Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر April 20, 2024
A A A
لبنان يطرح سياسة “الجذب” بدلاً من “الضغط”
الكاتب: دوللي بشعلاني - الديار

بعد الجرائم الأخيرة التي شهدتها الساحة اللبنانية في مختلف المناطق، وعلى رأسها اختطاف وقتل منسّق “القوّات اللبنانية” باسكال سليمان، والتي أظهرت أنّ غالبية مرتكبيها هم من التابعية السورية، يتحرّك لبنان الرسمي في اتجاه معالجة ملف النزوح السوري في لبنان. هذا الملف الذي بات يُشكّل عبئاً ضخماً على كاهل الدولة “المفكّكة” التي تعاني من أزمة رئاسية مستمرّة منذ أواخر تشرين الأول من العام 2022، وأخرى مالية وإقتصادية وإجتماعية وديموغرافية. الأمر الذي استوجب بدء العمل على حلّ ملف النزوح جذرياً لتلافي التشنّجات الحاصلة بين اللبنانيين والسوريين في عدد من المناطق، ووضع حدّ للبيانات والتعاميم الصادرة من أهالي بعض هذه المناطق المنادية “بترحيل السوريين فوراً، وإلّا فقد أعذر من أنذر”، على ما جاء في بعض منها. علماً بأنّ كلّاً من المجتمع الدولي والإتحاد الأوروبي لا يزال حتى الساعة على موقفه نفسه، وهو “دمج النازحين السوريين في المجتمعات المضيفة”، وعدم تقديم الدعم للبنان لإعادتهم الى المناطق الآمنة في بلادهم، تحت ذريعة “أنّ الظروف لم تنضج بعد للعودة”. فهل يؤمل أن يتغيّر هذا الموقف في مؤتمر بروكسل المرتقب؟

تشرح مصادر سياسية واسعة الإطلاع بأنّ لبنان “كلّف” الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس خلال زيارته الأخيرة الى لبنان في الثامن من نيسان الجاري، كما طالب من المعنيين اليونانيين، دعم موقفه الرسمي في مؤتمر بروكسل الثامن حول “دعم مستقبل سوريا والمنطقة”، بعد أن باتت أزمة الهجرة غير الشرعية مشتركة بين البلدان الثلاثة. علماً بأنّ لبنان سيكون ممثلاً فيه برئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب. وستشهد بروكسل يوماً للحوار مع المجتمع المدني السوري (من سوريا ودول الجوار والشتات) في 30 نيسان الجاري في مقرّ البرلمان الأوروبي، يهدف الى جمع آراء السوريين، على أن يقوم مركز التحليل والبحوث بتجميع البيانات التي ستصل إليها هذه الدراسة الاستقصائية في تقرير ينشر قبل انعقاد المؤتمر. أمّا المؤتمر الوزاري فيُعقد في 27 أيّار المقبل في مقرّ مجلس الإتحاد الأوروبي، ويحضره ما يُقارب 800 مشارك.

والموقف اللبناني الذي سيتمّ تظهيره في المؤتمر، على ما أضافت، هو أنّ لبنان لم يعد باستطاعته تحمّل عبء النزوح السوري المستمر منذ العام 2011 وحتى يومنا هذا، والذي فاق عدده المليونين ومئتي ألف نازح أي ما يوازي نحو 40 % من عدد سكّان لبنان، سيما وأنّ كلفته تخطّت مليارات الدولارات وهي تفوق طاقته وقدراته وحجمه الجغرافي. كذلك فإنّ لبنان لم يعد يحتاج فقط الى حشد الدعم المالي الحيوي للتخفيف من وطأة أزمة السوريين النازحين على أراضيه، إنّما يودّ أن تقوم الأسرة الدولية بتقديم المساعدات للسوريين في مناطقهم الآمنة في سوريا، أو تأمين قبول كلّ من يرغب منهم في بلد ثالث من بلدان اللجوء. ويأمل أن يتجاوب الإتحاد الأوروبي مع دعواته المتكرّرة لدعمه على معالجة ملف النزوح السوري.

ومن المتوقّع أن يكشف لبنان في مؤتمر بروكسل، وفق المصادر نفسها، عن الدرجة الخطيرة والمُقلقة التي وصل اليها الوضع الأمني في الداخل لا سيما مع ارتفاع نسبة الجرائم وارتكابها من قبل النازحين السوريين في مختلف المناطق اللبنانية. ويُظهّر بالتالي خطورة ما باتت تشهده بعض المناطق من حملات إعتداء وضرب متبادل بين اللبنانيين والنازحين السوريين، وما صدر عنها من بيانات وتعاميم نادت بترحيلهم الى بلادهم فوراً وإلّا فإنّ الأوضاع ستسوء أكثر. ويُطالب لبنان المجتمع الدولي كذلك بالتوصّل سريعاً الى حلّ سياسي سلمي شامل ومستدام للصراع في سوريا، يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي 2254، ويؤدّي الى عودة النازحين السوريين سريعاً الى بلادهم.

وللحدّ من فوضى النزوح السوري وتلافي المشاكل بين اللبنانيين والسوريين، على ما تابعت المصادر عينها، فإنّ حكومة تصريف الأعمال تعمل حالياً على تنظيم الوجود السوري تبعاً لداتا النازحين التي حصلت عليها من المفوضية العليا للشؤون اللاجئين كمرحلة أولى، وتتضمّن بيانات نحو 900 ألف نازح فقط، ووفقاً للقوانين المرعية الإجراء. أمّا أساس الحلّ، فليس بالضغط على النازحين السوريين أو اللاجئين الفلسطينيين (الذي يُقدر عددهم بـ 250 ألف)، لأنّ هذا الأمر يجعل النازح أو اللاجىء يختبىء في مناطق أقلّ ضغطاً، أو يُهاجر بطريقة غير شرعية الى دولة أوروبية، ويعود منها بعد رفضها استقباله. كما أنّه لا يعود الى بلاده من دون عوامل جذب، تجعله يختار العودة طوعاً.

ومن هنا، فبعد الجرائم الأخيرة التي حصلت، على ما أوضحت، والأصوات التي نادت بترحيل النازحين، غادر قسم كبير منهم بعض المناطق الى البقاع، ولم يُفكّر في العودة الى سوريا لأنّه ليس من عوامل تُشجّعه على ذلك. وعندما تهدأ الأمور بعض الشيء يعود النازحون الى الإنتشار في جميع المناطق. ولهذا فإنّ لبنان، يسعى من أجل أن تقوم الدول العربية والمجتمع الدولي بمساعدته على تحسين ظروف النازحين ودعم عملية عودتهم الى الداخل السوري. كما أنّ إعادة النهوض في المناطق التي هُجّر وا منها، تُشكّل الأساس المتين لعودتهم. والسبب هنا، يُصبح مرتبطاً بالإقتصاد وبأماكن الإقامة، وبتأمين الخدمات لهم في مناطقهم. وهذا سيكون، على ما عقّبت المصادر، أساس خطاب لبنان للدول الأوروبية التي لا تزال تُكرّر حتى الساعة بأنّ “ظروف العودة غير مؤاتية وغير متاحة”. وهذا غير صحيح لأنّ ثمّة محافظات سورية عدّة يُمكن للنازحين العودة اليها. والدليل أنّهم يذهبون الى مناطقهم لزيارة عائلاتهم خلال عطلة الأعياد والمناسبات. ولهذا يُمكن للمنظمات الدولية والجمعيات غير الحكومية البدء منذ الآن بالعمل على آلية النهوض المُبكر في الكثير من البلدات السورية، الأمر الذي يضمن عودة أعداد كبيرة من النازحين اليها. فضلاً عن تقديم المساعدات التي تُقدّم لهم في لبنان، في مناطقهم في سوريا.

وأشارت الى أنّ لبنان قد شرح موقفه هذا لكلّ من المسؤولين في قبرص واليونان وإيطاليا ودول المتوسّط التي تعاني أيضاً من الهجرة غير الشرعية إليها. وسيعمل بديبلوماسية ناشطة أكثر لتفسير الوضع اللبناني الفعلي للدول الأوروبية المؤثّرة، على أمل أن تقتنع بضرورة مساعدة لبنان على إعادة النازحين السوريين الى بلادهم في أسرع وقت ممكن.