Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر November 23, 2016
A A A
لا وجود لوزارات مهمّة أو غير مهمّة
الكاتب: اميل خوري - النهار

لا وجود لوزارات مهمّة أو غير مهمّة إنّما لوزراء مهمّين أو غير مهمّين…
*

ما هكذا كان ينتخب رؤساء الجمهورية في لبنان ولا هكذا كان يتم تأليف الحكومات ولا إقرار قوانين جديدة تجرى الانتخابات النيابية على أساسها، بل كان الدستور هو الذي يطبّق بدقّة والمواعيد المحددة لكل استحقاق تحترم. ولم يكن أحد يسمع بأن نائباً تغيّب قصداً عن جلسة الانتخاب وبدون عذر مشروع لتعطيلها كما حصل اليوم ليجعل من هذا التعطيل ورقة ضغط وابتزاز تفرض القبول بانتخاب أي رئيس خوفاً على وحدة لبنان أرضاً وشعباً ومؤسّسات، لا بل أن التعطيل الذي دام سنتين ونصف سنة فرض التمديد لمجلس النواب مرّتين كشرّ لا بد منه، والسبب هم النواب الذين مارسوا دور التعطيل المخالف للدستور، ولولا ذلك لما صار تمديد مرتين للمجلس، ولا صار انتخاب الرئيس تحت ضغط هذا التعطيل وتداعياته. لذلك فهم الذين يتحملون المسؤولية لأنهم لم يقوموا بواجبهم في انتخاب رئيس للجمهورية ضمن المهلة الدستورية وفي جو ديموقراطي. ولذلك أيضاً ينبغي ازالة سبب تعطيل جلسات انتخاب رئيس الجمهورية كي لا يتكرّر مستقبلاً وذلك بالزام النائب حضورها، إمّا باعتماد اقتراح التعديل المقدم من الوزير بطرس حرب إذا كان الأمر يحتاج الى تعديل، وإمّا أن تقر هيئة مكتب المجلس ذلك كما أقرّت وجوب حضور ثلثي عدد النواب جلسة انتخاب الرئيس.

أما تأليف الحكومات فكان من مسؤولية رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف وفقاً للدستور. فإذا كانت تسمية الرئيس المكلف تخضع لاستشارات ملزمة بنتائجها، فإن الرئيس المكلف غير ملزم بها إلّا من حيث الاستئناس فقط بآراء الأحزاب والكتل، حتى إذا ألّف الحكومة يكون قد ضمن ثقة الأكثرية بها. فأي حزب أو تكتل لم يكن يفرض عليه اسم الوزير ولا الحقيبة كما يفعلون اليوم بحيث أصبح قاعدة. فالحزب الذي لم يكن يرضى بحقيبة تُسند الى من يختاره الرئيس المكلف بالاتفاق مع الحزب، كان يعتذر عن عدم المشاركة في الحكومة ويقرر حجب الثقة عنها، أو ينتظر البيان الوزاري لتحديد موقفه.

إن أخطر ما صار قاعدة هو أن يصبح من حق كل حزب وكل تكتل أن يسمّي الوزير الذي يمثله في الحكومة والحقيبة أيضاً، بحيث لم يعد ثمة دور لرئيس الجمهورية ولا للرئيس المكلف في تأليف الحكومة مع انه دور مكرّس لهما في الدستور، وقد منح النائب حق حجب الثقة عنها إذا لم تعجبه التركيبة الحكومية.

الواقع ان تأليف الحكومة إذا أصبح من حق الأحزاب والكتل، فإن الاتفاق على تأليفها سيطول، وهو ما حصل في السنوات الأخيرة ويحصل الآن، لأن كل حزب يحاول منافسة حزب آخر على اختيار الحقيبة التي يريد سواء كان أهلاً لها أم لا، في حين أن الحقائب كانت توزع في الماضي على أصحاب الاختصاص والكفاية، فلا تسند وزارة الصحة مثلاً الى مهندس ووزارة الأشغال الى طبيب، لا شيء سوى أن الحزب قرر ذلك.

لذلك يمكن القول أن ليس هناك وزارات مهمة بل وزراء مهمّون، وليس هناك وزارات غير مهمّة بل وزراء غير مهمّين. فالشيخ موريس الجميل، رحمه الله، جعل من وزارة التصميم أهم وزارة، ومر على وزارة الداخلية وزراء منهم من جعلوها سيادية ومهمة، ومنهم من أفقدوها هذه الصفة، وكذلك الأمر في وزارة الخارجية. والأخطر في اعتماد قاعدة أن يسمّي كل حزب أو كل مذهب وطائفة من يمثله في الحكومة، خصوصاً في غياب التعددية وحلول التحالفات المذهبية أو الطائفية مكانها، أنه يجعل من حق كل تحالف تعطيل تأليف الحكومة إذا لم يحصل على ما يريد، وإلّا أصبحت غير ميثاقية إذا لم يتمثل فيها.

أما قانون الانتخاب فكانت الأكثرية المطلوبة في مجلس النواب هي التي تحسم الخلاف حوله وتبته قبل موعد الانتخابات بأشهر عدة كي يُعطى المرشّحون والناخبون متسعاً من الوقت لفهمه والتدرب على تطبيقه، وهو ما جعل البعض يقول أنه إذا ما اعتمدت في القانون قاعدة النسبية أو المختلط فإن حسن تطبيقه يحتاج الى وقت، ولا سيما بالنسبة الى الموظفين المكلفين ادارة عملية الانتخاب، وهو ما عاد يطرح احتمال التمديد التقني لمجلس النواب ريثما يتم التدريب على تطبيقه، ويضع لبنان أما الخيارات الصعبة: إمّا القبول باجراء الانتخابات على أساس قانون الستين، وإمّا التمديد لمجلس النواب أو مواجهة الفراغ التشريعي.

إن الوضع الشاذ الذي يعيشه لبنان منذ العام 2005 فرض تعطيل الانتخابات الرئاسية مدّة سنتين ونصف سنة الى أن صار القبول بانتخاب أي رئيس تحت ضغط تداعيات استمرار هذا التعطيل، واستمرار الخلاف على تشكيل حكومة قد يفرض القبول بأي حكومة، واستمرار الخلاف على قانون للانتخاب قد يفرض القبول بأي قانون خوفاً من تعريض لبنان لفراغ قاتل، والسبب هم المسؤولون والسياسيون الذين لا ينجزون كل موضوع مهم في وقته لأنهم جاؤوا في غير وقتهم…