Beirut weather 29.41 ° C
تاريخ النشر September 20, 2024
A A A
ما دور “الهيئات الاقتصادية” في تأجيل تعديل مرسوم الرواتب؟
الكاتب: سلوى بعلبكي

كتبت سلوى بعلبكي في “النهار”

أعاد رفع موازنة 2025 إلى مجلس الوزراء لدراستها وإقرارها، تسعير الخلاف والشارع بين الحكومة من جانب، وموظفي القطاع والمتقاعدين من جانب آخر، على خلفية خلو الموازنة العتيدة من اعتمادات لزيادة الرواتب والأجور التي طال انتظارهم لها.

إلى ذلك لم يحجب تصاعد الحراك المطلبي للقطاع العام، عودة تحريك ملف تصحيح الأجور على خلفية تأجيل مجلس الوزراء في جلسته الاخيرة البت بطلب تعديل المرسوم 13164 المتعلق بتعيين الحد الأدنى الرسمي للأجور، ونسبة غلاء المعيشة للمستخدمين والعمال الخاضعين لقانون العمل، والذي قضى بزيادة 9 ملايين ليرة غلاء معيشة، على الحد الأدنى للأجور المحدد بـ18 مليون ليرة.

تم التأجيل بحجة “ملفقة” وتبرير مقنّع أشاعه بعض الوزراء، بأن الحكومة لا تريد إغضاب القطاع العام والمتقاعدين، وخصوصاً #العسكريين المتقاعدين الذين يشكلون رأس حربة الحراك المطلبي. بيد أن مصادر قريبة من الملف، أكدت لـ”النهار”، أن سحب بند زيادة غلاء المعيشة للقطاع الخاص من جدول أعمال مجلس الوزراء، تم بناءً على تدخل وتمنٍّ، وصل إلى حد الإصرار، من أحد أركان الهيئات الاقتصادية، بحجة إعادة دراسة مفاعيله وانعكاساته، فيما الحقيقة أن الهيئات الاقتصادية، وجمعيات التجار وأرباب العمل، يعملون لعدم إدخال هذه الزيادات في صلب الراتب، لتجنب تسديد المتوجب عنها إلى صندوق الضمان، ولتفادي دفع رسوم وضرائب إضافية.

يعود الاتفاق الى شهور خلت، حيث جرى التفاوض بشأنه مع رئيس الحكومة، والاتحاد العمالي، ونال على مضض موافقة شرائح نقابية أخرى، اعتبرت أن الزيادات التي تضمّنها لا تفي بالحد الأدنى المطلوب لحياة كريمة. أما على مقلب الدولة فكان رئيس الحكومة يعلل قلة الزيادة بضمور إيرادات الدولة ومداخيلها، متعهداً بإعداد سلسلة رواتب جديدة، تعيد ترتيب أوضاع جميع العاملين في القطاعين العام والخاص، وفق معايير علمية تراعي حاجات العمال من جهة وإمكانيات الدولة المالية وعائداتها من جهة أخرى.

وعود رئيس الحكومة أطاحها دخول لبنان حرب غزة، من بوابة الحدود الجنوبية، والتداعيات الأمنية الي أطاحت موسم الصيف وخسارة عائداته، وبات هامش المماطلة لدى الحكومة يضيق، خصوصاً بعد افتضاح نيتها عدم تضمين الموازنة زيادات للقطاع العام والمتقاعدين.

وبالعودة الى كيفية ولادة المرسوم، فإنه في 19/3/2024 اجتمعت لجنة المؤشر التي تضم ممثلين عن الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام والدولة اللبنانية بناءً على توجيهات رئيس مجلس الوزراء وخلصت إلى وجوب دعم العمال والأجراء الخاضعين لقانون العمل وذلك بزيادة غلاء معيشة ورفع الحد الأدنى للأجر الشهري.

وفي 26/3/2024 وافق مجلس شورى الدولة على مشروع المرسوم القاضي بإعطاء زيادة غلاء معيشة للقطاع الخاص بقيمة 9 ملايين ليرة، وتعديل الحد الأدنى للأجر الشهري إلى 18 مليون ليرة. ولكن بعدما عرضت وزارة العمل مشروع المرسوم على مجلس الوزراء، قرر المجلس الموافقة على تعيين الحد الأدنى الرسمي لأجور المستخدمين والعمال الخاضعين لقانون العمل ونسبة غلاء المعيشة اعتباراً من 1/4/2024.

ووفق ما يشرح رئيس الاتحاد العمالي بشارة الأسمر لـ”النهار” فإن المرسوم الذي أقر سابقاً “كان يلحظ بندين: البند الأول رفع الحد الأدنى للأجور الى 18 مليوناً، أما البند الثاني فيقضي بإعطاء غلاء معيشة 9 ملايين ليرة (تدخل في صلب الراتب) لكل الموظفين الذين يخضعون لقانون العمل. وكان ثمة توافق على الموضوع مع وزير العمل، وعندما وصل المرسوم الى مجلس الوزراء لإقراره ضغطت بعض الهيئات الاقتصادية فطار البند الثاني.

ونُشر المرسوم ببنده الأول فقط فيما بقيت حيثيات المرسوم تشير الى رفع الحد الأدنى للأجر وإعطاء 9 ملايين ليرة كغلاء معيشة لكل الموظفين. أمام هذا الواقع، تقدم الاتحاد العمالي بمراجعة أمام مجلس شورى الدولة، توازياً مع مواصلة الحوار مع ميقاتي ووزير العمل الى أن توصلنا الى اتفاق بعرض المرسوم بصيغته الواردة من مجلس شورى الدولة في جلسة مجلس الوزراء الاخيرة. ولكن تم تأجيلها لدواعٍ عملانية للمزيد من المشاورات مع الاتحاد العمالي العام”.

يقر الأسمر بأن “الحد الأدنى للأجور لا يلبّي طموح العاملين في القطاع الخاص، ولكن الاتفاق مع الهيئات الاقتصادية كان تحديد الحد الأدنى للأجور بـ18 مليون ليرة، على أن نبدأ خلال الصيف بمشاورات لزيادته خصوصاً أنه كان ثمة تعويل على الموسم والإيرادات التي يمكن إدخالها من المغتربين والسياح، ولكن ما حصل من تطورات أمنية فرمل اندفاعة القطاع الخاص. من دون أن يعني ذلك أننا سنوقف الحوار، بدليل أنني اجتمعت مع رئيس الهيئات الاقتصادية محمد شقير واتفقنا على تفعيل الحوار فور عودة استتباب الأوضاع”.

واستند الأسمر الى الدراسة التي اجراها الاتحاد العمالي العام والتي بينت أن الحد الأدنى للأجور يجب أن لا يقل عن 50 مليون ليرة، وهي مطابقة تقريباً لدراسة “الدولية للمعلومات” التي حدّدت الحد الأدنى للأجور بـ52 مليون ليرة، مع الأخذ في الاعتبار علماً بأن هذا الرقم لا يفي متطلبات سكان بيروت بل الضواحي.

وفيما يؤكد الاسمر أن غالبية مؤسسات وشركات القطاع الخاص تدفع رواتب لموظفيها تفوق بكثير الحد الأدنى للأجور، أكد أن “المشكلة مع القطاع الخاص هي في عدم التصريح للضمان الاجتماعي بالراتب الحقيقي للهروب من تعويضات نهاية الخدمة ومن مبالغ التسوية”، موضحاً أن مجلس إدارة الضمان طلب من مؤسسات القطاع الخاص التي تسدّد رواتب موظفيها بالدولار التصريح عنها بدءاً من أول شباط 2024 على سعر صرف 89 ألفاً و500 ليرة.

وكان المدير العام للضمان الاجتماعي محمد كركي قد عمّم في 17 كانون الثاني الماضي على المديريات والمكاتب الإقليمية والمحلية إحالة المؤسسات التي تتقدّم بتصاريح أجور أو تصاريح استخدام أو ترك تتضمّن أجوراً أقل من 20 مليون ليرة شهرياً إلى مديرية التفتيش والمراقبة. ووفق عضو المجلس الاقتصادي الاجتماعي صادق علوية فإن أصحاب العمل لا يصرحون عن الرواتب الحقيقية، فإنه “خشية افتضاح أمر أصحاب العمل، ولتجنب إحالة مؤسساتهم إلى التفتيش عمدوا إلى التصريح عن أجرائهم بـ20 مليون ليرة شهرياً، وهو أقل مما يدفعونه فعلياً لأجرائهم، ما يعني أن أجورهم تفوق الحد الأدنى الرسمي الجديد”. وهذا يعني برأي علوية أن هؤلاء لن يتقاضىوا أي مبلغ لعدم إقرار بند يمنحهم أي زيادة لغلاء المعيشة. أما المؤسسات العامة والمصالح المستقلة التي تعتمد سلاسل رتب ورواتب فستصبح رواتب جميع العاملين فيها 18 مليون ليرة، على اعتبار أن الزيادات التي سبق أن منحها مجلس الوزراء للعاملين في القطاع العام لا تدخل في أساس الراتب، وتالياً وفي سابقة لم يعرفها القطاع الخاص والعام منذ نشأة الجمهورية، سيصبح أساس راتب المدير العام الذي ينتمي إلى الفئة الأولى: 18 مليون ليرة، وراتب الحارس من الفئة الخامسة أيضاً 18 مليون ليرة”.