Beirut weather 25.41 ° C
تاريخ النشر June 25, 2024
A A A
نظام “الحرب الباردة” الجديد آخذ في الاستقرار
الكاتب: الدكتور ناصيف حتي

كتب الدكتور ناصيف حتي في “النهار”

كثيرون حذّروا، وحذّرنا، من أن منطق الحرب الباردة الذي طبع النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية وسقط مع سقوط الاتحاد السوفياتي ومع التداعيات التغييرية الكبرى لذلك السقوط، أخذ بالاستقرار كسمة أساسية تطبع النظام الدولي الجديد الذي ما زال في طور التشكل ولم تستقر قواعده بعد، والعالم ما زال في حالة انتقالية توصف بـ”نظام ما بعد بعد الحرب الباردة”.

أحداث ثلاثة أخيرا تؤكد ذلك:
أولا، الموتمر الدولي الذي استضافته سويسرا لصنع السلام في أوكرانيا ولم تدعَ اليه روسيا وقاطعته الصين الشعبية. لم توقّع بيانه الختامي أطراف دولية عديدة من “الجنوب العالمي” تتخذ موقفا وسطيا بهدف دعم التسوية السلمية لهذا النزاع المستمر والمتصاعد، باعتبار أنه غير متوازن في الموقف الذي حمله وخصوصا مع عدم دعوة روسيا للمشاركة.

ثانيا، قمة “مجموعة السبع” أو قمة القوى الغربية التي تضم اليابان أيضا باعتبارها غربية في السياسة، أخذت موقفا متشددا حيال روسيا في سياق السياسة التي تتبعها هذه القوى الغربية في الحرب الدائرة في أوكرانيا، وذلك من أبرز الأمثلة على ما أشرنا اليه حول طبيعة الصراع الدائر والذي يتغذى من الحرب المفتوحة في الزمان، ويحذر البعض من أنها قد تتوسع في المكان.

الحدث الثالث تمثل في القمة الروسية الكورية الشمالية مع زيارة الرئيس الروسي لبيونغيانغ وتوقيع اتفاق التعاون الاستراتيجي الشامل بين الدولتين: موشر في سياسية المواجهة التي تعتمدها روسيا ضد ما تعتبره محاولة عزلها أو إضعاف دورها في منطقة المحيط الهادىء، المنطقة التي تحظى بأهمية استراتيجية كبرى لموسكو في “لعبة الامم”.

وعلى صعيد آخر، يجري الحديث عن ازدياد قلق الصين الشعبية من محاولات أميركية غربية لتعزيز قدرات تايوان على مختلف الصعد، ولو دائما تحت عنوان عدم المس بمبدأ “الصين الواحدة”، فيما تودي هذه السياسة الى تعزيز توجه تايوان عمليا وفعليا ضد هذه السياسة. وإذا كان الغزو الصيني الشامل أو الحصار العسكري لتايوان مستبعدا في ظل الأوضاع القائمة، فلقد حذر البعض من أن الصين الشعبية قد تلجأ، إذا ما شعرت بأن هناك مخاطر على رؤيتها لمستقبل العلاقات مع تايوان، كما تراها او تتطلع اليها بكين، الى القيام بما يعرف بـ”الحجر الصحي الكامل أو الجزئي” على تايوان لتصعيب الوصول اليها.

سياسة حذر البعض من أن بكين قد تلجأ إليها إذا ما شعرت مستقبلا بأن الخطوط الحمر التي حددتها للاستمرار في إدارة الوضع القائم وحماية أمنها القومي، يجري تخطّيها في شكل تدريجي: إنه عنصر آخر يدفع إلى تعزيز منطق الحرب الباردة. قد يحصل ذلك مع تحول الصين الشعبية من توظيف موقعها الذي يزداد قوة وأهمية في الجغرافيا الاقتصادية العالمية، إلى تعزيز موقعها في الجغرافيا السياسية في النظام الدولي الذي يتشكل. ونرى إرهاصات هذا الدور في مختلف مناطق “الجنوب العالمي” في لعبة التنافس مع الولايات المتحدة، وفي شكل أكثر مرونة مع روسيا الاتحادية.

صحيح أن “المسرح الاستراتيجي الأوروبي” عاد عبر الحرب في أوكرانيا وحولها إلى “احتلال” موقع الساحة الرئيسية في الصراع الدولي المتشابك والمتصاعد، لكن “مسرح المحيطين” الهادئ والأطلسي مرشح لدور أساسي في صياغة نظام الحرب الباردة الجديدة، النظام الذي يتبلور أكثر كل يوم كما يدل على ذلك غياب أي أفق فعلي حتى الآن للتوصل إلى حل سياسي سلمي تفاوضي للحرب الأوكرانية.

وللتذكير، فإن الحل لا يمكن أن يمر عبر انتصار طرف على الآخر، وهو أمر مستحيل بسبب طبيعة الحرب والصراع الذي تواكبه أيضا الأطراف المشاركة بأشكال مختلفة. الحل كما يذكر الكثيرون، يستدعي أخذ المصالح الحيوية لطرفي الحرب والنزاع في الاعتبار: حلّ قوامه الحفاظ على وحدة أوكرانيا وإيجاد صيغة للسلطة تقوم على احترام التنوع المجتمعي، كما يدل على ذلك تاريخ بعض المناطق، تحت سقف الدولة الواحدة الموحدة بالطبع، وأخيرا تحييد أوكرانيا عن الصراع الاستراتيجي بسبب دقة موقعها الجغرافي.

فلا يمكن أن تكون عضوا في منظمة حلف شمال الأطلسي لما يشكله ذلك من تهديد للأمن الاستراتيجي الروسي، وهو تهديد مرفوض أيا تكن القيادة الجالسة في الكرملين. ويبدو أن أوكرانيا أمام أحد احتمالين حاليا: إما أن تبقى نقطة ساخنة ومشتعلة في الصراع الدولي الذي يتبلور بين الأقطاب القائمة والعائدة، وإما أن تشكل نموذجا مستقبليا للتعايش السلمي الواقعي في “لعبة الامم” المتجددة ببعض عناوينها وليس بطبيعتها.

• وزير الخارجية سابقاً