Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر June 29, 2021
A A A
نمط حياة جديد على اللّبنانيّ التأقلم معه!
الكاتب: باميلا كشكوريان السمراني - الديار

عندما يخنق القدر كلّ أمل لديك، ويكسر كلّ مجاديف النجاة لتغرق في بحر الضياع، تأكّد أنّك لبنانيّ تعيش في لبنان..!

بات اللّبنانيّ غارقا بين أمواج الأزمات اللّبنانية، مُحاولاً الإلتحاق بقوارب الأمل، إلاّ أنّهم وللأسف عكس التيّار، حتّى صار المواطن الّذي كانت تليق به الحياة يتهاوى الى الوراء دون أن يسنده شيء أو أحد، وكأنّ الأمر مُخطّط له، وكأنّ لبنان مريض يُحتضر بات يُحضّر تفاصيل جنازته وطريق مثواه الأخير بنفسه.

اختلفت الحياة ونمط العيش في لبنان، فعوض التوجّه نحو التقدّم، عُدنا الى الخلف وسبقتنا البلدان النّائية التي نجحت بالمحافظة على كرامة شعبها ونمط حياته وحسناً فعلت.

في لبنان، بات على الشعب التأقلم من جديد مع كلّ ما تبدّل وتغيّر، فبعد الإنهيار الإقتصادي والإرتفاع الجنوني بأسعار السلع الإستهلاكية بسبب خسارة اللّيرة اللّبنانية من قيمتها مقابل الدولار، لم يعُد باستطاعة المواطن أن يستهلك المواد نفسها، كما وأنّ المصانع عمدت لإنتاج مواد مشابهة بديلة مُصنّعة محليّاً.

فلندخل سويّاً بمخيلتنا «السوبرماكت» ولنقم معاً بجولة بين الرفوف، إذ بنا نجد أصنافاً عديدة وليدة الأزمة الحالية في خانة الصناعة المحلّية تتدنّى أسعارها عن أسعار باقي السلع المستوردة، لنأخذ على سبيل المثال أنواع الجبنة المعلّبة، حيث يُسجّل سعر العلبة الصغيرة التي تحتوي على ثمانية قطع 12.500 ليرة لبنانية، في حين أنّ نظيرتها المصنّعة لبنانياً تُباع بـ 3.500 ليرة لبنانية، والأمر عينه بالنسبة لأدوات التنظيف التي تضاعفت مرّات عدّة أسعارها وتعدّى سعرها 20.000 الف ليرة للعبوة الواحدة، فيما سعر الأصناف الجديدة لا يتعدّى 12.000 ليرة لبنانية، والحالة نفسها لمنتوجات الشعر والمعلّبات وأصناف التحلية من شوكولا وغيرها الكثير…

أمّا رفاهياً، فلم يعد باستطاعة اللّبناني القيام بنفس عدد النشاطات التي كان يقوم بها، فعلى سبيل المثال لا الحصر، من كان يرتاد المقاهي بمعدّل ثلاثة أيّام في الأسبوع، قلّص زياراته لمرّة واحدة أو أقلّ ربّما، لأن تكلفة الزيارة الواحدة أصبحت تُساوي قيمة الدفعات الثلاث التي كان يتكبّدها سابقاً، وغيرها الكثير من المتغيّرات التي شعر بها اللّبنانيّ فجأة، إنّما ليست وليدة لحظتها، هي وليدة تراكمات، كجبل تناثرت حجارته ببطء على مدى أعوام وهبط فجأة وانهار..

 

 

اقتراب لبنان من بلوغ عدد المليون عاطل عن العمل!

وللغوص أكثر في تفاصيل الوضع الإجتماعي والإقتصادي الراهن، وتأثيرة على يوميات الشّعب اللّبناني، شرحت المساعدة الإجتماعية جويا حتّي لـ «الديار» الوضع قائلة: «نشعر اليوم أنّ الشّعب اللّبنانيّ بأسره مُخدّر، لم يستوعب بعد التبدّلات التي طرأت على نمط ومستوى معيشته لأنّه اعتاد على تأمين كلّ حاجيّاته لو «بالقلّة»، فلم يكن الوضع الإقتصادي يوماً جيّداً في لبنان، إلاّ أننا كشعب كُنّا نجد ما احتجنا له بحسب إمكانياتنا المادّية، اليوم الوضع مُختلف فالإمكانيّات الماديّة الضئيلة والمحدودة تترافق مع شحّ في وجود المواد الأوّلية والمستلزمات الضرورية كبعض السلع والبنزين والأدوية وغيرها.. وإن وُجدت لكان سعرها خيالي يفوق القدرة الشرائية للفرد، فمن هنا، آلية العمل تجري على أساس برمجة نمط المعيشة مع الوضع الراهن، وحثّ الشعب على تقبّله ومحاولة التعايش معه، لأنّه لا حلّ في التغيير وليس باستطاعة المواطن أن يقوم بالتغيير، فهو ليس صانع القرار، إنّما هو موظّف في وطن يلقى أوامر التنفيذ الفُجائية نتيجة ممارسات حُكّامه. فعملياً ليس الأمر «شدّة وتزول» بين ليلة وضُحاها، فمثلما تمّ التحضير لتدمير البلاد على مدى سنين، هكذا أيضاً سيكون الترميم وإعادة الإعمار فالقضية بحاجة للوقت».

أضافت: «على المواطن التأقلم مع فكرة أنّه لم يعد باستطاعته أن يعيش كما في السابق، فالأوضاع المعيشية تبدّلت كثيراً، وعلينا التعايش مع الواقع الجديد المرير، لأنّه لا حول ولا قوّة، بانتظار مؤشرات إيجابية على السلطات النّافذة أن تسعى من أجلها».

في الأرقام، تُشير الإحصاءات الى اقتراب لبنان من بلوغ عدد المليون عاطل عن العمل قريباً مع نهاية العام 2021 خاصّة مع التراجع المستمرّ في قيمة اللّيرة اللّبنانية ومتابعة الدولار تحليقه في السوق السوداء، ممّا يؤدي الى إقفال أعداداً كبيرة من المؤسسات، فإمّا أن يُسجّل موظوفوها في خانة البطالة وإمّا أن يلجأوا للخارج بحثاً عن قارب النجاة.

 

 

كيف تبدّلت حياة المواطنين؟

سألت الديار «عماد»، وهو ربّ أسرة مؤلّفة من ولدين عن الإختلاف الّذي طرأ على نمط معيشته فقال: «أنا موظّف في أحد الشركات منذ أكثر من 22 عاماً، أتقاضى راتباً كان مقبولاً سابقاً، فبثلاثة ملايين ليرة كُنت أدفع رسوم فواتير المنزل من كهرباء والمستلزمات كافة إضافة، الى تقسيط دفعات الشهرية للمدرسة، وبما تبقّى كُنّا نقوم ببعض النشاطات مرّة كُلّ أسبوعين… أمّا اليوم فلا زلتُ أتقاضى الراتب ذاته، إنمّا لا يكفيني لدفع المستوجبات المنزلية ، خاصّة أننا عدلنا عن شراء قسم كبير من الأغراض التي وضعناها في خانة غير اللاّزمة والضرورية ومن الممكن الإستغناء عنها مثلاً كالطبخ باللّحوم الّذي حددّناه مرّة كُلّ فترة و نقوم باستبدال المنتوجات التي اعتدنا على شرائها بأخرى أرخص منها،لنعيش ونستمر، علّنا ننجح في تأمين ما هو ضروري جدّاً!

تلألأت إذاً أمواج لبنان، وتلألأت معها حياة المواطن بأكمله، حتّى بات يبحث عن شاطىء جديد يفترشه، علّه يؤمّن له فَيء أشعّة غلاء المعيشة الصّعبة، لتصح المقولة: علّنا نصل الى شاطىء وبرّ الأمان والخلاص.