Beirut weather 17.43 ° C
تاريخ النشر August 29, 2024
A A A
الحرب على الضفة الغربية تصعيد أم تمهيد؟
الكاتب: ناصر قنديل - البناء

لم تتغيّر المكانة المحورية للضفة الغربية في مفهوم الأمن الاستراتيجي والبعد العقائدي بنظر كيان الاحتلال. ومكانة غزة كانت مستمدّة بعد الانسحاب من القطاع عام 2005 من درجة تدخل المقاومة في غزة لمنع ما يخطّط له ويقوم به الكيان في الضفة الغربية وضمنها القدس والمسجد الأقصى خصوصاً، وهذا كان معنى سيف القدس وطوفان الأقصى، وإذا كان الكيان قد استعاد أحلاماً تاريخية بتهجير غزة وضمّها إلى جغرافية الكيان والاستيطان والاستثمار من بوابة نظريات قناة بن غوريون ومنصات الغاز، فإن ذلك جاء في مرحلة غرور القوة الذي سكن قادة الكيان مع حجم الغضب الانتقامي الذي بدا أنه وحّد الكيان سياسياً وراء الجيش للقيام بانتقام تاريخيّ أشارت حال الاستنفار النفسي والمعنوي الى أنه يسمح بتحمل الخسائر اللازمة لتحقيق الحلم التاريخي الذي كان صعب المنال في غزة من قبل، خصوصاً في ظل الحشود الدولية الغربية المساندة للكيان وحشود الجيوش الأميركية للدفاع عنه ودعمه، لكن بقي حاضراً في عقول قادة الكيان أن الضفة الغربية هي بيضة القبان سواء تمت السيطرة على غزة أم لم تتم.

كما في غزة كذلك في الضفة يوجد سقف أعلى وسقف أدنى وزمن لاحق وزمن راهن، وإذا كان السقف الأعلى في غزة والضفة مترابطاً عضوياً، وهو مشروع التهجير والغلبة العددية السكانية المرجوّة لصالح مفهوم الدولة اليهودية، فإن الفشل في غزة على هذا الصعيد وتشبث الفلسطينيين بأرضهم رغم المجازر يجعل من الصعب التفكير بفرص نجاح التهجير من الضفة الغربية. وإذا كان الزمن اللاحق في غزة هو زمن اتفاق يسعى الكيان لجعله أقرب ما يكون لتصوّره لحد أدنى من عدم الهزيمة إذا لم يكن تحقيق صورة النصر ممكناً، فإن الزمن الراهن في غزة هو للمزيد من شراء الوقت ولكن هذه المرّة للتفرّغ لتحقيق إنجاز في الضفة الغربية وخصوصاً قطف الثمار في القدس والأقصى.

الواضح أن تسريع روزنامة الحملة العسكرية الكبرى على الضفة الغربية جاء بعد ردّ حزب الله وما أوحى به التغيير في خطاب قادة كيان الاحتلال عن الخروج من خطاب الحرب على لبنان، سواء بالقول على ألسنة كل قادة الكيان، إن الكيان لا يريد الحرب ولا يريد التصعيد يوم الردّ، أو بالكلام الصادر عن كل من بنيامين نتنياهو أمس حول الاهتمام بوضع المستوطنين في الشمال لكن دون القول كيف، والحديث عن أن الضربة المسماة استباقية ليست نهاية المطاف دون القول عما بعدها، أو كلام رئيس الأركان عن مواصلة ملاحقة حزب الله والردّ على ضرباته دون ذكر الحرب، ولكن خصوصاً كلام وزير الحرب يوآف غالانت الذي كان صوت الحديث اليومي عن الحرب والذي قال إن الحرب على حزب الله ليست الآن، ولكن في المستقبل البعيد.

عندما ينقلب فهم قادة الكيان نحو جبهة لبنان إلى التسليم بأن لا علاج لطبيعة التحدّي الذي تمثله بالرهان على معادلات القوة والاستقواء بالحشود الأميركية والتهديد بالحرب او خوضها جزئياً أو كلياً، فهذا يعني بصورة مزدوجة نجاح حزب الله بربح معركة الردع مجدداً من جهة، وانتقال الكيان إلى المعادلة التي يقول بها حزب الله وقد سلّم بها الغرب وعلى رأسه أميركا بعد شهور طويلة من محاولات الضغط. والمعادلة تقول إن لا طريق لوقف تداعيات ما تتسبّب به جبهة لبنان من تحديات في مجال الردع أو مجال هجرة المستوطنين إلا بالتوصل إلى اتفاق في غزة ينهي الحرب، وهذا يجعل استحقاق الحرب على الضفة راهناً، واستثمار الوقت المتاح من استمرار حرب غزة وحروب الإسناد، لفرض أمر واقع يناسب الكيان وحكومته أمنياً وعقائدياً في الضفة وضمنها القدس، وفي ظل العجز عن التهجير، يصبح استئصال بؤر المقاومة وتعقيم الضفة والقدس هو الخطة وهو الهدف، ولو اقتضى مذابح كتلك الجارية في غزة.

بالتأكيد يريد الكيان من التصعيد في الضفة إحراج المقاومة بكل مكوّناتها، بإعادة طرح سؤال الدعم والإسناد ومدى فاعليته، لكن الكيان يعلم أنه من الزاوية العملياتية لن يكون متاحاً له تحقيق انتصار في الضفة الغربية، وأن الأهمية الأمنية للضفة تقاس عائداتها بالقدرة على ترجمة البعد العقائدي في القدس، وفي المسجد الأقصى خصوصاً، وتسويق هذا الإنجاز للتغطية على أي اتفاق في غزة، للقول إنه عندما كانت غزة تهديداً كانت تقوم بنجدة الضفة والأقصى، وإن زمن سيف القدس والطوفان انتهى، لكن يبقى القياس في القدس والقدرة على تغيير الواقع فيها، والتحدّي ليس بما يملكه المقدسيّون لمنع ذلك، بل بما يثيره خارج القدس.

من المفروض أن قادة الكيان الذين يبنون حساباتهم على أنه سيكون صعباً تحويل إسناد محور المقاومة إلى تدخل مباشر في حرب الضفة الغربية لنصرتها، يضعون في حساباتهم أيضاً أن الوضع مختلف بالنسبة للقدس التي تشكل ميزان الربح والخسارة، ذلك أن محور المقاومة نشأ على معادلة أعلنها الأمين العام لحزب الله وسانده زعيم حركة أنصار الله، قبل سنوات، ولم تكن هناك حرب غزة ولا الضفة ولا الطوفان، والمعادلة تقول إن تهديد الأقصى يعادل حرباً إقليمية.

من المهم أن يتذكّر قادة الكيان ذلك، وأن يضعوا في حسابهم أنه سابق لحرب غزة وأنه باقٍ بعدها.