Beirut weather 22.99 ° C
تاريخ النشر November 12, 2016
A A A
«القوات اللبنانية» هرباً من «اليتم» السياسي
الكاتب: روزانا رمّال - البناء

تؤكد مصادر سياسية مطلعة على أجواء التشكيل الوزاري لـ«البناء» أنّ أيّ عرقلة من «القوات اللبنانية» بالتمسك بوزارة سيادية هي عرقلة لانطلاقة عهد الرئيس ميشال عون، فيما من المفترض ان يكون جعجع الأكثر حرصاً على تسهيله، عملاً بدعمه ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية إذا ما كانت هذه الخطوة جدية من كلّ جوانبها و»مصلحية» بين الطرفين.

لا يمكن لجعجع المساهمة بإفشال الولادة السريعة للحكومة والتقليل شيئاً فشيئاً من هالة المحطة الجديدة التي دخلها لبنان بوصول عون للرئاسة وإلا فهناك «شيء ما» لن يكون مفهوماً بالخطوة القواتية التي يعرف المعنيون انّ التأخير قد يرفع من خطورة تأثر لبنان بأيّ تطور إقليمي جديد يفقده معها فرصة تشكيل الحكومة سريعاً، فندخل مجدداً بدوامة التعطيل نحو توقيت غير معروف ويخسر لبنان فرصة استثنائية لم يعرفها منذ سنوات ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري…

وعن أجواء التشكيلة الحكومية وموقف «القوات» تحديداً يكشف المصدر لـ«البناء» انه تمّ عرض عدد إضافي من الوزارات على «القوات» لتتمثل بحكومة الحريري من دون ان تستجيب للعرض مشدّدة على أنه لا يعنيها زيادة عدد الوزراء بالحكومة بقدر ما يعنيها الحصول على وزير «سيادي»، وهذا لوحده يشكل معضلة أمام الأفرقاء الذين يعتبرون انّ القوات تحاول فرض معادلة جديدة من الآن فصاعداً في التعاطي معها.

يضيف المصدر «انّ الموقف التي يعيشه سمير جعجع قد لا يحسد عليه، فهو من جهة يعتبر نفسه شريكاً في إيصال عون للرئاسة، وانه تحدّى جمهوره في أخذه نحو هذا الخيار الغريب بالنسبة إلى تاريخ القوات والأرضية الموجودة في شارعه، ومن جهة أخرى يعرف جعجع أنّ مسألة المطالبة بوزارة المالية أمر بات منتهياً، فقد بات بحكم المسلّم به انّ المالية ستبقى لحركة أمل، وهنا يكون جعجع قد دخل أكثر من مرة في إحراج ما يطلب وما سيحصل عليه، وهو ما سيضع حزبه بين خانة الاستخفاف او الغبن في لحظة من لحظات التفكر.

وأخيراً يكشف المصدر عن آخر معلومات «عقدة القوات اللبنانية» في الحكومة فيقول: «تبدو الأمور أكثر وضوحاً وأقلّ تعقيداً مع تقدّم الوقت، فالعقدة المتمثلة بالحقيبة السيادية التي يفترض ان يتولى حلها الفريق المسيحي «عون جعجع» تأخذ منحى أكثر إيجابية، و»القوات» تستمع إلى المقترحات المطروحة بشكل مشجع ويرجّح ان تتسلّم وزارة العدل كوزارة غير سيادية لكن بمفعول ورمزية سيادية كـ»ابتكار» لتقريب وجهات النظر، وإلا فإنّ «القوات» تدرك انّ الأمور ستتعقّد أكثر، وأنها ستبدو أكثر إحراجاً بعدما حاول الأفرقاء منحها عدداً جيداً من الوزارات وتسهيل ولادة الحكومة، ويضيف المصدر: «هناك مخارج مقترحة أخرى مثل ان «تنتدب» القوات اسماً لوزارة الدفاع كي تتخلص من الحساسيات التاريخية التي يشكلها حضور رموز قواتية في وزارات سيادية من هذا النوع، ومهما يكن الحلّ المقترح فإنّ الأكيد أنّ القوات تتجه نحو الإيجابية وتسهيل ولادة الحكومة لاعتبارات يدرك جيداً جعجع اهمّيتها على المحطة الانتخابية الكبرى للاستفادة بالقدر الممكن من نتائج التحالف بين القوات والتيار الوطني الحر على الساحة المسيحية»، يختم المصدر.

يحاول جعجع رسم خطوط عامة لعلاقته بالسلطة من الآن فصاعداً وهو على ما يبدو يرسم طريق العبور الى الساحة السياسية بسقوف أعلى مما توقع اللبنانيون لكن أقلّ مما يراه المسيحيون الذين يعتبرون جعجع أحد أركان إيصال عون للرئاسة، وأحد أبرز الأسماء المرشحة بعده لرئاسة الجمهورية، أسئلة أساسية تستوجب إجابات واضحة المعالم قد تجعل القوات أكثر إحراجاً في شارع تفاجئ من خطوة توصف «بالشجاعة» مرات وبالذكاء مرات أخرى أخذت جعجع نحو مصالحة مسيحية تاريخية مع عون أغلق الطرفان فيها مرحلة شديدة السواد.

ماذا استفاد جعجع من هذه الصفقة السياسية التي أوصلت عون لرئاسة الجمهورية من دون ان يستطيع حتى الحصول على وزارة سيادية؟ سؤال يطرحه أنصار القوات الذين يجدون اليوم فرصتهم في أن يكونوا فعّالين أكثر في النظام السياسي اللبناني خصوصاً في بالشق التنفيذي، وهو ما سمّي معضلة التشكيل، واذا كان على جعجع التوجه نحو تسريع تشكيل الحكومة دون الوقوف عند تعقيدات فهو يدرك انّ ثمنها المحافظة على علاقة جيدة مع التيار الوطني الحر كفيلة بمساعدة القوات بالاستحقاق النيابي المقبل، وكفيلة لضمان حضور القوات مسيحياً بعد انتكاسة فريق 14 آذار وتفكك معالمه وانسلاخه عن اعتباره فريقاً اقليمياً مكلفاً غربياً او خليجياً في لبنان منذ عام 2005.

يدرك جعجع انّ تلك المرحلة انتهت الى غير رجعة وانّ اي مرجعية لتغطية مشروع منفرد لم تعد موجودة، فكلّ ما كان مفترضاً ان يكون تمثيلاً لسياسة غربية او مشروعاً كان يعمل على إنشائه في لبنان في مرحلة «ثورة الارز» انتهى، ما جعل من خطوة جعجع بديهية للالتحاق بالنسيج المسيحي كغطاء لمرحلة جديدة لا يظهر عليه فيها «اليتم السياسي» كما يظهر اليوم على حزب الكتائب احد أركان «الثورة».

درس حزب القوات خطواته بشكل جيد ومحسوب وتعاطى مع السياسة ببراغماتية دون الوقوف عند عوائق تأخذ «القوات» نحو الانعزالية بعد تغيّر الخريطة السياسية في المنطقة، وبروز الحضور الروسي كعنوان المرحلة، وهو من المفترض ان يكون نفس دافعها لتسهيل ولادة الحكومة ودعم عون وعهده كتحصيل حاصل.