Beirut weather 21.41 ° C
تاريخ النشر February 4, 2021
A A A
موازنة 2021: ما لها وما عليها
الكاتب: سابين عويس - النهار

اذا كانت مكامن القوة (اذا جاز التعبير) لمشروع قانون موازنة السنة الجارية ايلاء معديه الاولوية للشأن الاجتماعي بهدف مساعدة الاسر على مواجهة الضائقة الاقتصادية والمالية وتحمل أضرار انفجار الرابع من آب الماضي، وخلو المشروع من اي ضرائب باستثناء تلك التي تطال المصارف وكبار المودعين، فضلاً عن دعم مؤسسات القطاع الخاص، بحيث تفادت وزارة المال التعامل مع المشروع على انه موازنة محاسبية تصدر عن حكومة مستقيلة، فإن مكامن الضعف لا تقل اهمية، وهي ليست قليلة، بعدما آثرت الوزارة عدم مقاربة التحديات الاساسية التي تواجه البلاد نتيجة عام “كارثي”، كما تصفه الفذلكة، عانى فيه لبنان “حالة صعبة غير مسبوقة في تاريخه نتيجة تراكم الازمات تباعاً عليه من جائحة كورونا الى الانكماش الاقتصادي الى تضرر القطاعات الاقتصادية، الى تعليق سداد الديون السيادية الى انفجارالمرفأ الى ازمة سياسية الى زيادة معدلات الفقر والبطالة، فضلاً عن انهيار سعر صرف الليرة وشلل القطاع المصرفي وانعدام الاصلاحات الضرورية”.

لا تغفل الوزارة تعداد التحديات الاساسية الكامنة في رأيها في عشرة نقاط: اعادة الثقة، تحقيق نسبة مقبولة من النمو، اصلاح المالية العامة، اعادة هيكلة الدين العام الداخلي والخارجي، اعادة هيكلة شاملة للقطاع المصرفي، الحماية الاجتماعية، تحديد قيمة الخسائر المالية على الاقتصاد ومؤسساته، مكافحة الفساد، اعادة إعمار مرفأ بيروت والمناطق المحيطة المتضررة، لجم التضخم. وترى ان تحقيق ذلك يحتاج الى الدعم الخارجي للدول المانحة، والدخول في برنامج مع صندوق النقد الدولي.

ولكن تعداد التحديات شيء ووضع تصور او رؤية او استراتيجية لمواجهتها شيء آخر، لم يقدمه مشروع القانون. فلا معالجة حقيقية للازمة او لتحدياتها ان على صعيد المديونية والمالية العامة والعجز المالي، او على صعيد اعادة هيكلة القطاع المالي، او القطاع العام، او على صعيد ارساء اجراءات ضريبية في ظل الانكماش.

تدرك وزارة المال ان هذه التحديات في صلب مطالب صندوق النقد، ولكن هل يمكن حكومة مستقيلة ان تضع خطاً لا يمكنها الالتزام بها؟ سؤال يطرحه وزير المال نفسه الذي يعترف بأن كل ما يتصل باعادة هيكلة الدين العام تُرك غامضاً ولم تتم مقاربته، بل ذهب المشروع الى الجانب الاجتماعي والتكفيري للاقتصاد ومؤسسات القطاع الخاص ولا سيما الصغيرة والمتوسطة، والاستناد في الانفاق الاستثماري على أموال مؤتمر “سيدر” رغم علم الوزارة انها غير مضمونة.
ولكن هل يكفي ان تركز الحكومة في سياستها على الشأنين الاقتصادي والاقتصادي وتهمل الامور الملحة المتصلة باعادة هيكلة الدين السيادي بعدما قررت حكومة حسان دياب التخلف عن الدفع وابقت الدائنين في حالة انتظار وترقب مضى عليها 11 شهراً من دون تحديد مصير اموالهم او مسار المفاوضات التي كُلفت شركة لازارد القيام بها، ولا تزال معلقة.

مأخذ آخر سُجل على وزارة المال في تقديراتها التي وُضعت على اساس سعر الصرف الرسمي المحدد بـ1515 ليرة. على هذه المسألة ترد الوزارة بالقول انه لا يمكن وضع مشروع قانون محول من الحكومة وفق سعر غير السعر المعتمد من هذه الحكومة. فقرار تثبيت سعر الصرف عند هذا المستوى هو قرار حكومي، وعلى الحكومة ان تحترم قراراتها وتلتزم بها. وتضع الوزارة الانتقادات في هذا المجال في سياق الكلام الاستهلاكي غير المستند على الواقع والقوانين. فضلاً عن ان اي رفع لسعر التثبيت اليوم الى سعر المنصة مثلاً اي 3900 ليرة سيؤدي حكماً الى ارتفاع الأسعار بنِسَب تتراوح بين 20 و30 في المئة، كما ان مثل هكذا قرار سيدفع حكماً الى زيادة مستوى الرواتب والاجور، اي انه سيترتب على الدولة وضع رزمة متكاملة من القرارات والاجراءات المواكبة لامتصاص مفاعيل السعر الجديد.

من مكامن الضعف الاخرى في الموازنة افتقارها الى الإيرادات الكفيلة بتغطية الحاجات التمويلية للدولة وزيادة الانفاق الاستثماري مع المحافظة على نسبة عجز مقبولة، علما ان بقاء نسبة العجز المقدرة في مشروع 2021 ضمن مستوى 6138 مليار ليرة مقارنة مع5500 مليار ليرة محققة في العام 2020 و8758 ملياراً في 2019، تعود الى ان الحكومة تخلفت عن سداد خدمة الدين التي كانت تشكل العبء الأكبر على الموازنة ما يعني عملياً ان نسبة العجز المقدرة لا تعكس واقع الموازنة طالما لم يتبلور بعد مصير الدين السيادي وإعادة هيكلته. علماً ان مشروع القانون يشير الى ان هذا الامر يحب ان يكون من اولويات الحكومة المقبلة ويهدف الى خفض الدين العام الى الناتج في شكل تدريجي الى مستويات مستدامة تقل عن 100 في المئة، في حين ان الحكومة الحالية لم تنجح في تحقيق هذا الهدف، اذ بلغت هذه النسبة في العام 2020، وفق تقديرات صندوق النقد 177 في المئة.

اما الانفاق، فكما فعل وزير المال خلال 2020 لجهة شد أحزمة الانفاق في شكل كبير جداً، التزم مشروعه هذا القرار، بحيث خفض اعتماداتها قوانين البرامج الى الصفر تقريباً كما خفض اعتمادات كهرباء لبنان. وقد جاءت ارقام الانفاق مماثلة لموازنة 2020 ( 18258 مقارنة مع 18231)، رغم الزيادات البالغة نحو 400 مليارا في الموازنات الملحقة التي كان يفترض ان تظهر ارتفاعاً في الانفاق، ولكن عدم ظهور ذلك يعود الى عدم لحظ الفوائد على سندات الخزينة المستحقة بالعملة الاجنبية، فضلا عن اعادة تصحيح الخلل الحاصل في المعاشات التقاعدية وتعويضات نهاية الخدمة. وقد تدارك المشروع عدم ثبات سعر صرف الدولار وتداعياته على الانفاق العام المرتبط بهذه العملة، كما ارتفاع الأسعار، فرفع احتياطي الموازنة بحوالي217 مليار ليرة وتخصيص 2.14 ملياري للاكتتابات والزيادة المتوقعة في رآسمال مصارف دولية.