Beirut weather 15.41 ° C
تاريخ النشر February 22, 2024
A A A
الطباعة الثلاثية الأبعاد وثورة الابتكار… اين لبنان من هذا التطور؟
الكاتب: البروفسورة وديعة الاميوني - موقع المرده

 

 

اشارت الاستاذة الجامعية والباحثة الاجتماعية البروفسورة وديعة الاميوني في حديث الى موقع “المرده” الى ان الطباعة الثلاثية الأبعاد هي تقنيّة في ابتكار نماذج واقعيّة من برمجيات رقميّة، وتعتبر اليوم ثورة في عالم التصنيع والإنتاج، لأنها توفر الوقت والمال والموارد، وتفتح آفاق التطوير والإبداع في مجالات عدة، مثل البناء والطب والزراعة وغيره. ففي الهندسة المعمارية مثلا تستطيع انشاء المباني بشكل أسرع وأرخص وبدقة عالية وتصاميم معقدة ومبتكرة وأكثر كفاءة من الطرق التقليدية. وقد استخدمت الصين هذه التقنية وطبعت فندقًا ضخمًا لأول مرّة عام 2016، كما طبعت روسيا منزلًا للسكن خلال 24 ساعة فقط عام 2017، والإمارات مسجدًا للصلاة عام 2019. كذلك في الطب والصحة، ساهمت الطباعة الثلاثية الابعاد في احداث نقلة نوعية من خلال تحسين جودة الرعاية الصحية وتخفيض التكاليف، حيث أمكن طباعة أجهزة وأدوات طبية مثل الأطراف الاصطناعية والأسنان والسماعات والنظارات والأقنعة وأعضاء وأنسجة بشرية لزراعتها في اجسام المرضى. ومن أبرز الأمثلة في هذا المجال طباعة أول عظمة فك صناعية في هولندا عام 2012 وأول كلية بشرية وظيفية في الولايات المتحدة عام 2020. ويمكن التحدث ايضًا عن هذه التقنية في الزراعة والغذاء التي توفر حلولا عدة مثل الجفاف والجوع والتلوث والتنوع الحيوي، حيث يمكن طباعة مواد ومكوّنات غذائية طبيعية أو صناعية صالحة للأكل مثل اللحوم والخضروات والفواكه والحلويات والمشروبات، وطباعة بذور ونباتات وزهور وفطريات وطحالب لزراعتها. وفي عام 2010 طُبعت أول “شوكولا” صناعية في بريطانيا وأول لحمة بقر صناعية في هولندا عام 2013 وأول بيتزا صناعية في الولايات المتحدة عام 2014.
من جهة أخرى، نستطيع القول أنّ لبنان ليس بعيداً عن تقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد، فهناك شركات ناشئة تستخدمها في مجالات البناء والعمارة والصناعة والطب والفن والتعليم والترفيه، ولجأت بعض المستشفيات والجامعات الى هذه التقنية في تصميم وإنتاج مشاريع إبداعية في الرعاية الصحية والتعليم والعلوم، رغم مواجهتها تحديات التكلفة والتدريب والتنظيم والتطوير. ونعطي مثالًا هنا مستشفى الجامعة الأميركية (AUBMC) التي تستخدم الطباعة الثلاثية الأبعاد في الجراحة العظميّة والتجميليّة والترميميّة، وجامعة البلمند في تعليم الهندسة والعمارة والفنون، وجامعة القديس يوسف في تعليم الطب والصيدلة والتمريض، من خلال انتاج نماذج تشريحية وأعضاء اصطناعية وأدوية مخصصة للتدريب والبحث. ويمكن الاشارة هنا ايضًا الى مبادرة D MENA3 التي تهدف إلى تعزيز الابتكار والتمكين الاقتصادي والاجتماعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من خلال توفير الوصول إلى تقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد والتعليم المرتبط بها، وتنفيذ مشاريع تحقق الأثر الإيجابي.
باختصار نقول أنّ تقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد توفر فرصًا عديدة للتطوير والابتكار وتخفيض التكاليف والوقت، وهي تواجه في لبنان تحديات مختلفة، منها التقنية التي تهدف الى تحسين جودة ودقة وسرعة وكفاءة الطباعة وتقليل التكلفة وتأمين الصيانة، والقانونية التي تضع القواعد والمعايير والضوابط لحماية حقوق الملكية الفكرية والمسؤولية المدنيّة والجنائيّة للمنتجين والمستهلكين والمنافسين والمنظمات المعنيّة بالطباعة الثلاثية الأبعاد، وتنظّم السوق والتجارة والجمارك والضرائب المتعلقة بها. وأيضًا تحديات أخلاقية تطال اشكاليّات التوفيق بين الحرية والابتكار والتنوع من جهة، والقيم والمبادئ والمصالح الاستثمارية من جهة أخرى، خاصة في المجالات الحساسة مثل الطب والغذاء والأسلحة والدين والفن وغيرها.
تشهد تقنية الطباعة الثلاثية الابعاد اليوم ثورة في مجال الابتكار بتفاصيل دقيقة وتحويل الأفكار إلى واقع ملموس في وقت قصير وكلفة مادية قليلة. ويعزز هذا السياق استمرارية التقدم التكنولوجي والتجديد وتعزيز الإبداع والقدرة التنافسيّة في مختلف المجالات. ويمكن ان يكون لها أثر إيجابي على مختلف القطاعات من خلال تطوير حلول مبتكرة وتقديم خدمات أفضل، علمًا ان العراقيل كثيرة في لبنان تتعلق بالبنية التحتية التكنولوجية، وتوفير الموارد المالية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، ودعم الحكومة في تشجيع الابتكار وتسهيل إجراءات التصديق والتراخيص، وتأهيل الكوادر البشرية المحلية وتدريبهم على مهارات التصميم والبرمجة ذات الصلة.
لا زالت الطباعة الثلاثية الأبعاد في العديد من البلدان وليس لبنان فقط، متفاوتة لجهة السياق القانوني، ونحن حتمًا نحتاج إلى تطوير تشريعات تنظم استخدام وتطبيق هذه النوع من التكنولوجيا المتقدمة، وتوفير إطار قانوني مناسب يحفّز على التحول الرقمي والاستخدام الايجابي للذكاء الاصطناعي ويحمي مصالح وحقوق المواطنين.