Beirut weather 17.43 ° C
تاريخ النشر December 9, 2024
A A A
عائلات نازحة لم تُغادر إقليم الخروب لغياب منازلها عن الخارطة واستمرار الخطر الإسرائيلي
الكاتب: أحمد منصور - الأنباء الكويتية

لم تكتمل فرحة أبناء الجنوب بوقف إطلاق النار وإتمام رحلة العودة إلى قراهم وبلداتهم في شكل كامل، ولاتزال منقوصة نتيجة حجم العدوان الإسرائيلي في احتلال العديد من القرى الحدودية، ومنع جيش الاحتلال الأهالي من دخول بلداتهم.

أكثر من ذلك، استغل الإسرائيليون وقف النار ليتسنى لهم تفجير وتدمير تلك القرى عن بكرة أبيها وتغيير معالمها، لتحويلها إلى أرض محروقة لا تصلح للعيش بهدف انتزاع فكرة العودة من عقول وقلوب الأهالي الذين فاجأوا الإسرائيلي بدخولهم بلداتهم غير آبهين لاحتلالها في الساعات الأولى من بدء سريان وقف إطلاق النار.

صحيح ان قرار وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ كان كفيلا بعودة النازحين إلى جنوبهم الأبي الصامد، إلا ان هذا الأمر لم يؤت ثماره بالكامل.

ورغم أن العدد الأكبر من العائلات النازحة عادت إلى قراها لتعيد بناء ما تهدم، أو ترمم ما يمكن ترميمه، والاستقرار فيها وإعادة برمجة الحياة كما كانت سابقا، الا ان التهديدات الإسرائيلية لم تتوقف، وتضمنت تحذير عدد لا يستهان به من القرى الحدودية وأهاليها بعدم العودة، ما ألزم العديد من العائلات على البقاء في أماكن اكثر أمانا، علما ان البعض منها غادر ومن ثم عاد إلى حيث كان، إما لعدم تمكنه من العودة إلى بلدته، واما لتهدم منزله بالكامل، وخوفا من تجدد الحرب، خصوصا وسط تزايد المخاوف من الانتهاكات والخروقات الإسرائيلية المتنقلة لاتفاق وقف إطلاق النار.

إقليم الخروب الذي احتضن ما يزيد على 130 ألف نازح، والذين بغالبيتهم عادوا إلى قراهم، لايزال هناك عدد لا يستهان به في المنازل، إما كضيوف او كمستأجرين، ينتظرون الفرج للعودة مع أمل بأنها قريبة. ومنهم السيد على محمد حسين من بلدة حولا (قضاء مرجعيون)، الذي يعيش منذ بداية الحرب في بلدة الوردانية بالإقليم في منزل متواضع قدمه له أحد أبناء البلدة، ليستقر فيه مع أسرته المؤلفة من سبعة اشخاص.

يتمنى حسين «العودة بأسرع وقت إلى بلدتي، إلا أن ما يعيقني هو احتراق منزلي في حولا بالكامل، فضلا عن تهدم منزل آخر لي في بلدة مجدل زون (قضاء صور)، عدا عن انقطاع المياه والكهرباء، وانتظار المساعدة في إعادة البناء، ليتسنى لي العودة. وحتى ذلك الوقت سأبقى وعائلتي في الوردانية، علما ان لدي ابنتان إحداهما في الجامعة اللبنانية والأخرى في المرحلة المتوسطة، وهما تتابعان دراستيهما عن بعد (أونلاين)».

وشكر حسين أهالي الوردانية ورئيس البلدية والمجلس البلدي على كل ما قدموه ويقدمونه.

وردة يعقوب، من بلدة حولا أيضا، تعيش مع أسرتها المؤلفة من ستة اشخاص في منزل مستأجر في الوردانية (250 دولارا شهريا)، بعد أن كانت نزحت من الجنوب إلى بيروت، ومن ثم إلى إقليم الخروب وتحديدا منذ بداية الحرب، وعزت بقاءها في البلدة إلى «تعذر الوصول إلى حولا من جهة، ومن جهة أخرى ان غالبية المنازل مدمرة، والتي لاتزال قائمة فهي غير صالحة للسكن».

وأشارت إلى انها تنتظر تبلور الأمور وانتشار الجيش اللبناني، لتعود إلى بلدتها ومنزلها وحياتها.

وتقول زوجة موسى السيد ابنة بلدة عيترون وأم لشهيد «نحن عائلة من ستة أفراد، لا زلنا في هذا المنزل الذي قدمته لنا بلدية الوردانية مشكورة، لأن بلدتنا مدمرة ومنازلها سويت بالأرض، وعدد كبير من أبناء بلدتنا عادوا، ولكن ليس إلى البلدة وانما إلى قرى أخرى في الجنوب. ذهبنا إلى البلدة وعدنا أدراجنا لأنه لا مجال للعيش بسبب الدمار، ولأن الإسرائيليين منعونا من الدخول، كما انه لا أماكن للسكن بدءا من الناقورة وصولا إلى العرقوب».

وبنظرة عنفوان ممزوجة بالدمع قالت «بعد انتهاء مدة الستين يوما، قد أعود وعائلتي إلى بلدتي على رغم الدمار».

وعبرت عن اعتزازها بأبناء الوردانية «الذين يرفعون الرأس عاليا، والذين احتضنونا ولم يقصروا بأي شيء»

والحال لم يختلف عند ابن بلدة بلاط (قضاء مرجعيون) ماجد جميل عزالدين الذي يعيش وعائلته في بلدة شحيم، ويستأجر شقة سكنية بـ 200 دولار في الشهر. وقال ان العودة إلى بلدته في الوقت الحاضر صعبة جدا، لأن منزله دمر بالكامل، وكذلك محله الذي كان يعتاش منه، فضلا عن تعرض البلدة حتى الساعة لغارات عنيفة، كونها وبحسب موقعها الجغرافي قريبة من نهر الليطاني والجبال على حد سواء، ما يجعلها عرضة للقصف المتواصل، عدا عن التخوف من الخروقات الاسرائيلية وخاصة مدفعية العدو من شبعا والعرقوب، وشدد على ان العودة ستكون قريبة، مع بدء إعمار ما تهدم، والتمسك بالأرض مهما كانت التضحيات.

وأسار كامل نزيه بزيع من بلدة زبقين (قضاء صور) إلى انه عاد وعائلته إلى بلدته، ولكن منزلهم تضرر بشكل كبير وهو غير مؤهل للسكن، «عدا عن الخوف والقلق من تجدد الغارات، والتي لم تتوقف على اطراف البلدة، ما اضطرنا إلى العودة إلى بلدة داريا (إقليم الخروب) والتي نعيش فيها منذ بداية الحرب في ضيافة أحد ابنائها، إلى حين استقرار الأوضاع نهائيا في الجنوب، وعودة الحياة إلى طبيعتها، خصوصا ان منزلي يقع على اطراف وادي زبقين التي تتعرض بشكل دائم للغارات الإسرائيلية».

وأكد إبن بلدة ديرقانون ـ رأس العين (قضاء صور) الحاج حسين علوية، النازح مع عائلته وأشقائه في مبنى في بلدة شحيم دون أي مقابل، أن وضع منازلهم في البلدة، لا تصلح للسكن بفعل تضررها وتصدعها بالغارات الإسرائيلية التي دمرت البيوت والأحياء السكنية، واصفا العيش في البلدة بالجحيم، «لعدم توفر المياه والكهرباء، واستمرار بصمات إسرائيل في الأجواء، لبث الرعب والخوف لدى أبناء الجنوب، الذين تحدوا الإسرائيلي».

وشدد على السعي مع الجهات المعنية إلى الحصول على مساعدة في إعادة ترميم منزله، ليتمكن من العودة، التي بدأ يحضر نفسه لها، متوقعا أن يبقى شهرا إضافيا في شحيم، وثمن «جهود أهالي شحيم ومحبتهم واحتضانهم لإخوتهم أبناء الجنوب، والتي خففت من آلامنا، رغم جراحنا».