Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر May 3, 2024
A A A
الزيارة الأوروبيّة: جرعة ماليّة للمساهمة بأعباء النازحين… لكن الأبواب مُوصدة بوجه العودة
الكاتب: محمد بلوط

كتب محمد بلوط في صحيفة “الديار”:

ما هي آفاق ونتائج الحراك الناشط، الذي يسجل في الوقت الراهن حول قضية النازحين السوريين في لبنان وسبل معالجتها؟

شكلت زيارة الرئيس القبرصي نيكوس خريستو دوليديس ورئيسة المفوضية الاوروبية اورسولا فون ديرلاين للبنان امس، محطة بارزة في اطار هذا الحراك، بعد جهود وتحركات جرت على المستوى الرسمي اللبناني في هذا الخصوص، كانت ابرزها زيارة رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي مؤخرا الى باريس، واثارته هذا الموضوع مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، الذي وعد بالسعي لدى الاتحاد الاوروبي للمساعدة في معالجة هذه الازمة .

وترافق تنشيط الحراك اللبناني الرسمي باتجاه المجموعة الاوروبية والجهات الدولية المعنية، مع حدثين او تطورين بارزين يتصلان بتداعيات ازمة النازحين السوريين:

١- ارتفاع الصوت والشكوى من بعض الدول الاوروبية، وفي مقدمها قبرص، من ازدياد موجات النزوح السوري عبر البحر من لبنان وسوريا وتركيا في الشهور الاخيرة بنسبة مضاعفة .

٢- تفاقم التداعيات الامنية والاجتماعية بشكل مضطرد وخطير في لبنان، جراء وجود اللاجئين السوريين وتزايد اعدادهم بشكل هائل.

وكان سبق هذا المنحى النشط في التحرك، ان اعلن ميقاتي عن اعداد خطة لحل ازمة النازحين واعادتهم الى سوريا، وتبين لاحقا كما كان متوقعا ان تنفيذ اية خطة مرتبط بعوامل تتصل بالموقف الدولي، وتحديدا موقف واشنطن والمجموعة الاوروبية من جهة، وجهوزية الحكومة السورية لفتح هذا الملف والمباشرة بالتعاون مع لبنان لمعالجته من جهة ثانية.

ووفقا للمواقف المعلنة واجواء المحادثات مع المسؤولين الاوروبيين او مع الجهات الدولية المعنية، يبدو واضحا ان الحصار والعقوبات المفروضة على سوريا بضغط اميركي مباشر، تحولان حتى الآن دون توافر هذه الجهوزية لدى دمشق، عدا عن ان رفض التطبيع مع دمشق يساهم المساهمة الكبرى في هذا الواقع غير المشجع لحل ازمة النازحين .

وفي محطة الامس، ظهر جليا ان موقف الاتحاد الاوروبي تجاه قضية النازحين السوريين في لبنان لم يطرأ عليه تطور يذكر، والذي يلخص باستمرار التعامل مع هذه القضية على اساس تقديم المساعدات المالية، التي تساهم في قسم من كلفة الوجود السوري في لبنان . وقد تجلى ذلك في تصريح رئيسة المفوضية الاوروبية بعد اجتماعها الى جانب الرئيس القبرصي مع ميقاتي امس، واعلانها عن حزمة دعم للبنان بقيمة مليار يورو اعتبارا من هذا العام ولغاية العام ٢٠٢٧، اي حوالي ٣٥٠ مليون يورو سنويا . وتتمحور هذه المساعدة حول المجالات المتعلقة بالتربية والبنى التحتية والصحة والمساعدات الاجتماعية، ولفت كلام الرئيس القبرصي عن امور اخرى مشمولة بالمساعدة هي ” مكافحة التهريب وتعزيز قدرات السلطة اللبنانية لمراقبة الحدود”.

وهنا يكمن بيت القصيد، فالمساعدة الاوروبية الموعودة تأخذ بعين الاعتبار بشكل واضح العمل، للحد مما يسمى الهجرة غير الشرعية للنازحين السوريين عبر البحر الى الشواطئ الاوربية . ووفقا للتقارير الاوروبية والدولية مؤخرا، فان عدد النازحين السورييين عبر البحر الى اوروبا ازداد في الشهور الماضية بنسبة ٣٥ بالمئة، خصوصا بعد تضاؤل المساعدات الاوروبية للنازحين السوريين في السنتين الاخيرتين بنسبة ٥٠ بالمئة، على ذمة مصادر اوروبية ودولية .ويشار في هذا المجال، ما صرح به وزير الصحة فراس الابيض امس بان المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ابلغته ان سقوف التغطية الصحية للنازحين السوريين ستتدنى بنسبة ٥٠ بالمئة.

وفي خصوص مساعدة المليار دولار التي اعلنت عنها فونديرلاين امس، على مدى اكثر من ثلاث سنوات، تقول مصادر مطلعة انها لا تغطي الكلفة المباشرة للنازحين السوريين في لبنان لسنة واحدة، باعتبار ان هذه الكلفة المباشرة وفق ما صرح به نائب رئيس البنك الدولي للشرق الاوسط فريد بلحاج بعد لقاء ميقاتي في آذار الماضي، تبلغ مليار ونصف المليار دولار سنويا . وهناك تقديرات دقيقة تتحدث عن ان الكلفة تزيد عن هذا الرقم بمئتي مليون دولار على الاقل .

اما الكلفة غير المباشرة للنزوح السوري فتقدر بحوالي ٣٧ مليار دولار منذ العام ٢٠١١ وحتى اليوم .

وفي تصريح الرئيس القبرصي لم يظهر ان الاتحاد الاوروبي بات متفقا لتبني الموقف اللبناني، والواقع بان معظم المناطق في سوريا باتت مناطق آمنة، ويمكن ان يعود اليها النازحون من لبنان، وهذا ما جدد ميقاتي التأكيد عليه خلال اجتماع الامس .

وفي خلاصة نتائج زيارة الرئيس القبرصي ورئيسة المفوضية الاوروبية، يمكن القول انها تحمل بعض الايجابيات تتمثل بحجم المساعدة المالية المعلنة والموعودة للبنان بعد تراجعها في السنوات الاخيرة، عدا عن ان اعلان المجموعة الاوروبية استعدادها لمزيد من التعاون الجاد مع لبنان، للبحث في معالجة ازمة النازحين السوريين .

لكن هذه الايجابيات لا توازي حجم السلبيات الناجمة عن الموقف الاوروبي والدولي تجاه هذه القضية، الذي ما زال يتمحور حول المساهمة في تحمل لبنان تداعيات الوجود السوري، ولم ينتقل الى مرحلة المباشرة في المساعدة على حل هذه الازمة، واعادة النازحين الى سوريا وتقديم المساعدات لهم في بلدهم .

وفي اطار العمل الجدي لحل هذه الازمة، يبرز الاقتراح الذي طرحه الرئيس بري امس، وابدى الجانب الاوروبي ترحيبه به، والرامي الى تشكيل لجنة من لبنان والاتحاد الاوروبي لمتابعة نتائج الزيارة والاجتماعات المتصلة بهذه القضية. وكذلك تأكيده مجددا على تواصل سائر الاطراف المعنية بمقاربة ملف النازحين مع الحكومة السورية، التي بات حضورها قائما على معظم اراضيها .

ويقول مصدر سياسي مطلع ان ما جرى مع الاوروبيين حتى الآن لا يشكل مقاربة جدية لحل ازمة النازحين والعمل لاعادتهم الى سوريا، طالما ان النظرة الدولية والاوروبية لهذه القضية ما زالت تقتصر على التعامل معها وفق مبدأ تقديم المساعدة المالية، للحد من تداعياتها المادية والاقتصادية والاجتماعية، وتقفل الابواب امام عودة النازحين السوريين الى بلدهم .