة فرح وربيع، حيث يذكر أنه رغم أنه لم يكن يعرفهم شخصيًا، إلا أنه كان يغطي الأحداث في منطقة اللبونة، بينما كانوا (فرح وربيع) في منطقة طير حرفا بالقرب منه. فسمِع شلحا صوت الغارة بشكل واضح، وعلم بعد ذلك باستشهادهم.

أما الصدمة الكبرى، فكانت استشهاد مجموعة من الصحافيين في منطقة حاصبيا، حيث يروي شلحا كيف أن الصحافيين الذين كانوا يغطون الأحداث اضطروا الى التنقل كثيرًا بين المناطق. بعد أن ضيق العدو الإسرائيلي عليهم، تم تجميع الصحافيين في منطقة حاصبيا، بينما توزع البقية بين رميش وصور. في تلك الليلة، انتقل شلحا إلى شاليه آخر غير الشاليه الذي كان يسكنه زملاؤه الصحافيون. وفي الساعة الثالثة صباحًا، سمع صوت الصاروخ الذي ضرب الشاليه الذي كان يقطن فيه رفاقه، وتفاجأ بأن الزميل محمد فرحات أرسل له رسالة نصية على الواتساب قائلاً: “ضربونا!”، وبعد الاتصال به، كان محمد يصرخ ويطلب منه الاتصال بالصليب الأحمر. هذا اليوم المشؤوم لا يزال عالقًا في ذهن شلحا، خاصةً عندما شاهد رفاقه الشهداء يحملهم الصليب الأحمر ليأخذهم إلى المستشفى.

هل كان التهور خيارًا؟

رغم أن شلحا لم يشعر بالخوف أثناء تغطيته للحرب، إلا أنه اعترف بأنه بدأ يشعر بشيء من القلق بعد انتهاء الحدث. ويروي أنه في أول أيام الحرب، كان يغطّي الاشتباكات في تلال كفرشوبا، حيث كان يسكن في منزل يقع في آخر تلة تحت مركز رويسات العلم. وقد غطى هناك الاشتباكات العنيفة التي استمرت لمدة نصف ساعة. بعد انتهائه من العمل، عندما قرر النوم، بدأ يتساءل: “كيف فعلتها؟”، وفكر في ما إذا كان هذا نوعًا من التهور أو المجازفة.

الصعوبات اللوجستية والتحديات العائلية

كان هناك تحديات كبيرة من الناحية العائلية بالنسبة لشبحا، حيث كان بعيدًا عن زوجته وطفله لمدة عام وشهرين. أما من الناحية المهنية، فقد كانت الصعوبات كبيرة منذ بداية العدوان في أكتوبر وحتى اتفاق وقف إطلاق النار. يتذكر شلحا كيف أن الغارات كانت تقترب من مركز إقامته في “استراحة صور”، ويقول إنه لديه لقطة حية لصواريخ سقطت على بعد 300 متر من المكان الذي كان يقيم فيه. حيث أن شظايا القذائف سقطت بالقرب منهم بسبب قوة الغارة.

محمد زناتي: قصص مؤلمة من تحت الركام

الصحافي محمد زناتي، الذي يعمل كمراسل ميداني، قال إن الحرب كانت حافلة بالقصص الصعبة، أبرزها كان إنقاذ أشخاص من تحت الركام، واستهداف الأطفال. وأوضح أن استشهاد الزميلة فرح عمر كان من أبرز الأحداث التي أثرت فيه، حيث كان هو من أوائل الواصلين إلى مكان استهدافها. وذكر أنه وجد أشلاءهم وأغراضهم في المكان.

لكن أفظع قصة بالنسبة لزناتي كانت انتشال الطفل علي خليفة وهو على قيد الحياة، الذي كان يبلغ من العمر سنتين، من تحت الركام في منطقة الصرفند بعد استشهاد عائلته بالكامل. يذكر أنه لا يمكنه نسيان نظرة عينيه، ولا يستطيع التخلص من تلك الصورة التي عايشها في الحرب.

الشعور بـ “التوحش”!

في أحد الأيام، كان زناتي في طريقه إلى النبطية عندما وصلته أخبار استهداف سيارة تابعة للكشافة الإسلامية في منطقة زفتا، حيث استشهد أحد الشباب وأصيب آخر. توجه إلى المكان لالتقاط الصور، وفي تلك اللحظة شعر وكأن المسيرة تقترب منه بشكل مخيف، وهذا جعله يشعر بالوحدة التامة أو “التوحش” كما وصفه. فقرر الابتعاد وعندما ركب سيارته تحركت سيارة تابعة للهيئة الصحية ودراجة نارية يقودها شخصين فالقى السلام عليهم، من ثم سمع صوت قصف آخر على بعد 200 متر منه، ليكتشف بعدها أن الدراجة النارية التي مرت بجانبه قد استُهدِفت، مما أدى إلى استشهاد أحد الشباب. شعر زناتي بالعجز، ولم يتمكن من مساعدتهم في تلك اللحظة.

الصعوبات المهنية والتحديات اليومية

بحسب زناتي فان الصحافيين قد واجهوا تحديات عديدة، سواء كانت من حيث تأمين الطعام والماء في المناطق المحاصرة أو بسبب فقدان وسائل الاتصال في بعض الأحيان. وكان التنقل بين المناطق يمثل صعوبة كبيرة، حيث كان الصحافيون معرضين للاستهداف في أي وقت. ومع ذلك، ظلوا مستمرين في عملهم دون أن يوقفهم شيء.

علي الأحمر: لحظات لا تُنسى من المجزرة

الصحافي علي الأحمر، الذي يعمل في قناة الميادين، قال إن هناك لحظة لا يمكنه نسيانها، وهي عندما كان في منطقة صور في آخر أسبوع من الحرب، حيث استهدفت طائرة مسيرة إسرائيلية صيادين كانوا على الشاطئ. يذكر الأحمر أن المسافة بينه وبين الصيادين كانت قليلة جدًا، وكان أحدهما يلعب مع كلبه، ما جعل المشهد أكثر مأسوية. وقد ذكر هذا المشهد بمجزرة مخيم الشاطئ والمجازر التي ارتكبها العدو في غزة، حيث شاهد الشابين مقطعين، وكان عليه أن يتحمل الألم ويقوم برسالته المهنية لنقل الصورة للمشاهدين.

ورغم أن الأحمر لم يشعر بالخوف خلال الحرب، إلا أنه اعترف بأنه شعر بعدم الأمان، خاصةً بعد استهداف العديد من الصحافيين. وأصعب اللحظات التي عاشها كانت عند تغطيته لانتشال جثامين الشهداء الذين كانوا تحت الأنقاض لأيام، وبخاصة عندما كان الأهالي يطلبون منه أي معلومات عن أبنائهم، في حين كان الصحافيون يحاولون إخفاء الحقيقة حتى لا يزيدوا من ألمهم.

التحديات الأمنية والصعوبات اللوجستية

وأضاف الأحمر: “كان التنقل بين المناطق، حتى بسيارات الصحافة، يشكل تهديدًا مستمرًا للصحافيين. ففي إحدى المرات، استهدفت مسيرة في صور الشارع الذي كان يوجد فيه الصحافيون، وسقطت ثلاثة صواريخ بالقرب منهم. كما كنا نخاطر لجلب أبسط الأشياء مثل الماء”. ورغم ذلك، أكد الصحافيون أن دورهم كان دائمًا يتطلب البحث عن حلول بديلة لتوصيل رسالتهم إلى العالم، رغم كل المخاطر.

أهمية التدريب الصحافي المتخصص في الحروب

تجدر الإشارة إلى أن جميع الصحافيين الذين تم إجراء المقابلات معهم اتفقوا على ضرورة إقامة دورات تدريبية ميدانية خاصة للصحافيين في مناطق النزاع، خصوصًا في الحروب. فقد أشاروا إلى أن التدريب يجب أن يتضمن معرفة كيفية التعامل مع حالات الاختطاف، وكيفية التصرف عند الاستهداف المباشر، بالإضافة إلى تعلم كيفية استخدام المعدات المتاحة بشكل آمن.

الصحافة في مواجهة العدو

لقد أظهرت حرب 2023-2024 أن الصحافيين قادرون على التعامل مع أصعب الظروف وأكثرها خطرًا في سبيل نقل الحقيقة. وقد دفع هؤلاء الصحافيون ثمنًا كبيرًا من أجل نقل الوقائع بكل أمانة وشجاعة، وأثبتوا أن الإعلام في مناطق النزاع هو أكثر من مجرد نقل للحدث، بل هو شاهد حي على الظلم والتضحية.