Beirut weather 23.41 ° C
تاريخ النشر October 26, 2024
A A A
بلينكن ينصح نتنياهو بإعلان «انتصاره» في غزة أولاً
الكاتب: جورج شاهين

كتب جورج شاهين في “الجمهورية”

في ظلّ شح المعلومات إلتي تحاكي نتيجة جولة وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن والموفد الرئاسي عاموس هوكشتاين في المنطقة ولبنان، رأت مراجع ديبلوماسية بصيص أمل في ما كشف عنه بلينكن من الدوحة، حول اجتماع مخابراتى عالي المستوى تستضيفه الدوحة غداً الأحد من أجل «تطوير خطة لما بعد انتهاء الحرب في غزة»، وهو ما أوحى بدعوته بنيامين نتنياهو الى إعلان انتصاره. وعليه طُرح السؤال: هل تقرّر الفصل بين ساحتي فلسطين ولبنان؟ ومتى يأتي دور لبنان؟

بعد أن عبّرت تصريحات بلينكن وهوكشتاين عن سعي اميركي إلى صفقة كبيرة توفّر وقفاً لإطلاق النار في غزة ولبنان، والتوصل إلى اتفاق أمني وسياسي بعيد المدى، يعيد الاستقرار إلى المنطقة كاملة، فوجئت المراجع الديبلوماسية والسياسية بمضمون التصريح الذي أطلقه بلينكن بعد لقائه مع رئيس الحكومة ووزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في الدوحة، بأنّ «علينا الاستمرار في تطوير خطة لما بعد انتهاء الحرب حتى تنسحب إسرائيل من غزة»، مضيفاً «هذه لحظة مهمّة، لأنّ إسرائيل حققت الأهداف الاستراتيجية التي وضعتها لنفسها». كاشفاً انّها «لحظة العمل لإنهاء الحرب وإعادة الأسرى إلى بيوتهم وبناء مستقبل أفضل لشعب غزة». وكل ذلك على خلفية التثبت من «أننا لن نرى مزيداً من التصعيد الكبير في المنطقة. وندعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها في مواجهة إيران، ولا نريد رؤية حلقة تصعيد مفرغة».

وفي انتظار مزيد من الوقت للتأكّد من قدرة واشنطن على ابتداع الحل «الغزاوي» في جولة بلينكن الحادية عشرة على المنطقة، توقفت هذه المراجع عند هذا التطور، وسعت إلى ربطه بما تمّ التداول فيه من أفكار واقتراحات طُرحت في أوقات سبقت وتلت مقتل رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» يحيى السنوار في رفح من أجل اتفاق لوقف النار ومستلزمات «إعادة الهدوء إلى القطاع ورسم مستقبل إدارته أمنياً وادارياً وإعادة الإعمار». فرأت في اجتماع الدوحة مناسبة لتظهير ما انتهت إليه الجهود التي بُذلت في أكثر من عاصمة، ولا سيما منها واشنطن والدوحة والقاهرة، عدا عن تلك التي شهدتها موسكو وأنقرة بمشاركة وفود فلسطينية من «حماس» قبل أن يزور القاهرة وفد منهم، حيث تركّز السعي على تنفيذ ما يمكن ترجمته من خطوات.
ولمزيد من التفاصيل، قالت المراجع عينها، انّ الاجتماع المرتقب غداً في الدوحة، والذي يستضيفه رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري، ويجمع كلاً من رئيس جهاز المخابرات المصرية الجديد حسن رشاد، ومدير وكالة الاستخبارات الأميركية وليام بيرنز ورئيس جهاز «الموساد» الإسرائيلي ديفيد برنياع، سيشكّل مناسبة لتقويم نتائج الجهود التي بذلتها الأطراف الاربعة، مضافة الى الجهود الروسية والتركية والايرانية، في ما انتهت إليه اللقاءات التي جمعت قادتها الكبار. فلا يمكن تجاهل مسلسل اللقاءات التي عُقدت في أكثر من عاصمة معنية، ولا سيما اللقاء الذي جمع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في أنقرة بـ«ثلاثي حماس» الجديد بعد السنوار: خليل الحية وموسى أبو مرزوق وخالد مشعل، قبل أن ينتقل وفدان منهم برئاسة ابو مرزوق إلى موسكو وآخر برئاسة الحية إلى القاهرة لاستكمال البحث في مقترحات عملية.

وفي المعلومات التي تسرّبت عبر تقارير ديبلوماسية من موسكو، انّ زيارة الوفد اليها كانت لمناقشة سلسلة أفكار روسية مطروحة على جدول أعمال العلاقات بينها وتل أبيب. وكان ذلك عشية توجّه وفد روسي رفيع إلى تل ابيب في مهمّة علنية هي الاولى من نوعها للقاء المسؤولين الكبار. نقل خلالها الوفد رسالة شخصية من الرئيس الروسي فلاديمر بوتين إلى القيادة الاسرائيلية يحضّها على وقف الحرب في غزة ولبنان.
كما نقلت تقارير وردت من القاهرة، أنّ زيارة الوفد «الحمساوي» إليها جاءت تلبية لدعوة القيادة المصرية للبحث في ما سمّته طروحات جديدة نوقشت مع اكثر من طرف، وخصوصاً مع الجانب الاميركي، في شأن وقف إطلاق النار في قطاع غزة وعقد صفقة تبادل للأسرى والمعتقلين. وقالت المعلومات، انّ وفد الحركة أبلغ الى القيادة المصرية انّ البحث في كل ما هو مطروح من خطوات سياسية وعسكرية يتوقف على إقناع تل ابيب بـ «الوقف الفوري لما يجري في شمال قطاع غزة من إبادة، قبل التحرك نحو أي مفاوضات». كذلك تناولت تفاصيل أخرى تتصل بـ«نشر قوات دولية في ممر فيلادلفيا بين غزة والأراضي المصرية فور انسحاب الجيش الاسرائيلي منها، توطئة للبحث في مستقبل ادارة القطاع بما يضمن إنهاء الاحتلال الاسرائيلي للمنطقة».
وانطلاقاً من هذه المؤشرات، لفتت المراجع عينها إلى انّ الجهود الاميركية ليست مضمونة في غزة، وهي تلحظ تجاهل البحث في ما يجري في لبنان. فاقتناع بلينكن بأنّ نتنياهو حقق معظم أهداف الحرب بمقتل السنوار وانتهاء المعارك الكبرى في القطاع، ويمكنه أن ينتقل إلى مرحلة إعلان «انتصاره الكامل» في غزة أولاً. وهي خطوة ينصح بها الاميركيون لتحويل ما يسمّونه «النجاحات التكتية» المتعددة إلى «نجاح استراتيجي» كما قال بلينكن وقبله اكثر من مسؤول اميركي. ولكن ذلك على ما يبدو لم يكن كافياً لإقناع نتنياهو بفعل شروطه ومطالبه المتدحرجة مع كل محطة أو معركة في القطاع. وانّ انصراف الجيش مرّة اخرى في اتجاه شمال القطاع وتفريغه من سكانه يوحي للأميركيين انّ تل ابيب لم تفهم حجم معارضتهم لأي عملية «ترانسفير» من القطاع ولا بقاء الاحتلال على أرضه، كما بالنسبة الى حظر عودة سلطة «حماس» اليها بأي شكل من الأشكال. وهي ملاحظات بالغة الأهمية، لكنه لا يمكن البحث في طريقة ترجمتها طالما أنّه لم يتوافر أي حل يحاكي «اليوم التالي» في القطاع، على رغم من مجموعة المشاريع المطروحة.

وبناءً على ما تقدّم، وإن صحّت المعلومات التي قالت بمشروع حل اميركي يعطي الأولوية لغزة على أنّه فصل بين المسارين وفشلاً في تقديم الحل للوضع في لبنان. وهو ما عُدّ «انقلاباً» على النظرية التي قالت باستحالة الفصل بينهما، فإنّ ذلك مردّه إلى انّ الرفض اللبناني المتمادي لمثل هذه الخطوة لا يلغي الأخرى إن تحققت. فوقف النار في غزة يمثل خطوة إيجابية، ينهي الربط الذي أقامه الحزب والقوى الاخرى ومن خلفها إيران من طرف واحد، وينتصر للنظرية التي تدعمها واشنطن ومعها معظم الوسطاء الذين نادوا بوقف حرب «الإلهاء والإسناد» لأشهر عدة الى أنّ وقع لبنان في الفخ. وهو ما يعزز الاعتقاد بأنّ العملية العسكرية في لبنان ما زالت في بدايتها، وانّها مستمرة وربما ستكون طويلة ما لم يتمّ التفاهم على خطوات اقترحها هوكشتاين على قادتهم قبل أن يغادر بيروت الاثنين الماضي. ما زاد في الطين بلة غياب أي خبر عن تحركاته في المشهد السياسي في انتظار أي جديد ما زال مفقوداً. وهي أجواء يخشى معها بأنّه قد أتمّ واجباته وبات المتبقي على عاتق اللبنانيين.