Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر September 25, 2024
A A A
حزب الله الجبار والحرب الإقليمية؟
الكاتب: ناصر قنديل

كتب ناصر قنديل في “البناء”

– يُكثر بعض المحللين، وبعضهم يقدِّم نفسه ضمن صفوف قوى المقاومة وخيارها، من الحديث عن خطر الحرب الإقليمية، وكأن ذلك تهديد لبنيامين نتنياهو بعواقب اللعب بالنار وإشعال الحرب على لبنان، ويبرّرون ذلك بأن إيران لن تسمح بضرب حزب الله لأنه أهمّ حلفائها في المنطقة وهو ليس كحركة حماس بالنسبة لإيران. والمقولة كلها ملفقة عدا كونها شديدة الخبث، تريد القول إن «إسرائيل» قادرة على سحق حزب الله أولاً، ومنعاً لذلك سوف تتدخّل إيران، وتقول ثانياً إن إيران لا تهتم لسحق حماس رغم أن حماس هي رمز القضية الفلسطينية والمقاومة الفلسطينية بالنسبة لإيران وحزب الله معاً، وبالتهاون مع إلحاق الهزيمة بها يفقدان القضية والعنوان والبعد الأخلاقي للالتزام العقائدي الذي تمّ بناؤه طوال عقود. وهذه استحالة جعلت حزب الله يقول إنه يجعل عنوان الاحتمالات المفتوحة لجبهة الإسناد التي افتتحها قبل عام، مرتبطاً بالتزامه منع هزيمة حماس، ويمكن القول إنه مع فشل الحرب في جبهة لبنان في تأمين الفوز بالضربة القاضية سقطت فرضيّة الحرب الإقليمية التي كانت مشروع بنيامين نتنياهو لفتح المواجهة مع إيران بالشراكة مع واشنطن. وتقرّر تأجيل البتّ بها لما بعد اختبار قدرة نتنياهو على النهوض بموجبات الحرب على حزب الله بمعونة أميركية كاملة. والسبب واضح وهو أن التخلّص من قوة حزب الله يجعل المواجهة مع إيران أسهل، والمعونة الأميركية للحرب على حزب الله واضحة جداً من هدايا البيجر وأجهزة الاتصال وعمليات الاغتيال، حيث البصمات الأميركية واضحة وثابتة، ويكفي النظر إلى مستوى الإتقان والنجاح في عمليات الاغتيال عندما يكون الهدف مطلوباً لواشنطن ومستوى الارتباك عندما لا يكون، لكن ماذا عن فشل الحرب على لبنان؟
– عملياً، يجب التدقيق في حسابات فتح جبهة الحرب على لبنان، وقد تمّ تصميمها بطريقة جعلتها تعتمد على فرضية الضربة القاضية أسوة بتصميم حزمة العقوبات القاتلة التي استهدفت روسيا، بحيث لم يكن مطلوباً من أوكرانيا سوى الاستفزاز لإشعال الحرب ثم الصمود بضعة أسابيع ريثما تؤتي العقوبات أكلها، ولذلك عندما فشلت العقوبات في تحقيق أهدافها وصمدت روسيا واحتوت العقوبات وحولتها إلى فرصة صارت الحرب عملية ميؤوساً منها لتحقيق النصر بالنسبة للغرب، وصار الإنكار وصارت المكابرة تعبيراً عن الخشية من ارتدادات أي تفاوض في ظل ميزان قوى مختلّ لصالح روسيا، والمطلوب دعم أوكرانيا كي لا تسقط أملاً بتعديل الموازين التفاوضيّة لتسوية في منتصف الطريق، والحلم يبدو صعب المنال. كذلك كان المطلوب من جبهة الحرب على لبنان أن تقطف ثمار الحزمة القاتلة التي صُمّمت لإسقاط حزب الله بالضربة القاضية، وهي الثلاثيّة الأميركية لضربات أجهزة البيجر وأجهزة الاتصالات اللاسلكية واغتيال القائد إبراهيم عقيل وقادة من قوات الرضوان، لتتوّج الغارات الإسرائيلية بحصاد الآلاف من الشهداء والجرحى، بلوغ رقم الـ 10 آلاف من الذين تتم إصابة بيئة الحزب وبنيته بهم، أي نسبة 1% من حجم بيئة تعادل مليون نسمة و10% من بنيته المقدّرة بـ 100 الف، وهذا يعادل ضربة لأميركا يخرج فيها ثلاثة ملايين ونصف المليون من مواطنيها و100 ألف من قواتها من الساحة جرحى وقتلى، فهل نجحت الحزمة القاتلة بإسقاط حزب الله بالضربة القاضية؟
– هذا هو حزب الله الجبار الذي نهض كطائر الفينيق من الرماد، واستطاع في اليوم التالي للضربة الأولى والثانية، أي أجهزة البيجر والاتصال، أن يواصل أداء جبهة الإسناد بقوة مضاعفة، ثم قام بالردّ على الضربة الثالثة أي اغتيال القائد العسكري الأول وقادة ميدانيين فاعلين، مستهدفاً أهم منشأتين استراتيجيتين في شمال فلسطين المحتلة، قاعدة رامات ديفيد ومصنع رفائيل للصناعات الإلكترونية للحرب الاستخباريّة. ولم تكد الضربة الرابعة تنهي اليوم الأول حتى أمسك بزمام المبادرة في اليوم الثاني، موسعاً رقعة الاستهداف إلى عمق 65 كلم، وهو ينجح بمضاعفة عدد المستوطنين المهجّرين الذين قامت الحرب تحت شعار إعادتهم، وصارت المعادلة الأكيدة هي أنه مع كل يوم يمرّ مزيد من الصواريخ والطائرات المسيّرة تسقط على رؤوس المستوطنين مسقطة مقولة قادة الكيان عن النجاح في ضرب مقدّرات حزب الله، ومسقطة شعار إعادة المهجرين بجعلهم أضعافاً مضاعفة، ووضع قيادة الكيان التي تبدو وقد علقت في مصيدة، بين خيارين إذا أرادت المضي قدماً بالعملية العسكرية، الأول هو استهداف العمق السكاني بما تعنيه حرب المدن والبنى التحتية، وهي عملية تبادليّة بخلاف حالة غزة نظراً لما يملكه حزب الله من قدرات لن يستخدمها ابتداء، لكنه لن يتردّد في استخدامها بكامل قدراتها إذا تعرّض العمق اللبناني للاستهداف. والثاني هو بدء عملية برية يعترف قادة الجيش أنها مقتلة لجيش الاحتلال ومحكوم عليها بالفشل الأكيد، بمجرد المقارنة بالحرب البرية مع حركة حماس وفشلها رغم مرور سنة على بدئها، أو بالمقارنة مع ما جرى في حرب تموز 2006 بظروف متعاكسة على قوة كل من حزب الله وجيش الاحتلال، وإذا لم يرد قادة الكيان المضي في خيار الحرب وأرادوا خياراً سياسياً، فهناك ممر إلزاميّ هو إنجاز الاتفاق مع المقاومة في غزة.
– هذه الحرب محسومة النهاية بنصر أكيد بائن لحزب الله وعبره لخيار المقاومة ولبنان وفلسطين وكل حر وشريف في العالم وبين شعوب المنطقة.