Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر October 26, 2024
A A A
الأسواق مدينة أشباح… تحارب من أجل البقاء
الكاتب: ربى أبو فاضل - الديار

 

تتوسع دائرة الحرب التي يشنها العدو الاسرائيلي على البلاد بشكل سريع، لتشمل مساحات واسعة. فمع توسع رقعة الحرب تتوسع معها دائرة الأزمات، التي بدأت منذ خمس سنوات تقريبا ولا تزال مستمرة، مع بداية الأزمة المالية عام 2019، ثم تفاقم الوضع مع كورونا، وكانت الكارثة الكبرى بانفجار مرفأ بيروت عام 2020 ، ولا ننسى موجة النزوح من بلاد الجوار.

لبنان، الذي يعاني بالفعل من أزمة اقتصادية خانقة منذ عام 2019، يواجه اليوم ضغوطا إضافية بسبب العدوان «الإسرائيلي»، فمع تردي الأوضاع بشكل تدريجي في بلد يعاني أصلًا من ظروف اقتصادية صعبة جدا، وصلنا اليوم إلى الانهيار، فالليرة اللبنانية انهارت وفقدت أكثر من 90 في المائة من قدرتها الشرائية وارتفعت الأسعار بشكل جنوني، مما ادى إلى انخفاض كبير في الطلب على السلع والخدمات، وفاقم من معاناة الشعب اللبناني الاقتصادية والاجتماعية، ووجد 80 في المائة من الشعب نفسه تحت خط الفقر.

 

 

وفي جولة للديار على بعض الاسواق اللبنانية ، التي لا تزال تحارب من أجل البقاء والتي بدت كمدينة أشباح، أكدت ليلي وهي موظفة في إحدى الدوائر الرسمية، أن متوسط الراتب الشهري للموظف العام أنخفض بشكل كبير، وارتفعت أسعار السلع الغذائية بشكل ملحوظ، مؤكدة أن لولا الحوالات التي تصل من الخارج «كنت اليوم عم اشحد على الطريق».

وهنا تجدر الإشارة، إلى أن لبنان وفقاً لتقرير البنك الدولي حصل في عام 2022 على المرتبة السادسة عالمياً من حيث التحويلات المالية التي بلغت 6.4 مليار دولار، وقد اعتمد بشكل كبير على التدفقات المالية الآتية من المغتربين، الذين هاجروا للعمل في الخارج، ويصل عددهم إلى 500 ألف لبناني.

من جهته، يقول مروان وهو رب لأسرة من 4 أشخاص نزحت من الجنوب بسبب آلة القتل «الإسرائيلية»: ان «الليرة اللبنانية تفقد من قيمتها يوما بعد يوم والحياة باهظة التكاليف، وعملي في الاصل لم يكن يغطي كل احتياجات أسرتي، واليوم أصبحت بلا عمل واعتمادي على المساعدات، والغريب ان السلطة في سبات، لا تنسيق ولا خطة شاملة ولا اجراءات ولا اصلاحات، بل سياسة ترقيع من سنين وتأجيل، ‏وهمها الوحيد الحصص والمصالح، فقد أصبحنا نعيش حياة بدائية، لم نعد نستطيع شراء حتى الحاجات الأساسية باقيين بلا روح ولا حياة».

وتكافح الشركات والمحال التجارية من جهتها، بسبب الأزمات الاقتصادية المتتالية أيضا من أجل البقاء، ويبقى لدى التجار إرادة الحياة والاستمرار من دون انقطاع، فأحد أصحاب المحال التجارية للمواد الغذائية في بيروت قال «اعمل باللحم الحي، اشتري كميات أقل من حاجات السوق، لأنني وعديد من التجار خائفين من الخسارة المادية الكبرى في حال الدمار الشامل، كما أن احتجاز أموالنا في المصارف يمنعنا من الشراء بشكل كاف، نظرا إلى إمكاناتنا المالية المتواضعة، لكن نبقى أفضل من غيرنا، فالقطاعات التجارية الأخرى مثل تجارة السيارات والمفروشات والألبسة أصبحت تعتبر من الكماليات، والناس همها اليوم تأمين أبسط مقومات الحياة».

وأشار أحد تجار الجملة، والذي يمتلك مستودعات لتخزين المواد الغذائية في جبل لبنان ويوزعها على محال التجزئة، أشار إلى أنه «تخوفاً من أتساع الحرب لتصبح حرب شاملة استورد كميات أكبر من حاجات السوق من المواد الغذائية، مع مراعاة فترة انتهاء صلاحيتها، مؤكدا أنه لا يهدف إلى احتكار المواد الغذائية وفرض الأسعار، بل إلى تأمين حاجات شرائح واسعة من المجتمع فمع توسع الحرب سيصبح من المستحيل على أي تاجر استيراد المواد الغذائية، وسيعتمد الشعب على المساعدات الإنسانية».

لبنان في وضع هش، وتوسع رقعة الحرب ستزيد من تفاقم الأزمات الحالية، بما في ذلك نقص المواد الأساسية والأدوية، مما يضر بشكل أكبر بالمواطنين ويؤدي إلى أزمة إنسانية أعمق، ويعتبر الخبير الاقتصادي البروفسور جاسم عجاقة أن “الاقتصاد اللبناني يعيش أزمة كبيرة نتيجة الانهيار المالي الذي انسحب على النقد والاقتصاد وأدى إلى أزمة مصرفية كبيرة، وكنتيجة لهذه الأزمة انخفض الناتج المحلي الإجمالي من 54 مليار دولار أميركي عام 2019 إلى 17 مليار دولار أميركي عام 2023 بحسب أرقام البنك الدولي». مضيفاً أن «الحرب مع «إسرائيل» عقدت الأمور أكثر، خصوصا أنها أدت إلى تدمير بنى تحتية ومنازل وإلى تهجير أكثر من مليون ومئتي ألف شخص من منازلهم، وتسببت بأضرار في كافة القطاعات والبنى التحتيّة».

عميد كلية إدارة الأعمال في جامعة القديس يوسف ورئيس الاتحاد الدولي لرجال وسيدات الأعمال اللبنانيين البروفسور فؤاد زمكحل اشار الى أنّ «لبنان يواجه منذ خمس سنوات أكبر أزمة اقتصادية ومالية في التاريخ بحسب البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ولم يستطع لغاية الآن الخروج منها، وأن الناتج المالي كان يوازي 50 مليار تقريبا سنة 2023 أما اليوم فيتراوح بين 18 و19 مليار دولار سنويا ما يعني انخفاضا بالاقتصاد يفوق الـ 60% وبخسائر تفوق الـ 70 مليار دولار في الاقتصاد اللبناني، ما يعني أنه اقتصاد منهك نسبيا».

أزمة اقتصادية غير مسبوقة عصفت بلبنان صنفت ضمن أسوأ الأزمات التي شهدها العالم، فاستمرار الحرب في لبنان تسبب شلًلا على مستوى البلاد بأكملها وستؤدي إلى كارثة إنسانية أعمق إن لم تتحرك كافة القوى كل من موقع مسؤوليته لانقاذ البلاد.