Beirut weather 14.41 ° C
تاريخ النشر February 17, 2024
A A A
المرتضى: طرابلس ما زالت إلى اليوم تحتفظ بأصالة القيم

عقد لقاء في مسرح الصفدي طرابلس، ضمن فعاليات طرابلس عاصمة الثقافة العربية 2024، برعاية وزير الثقافة في حكومة تصريف الاعمال القاضي محمد وسام المرتضى
وتحت عنوان “مدينة التحولات حداثة طرابلس والحقبة الذهبية 1945 -1975” ، بدعوة من الجمعية اللبنانية للعمران البلدي. حضره الى المرتضى النائب ايهاب مطر ممثلا بالدكتور موسى العش، الوزير السابق سمير الجسر، النائب السابق مصباح الأحدب، رئيس بلدية طرابلس د.رياض يمق، نقيب المهندسين في الشمال بهاء حرب، الرئيس التنفيذي لجمعية “عمران” طه ميقاتي وحشد من المهتمين.

استهل اللقاء بالنشيد الوطني، ثم كانت كلمة تعريفية للدكتور محمود درنيقة، فكلمة جمعية “عمران” القاها رئيس مجلس امنائها الشيخ محمد مطرجي، متحدثاً عن قصة الجمعية: وقال: “مدينتنا ضاربةُ الجذور بمجدها وعراقتها عبر الزمن، بل عبر الأزمنة ، فطرابلسُ الشامِ التي بشر ببركتها نبي لا ينطق عن الهوى، ووصى أهلها بالصلاح ومحاربة الفساد فيها، وكما كانت الشام مهدَ الرسالات السماوية، كذلك كانت ملتقى الحضارات، وأرضَ التعايش ، واحترامِ المعتقدات، وكان لطرابلسَ حصةٌ وازنة من تاريخ الشامِ وتفاعُلِه السياسيِ والاقتصاديِ والعمراني، فكنا مركزاً في محيطنا ومقصداً في عالمنا” .

أضاف: “ونحن أبناءَ طرابلسَ الشامِ، أكلنا من خير مدينتنا ونشأنا في حاضرها وارتوينا من ماضيها وصمدنا أمام تحدياتها، وآن أوانُنا لنشمرَ عن سواعدنا ونخوض معاركنا أمام الفسادِ والإهمال والجهل والتردي الذي سكن أحياءنا وأتلف مؤسساتنا وأفقر مقدراتنا” .

وتابع: “إن الكثير من شبابنا حققوا النجاح على الصعيد الفرديِ علمياً واقتصاديا وإداريا، ولكننا اليومَ نحن بأمسِ الحاجة إلى نجاحٍ جماعيٍ أسِسَ على التقوى والإخلاصِ لمصلحة المجتمع، فبثقافة العملِ المؤسساتي القائمِ على علوم الإدارة الرشيدةِ وروحِ الفريق المتعاون، الذي يبني البنيان الواحد المرصوص، اجتمعت إرادة عمران”.

وختم مطرجي: “واخترنا التطوير العمرانيَ موضوعا لرسالتنا، بما يضمه من بعد استراتيجي وتنظيمي لمرافقِ المدينة، ويحقق احترامَ حقِ المواطن الطرابلسي في العيش في مدينة مستقرة في خدماتها وتنظيمها ومرافقها”.

وزير الثقافة

والقى المرتضى كلمة قال فيها: “طرابلس حكايةُ الإنسان والزمان”، عبارةٌ سيكررُها لبنانُ والعالمُ العربيُّ هذا العام، عند التأمل في الشعار المرفوع عنوانًا للفعالية الثقافية الطرابلسية، الذي يضم رموزًا عن أبرز المعالم العمرانية في الفيحاء، بصورةٍ تجسدُ تعاقب الحضارات على المدينة، وما تركت فيها من آثارٍ باقيات، تحكي قصتَها مع الإنسان والزمان. والحضارةُ أيها الأحباء، عادةً ما تقولُ نفسَها بلسانَينِ ناطقٍ وصامت. أما اللسانُ الناطقُ فهو الفنون على أنواعِها، وأما الصامتُ فهو الحجر الذي يمنحُ العصرَ الذي يكون فيه هويةً ثقافيةً متميزةً عن العصور السابقة أو اللاحقة. فالعِمارةُ هندسةٌ وابتكارٌ وفنٌّ بلا شك، لكنها أيضًا، وقبل كلِّ شيء، وثيقةُ سَفَر الزمانِ في المكان”.

أضاف: “طرابلس، تسافرُ بين بحرِها وبرِّها أزمنةٌ كثيرة. منذ عهدِها الفينيقيِّ الأول المعروف في التاريخ حتى يومِها الحاضر، بكلِّ رجائِه وعثَراتِه. ولها في كلِّ زاويةٍ من زواياها ذاكرةٌ عمرانيةٌ تروي قصةَ حضارةٍ نزلت في أرجائها، فابتنَتْ لها أزِقَّةً وأسواقًا وقلاعًا، ومعابدَ وتَكايا ودُورًا، فإذا كلُّ حَجَرٍ لسانٌ يُنبئُ وصوتٌ يخبّر. ولعلَّ أكرمَ ما حباه الله تعالى للفيحاء، أن معالمها التاريخية لم تخْلُ من الحياةِ مرةً، فقد ظلت مأهولةً، يترددُ الناسُ بين أنحائها القديمةِ والحديثة بلا انقطاع، منذ أن بُنِيَت إلى اليوم. يُضافُ إلى ذلك أن هذه المدينة بسبب تراكم الحضارات المتعاقبة عليها، عرفَتْ نعمةَ التنوع وجسّدَتْه على مرِّ العصور، فكان تأثيرُها الاجتماعي الإنسانيُّ عظيمًا، إذ راحت تصهرُ في مصهرِ العيشِ الواحد ناسًا من مشاربَ ومناطقَ شتى، قَدِموا إليها واستقرُّوا فيها، وصاروا خلاصةً اجتماعيةً تحقق المفهوم الحضاريَّ للمدينةِ كمتَّحَدٍ بشريّ، حتى إن كثيرًا من إفْرَنْجِ الحملات الصليبية، اندمجوا فيها وباتوا جزءًا أصيلًا من مجتمعِها. والكلام نفسُه يَسْري على أهل الجوارَينِ البعيدِ والقريب، الذين جاؤوا إليها وصاروا منها ولها. إنها جاذبية الأرضِ التي كانت منذ نشأتِها ملتقًى وفضاءَ حوار”.

وتابع: “بهذه المعاني الفيحاء كبساتين طرابلس، نجتمعُ اليومَ لنشهدَ عرضًا تاريخيًّا عن العمران فيها، منذ عشية الاستقلال حتى مطالع الحرب المشؤومة. إنّها الحِقْبةُ الذهبيةُ كما يقولُ عنوانُ المؤتمر. لكن، هل طرابلس، حتى في عزِّ فقرِها وانعدامِ تنميتِها، إلا ذهبا خالصا؟ أليست المدينةَ التي ما زالت إلى اليوم تحتفظ بأصالة القيم، وتعبر عن معنى العيش الواحد؟ وهاتان الركيزتان الأساسيتان لبناء الوطن: العيش الواحد والقيم، كما ردَّدْتُ في مجالسَ كثيرة، هما السببُ المباشِرُ الذي حملَ وزير الثقافة على الانتقال إلى طرابلس في دوام أسبوعي، ذلك أنَّ كلَّ معاني الوجود الوطني تتجسّد في طبيعة المدينة وطبائع ناسِها، وهي بهذا المعنى عاصمةٌ أولى لا ثانية للبنان. فمن هنا، بالعيش الواحد والقيم العليا نقاوم. من هنا، بالعيش والقيم نصون الوطن من أعدائه، ونحفظ عمرانه، تراثًا مستمرًّا مدى الآتي، من الهمجية التي أفلتت من عقال الإنسانية في غزة وجنوب لبنان، تلك التي تسعى لتعيثَ خرابًا في الأرض، إيمانًا منها بأنه لا رسوخ لها في منطقتنا قبل أن تقضي على لبنان النموذج النقيض لها، وايماناً منها ايضاً ان الدمارَ يعجِّلُ في تسليطِها على شعوبِ العالم كافةً” .

وأردف المرتضى: “طرابلس تواجه اليوم الحرمان والإهمال الرسمي بالحراك الثقافي الذي سوف يؤتي أوكْلَه بتضافر جهود ابنائها، ومنهم الأخ والصديق العزيز الدكتور وسيم الناغي، وهي بتمسّكها بالعيش الواحد والقيم الوطنية والإيمانية الجامعة وتاريخِها الذهبي البهيِّ تؤسّس لمستقبلٍ ماسيِّ الواقع والتطلّعات، يضيءُ على الوطن كلّه.
بارك الله في طرابلس وازال عنّها الغمّة لتحيا على الدوام ابيّةً بهيّة “.

واختتم اللقاء بمحاضرة للمعمار وسيم ناغي، قدم فيها عرضا تاريخيا لتطور طرابلس منذ دخولها مطلع القرن العشرين حتى الحرب الأهلية ١٩٧٥ بكل التحولات التي مرت بها، الإجتماعية العمرانية، نمط الحياة، الخدمات والبنى التحتية، التي كانت تتمتع بها المباني في طرابلس، والتي هي الرافعة الإقتصادية والإنمائية، إن عبر القطاع الخاص والمؤسسات العامة ، وقال: “طرابلس كانت في مكان آخر قبل الحرب الأهلية، وصارت تفقد ادوارها تدريجياً في السبعينات والثمانينات حتى وصلت الأمور الى مستوى من التدهور لم يعد محتملاً”.

وتابع ناغي: “يجب علينا للتخطيط للمرحلة القادمة، لا بد من تحليل الماضي وتشريحه والإستفادة من العبر والدروس ، ومعروف الدور المستقبلي للمدينة بكل ما تختزنه، مؤكدا “دور طرابلس الكبير في السياحة الثقافية وبدورها في اهمية رفع مستوى الأداء البلدي لرفع كفاءة البنى التحتية بالحد الأدنى وتحضيرها، لتكون مدينة مفتوحة للسياحة والنشاطات الثقافية والفنية والتجارة ايضا”.

وفي ختام كلمته تطرق المهندس ناغي لمعرض رشيد كرامي الدولي ودور مؤسسة تراث، في مسيرة انمائه عبر التحديثات للقوانين وهي قانون خاص للمعرض الذي اعده الوزير السابق سمير الجسر وتصنيف المعرض كتراث عالمي في سنة ٢٠٢٣.

وأعلن المهندس ناغي في ختام كلمته عن ثلاث مبادرات الأولى : اصدار اول دليل تعريفي لزيارة معرض رشيد كرامي الدولي، كتعاون بين جمعية عمران ومؤسسة واطلاق فكرة بناء نصب لتخليد ذكرى، داخل المعرض بتمويل من سفارة البرازيل والتحضير لإطلاق مشروع ترميم وتأهيل المسرح التجريبي المغلق داخل المعرض.

هذا وقد اختتم النشاط بجولة تعريفية داخل معرض رشيد كرامي الدولي.