Beirut weather 19.1 ° C
تاريخ النشر April 16, 2016
A A A
مكان تفريخ عناصر الإرهاب معتقل بوكا في جنوب العراق
الكاتب: موقع D W

معتقل بوكا كان في السابق أكبر سجن أميركي في العراق، وهو يعد مكان تفريخ عناصر تنظيم “داعش” الإرهابي. واليوم يتمركز الجيش العراقي هناك وتنتشر في أرضه أشجار الزيتون والبرتقال.
*

الطريق إلى بوكا رملية ولا يبعد الموقع سوى 94 كيلومترا عن البصرة ثاني أكبر مدن العراق. لكن لا وجود لإشارة مرور تدل على أكبر معتقل سابق في العراق. أثناء السفر إلى هناك تظهر فجأة في الأفق وسط الصحراء حقول على جانب الطريق: إنها أشجار زيتون وبرتقال. وخلفها برج مراقبة وجدران إسمنتية وحاجز مراقبة. حارس يقول: “نعم هنا سجن بوكا”. وفي الوقت الذي شغلت فيه شركة للنقل اللوجيستي من البصرة البنايات المخصصة سابقا لإدارة الجيش الأميركي، تستخدم وحدة بحرية تابعة للجيش العراقي زنزانات السجن.
كل شيء ما زال على حاله كما تركه الأميركيون في نهاية 2009. لم يُهدم شيء كما ذُكر سابقا في وسائل الإعلام. وحتى بهو الاستراحة للسجناء ما زال موجودا وتقع خلفه الأكواخ التي كانت تحتضن حتى 200 معتقل. على بعد أمتار قليلة قبل البوابة الرئيسية يوجد جدار رُسم عليه العلم الأميركي وكُتب تحته بالإنجليزية والعربية: “هدية من الشعب الأميركي إلى الشعب العراقي”.

قائد داعش كان داخل بوكا
عندما كان مروان يقضي خدمته ضمن طاقم الصليب الأحمر الدولي طوال أربع سنوات في بوكا، كان يوجد فيه أكثر من 30.000 سجين. بعضهم قضى سنوات هناك وآخرون شهورا أو أسابيع. أما المدة التي قضاها قائد ما يسمى “الدولة الإسلامية” أبو بكر البغدادي في المعتقل فلا يمكن الكشف عنه بجزم. فهناك مصادر تدعي أنه مكث هناك فقط بعض الأشهر فيما يتحدث آخرون عن شهور. وقد يكون القائد الحالي لتنظيم داعش قد اعتقل مرات عديدة في بوكا. والمرة الأولى تعود لعام 2004 عندما أسس قدوته الأردني أبو مصعب الزرقاوي شبكة القاعدة الإرهابية في العراق وتم تدويل الإرهاب ضد الإدارة الأميركية. ومرة أخرى عقب الاعتداء على القبة الذهبية في السمراء عام 2006.

ومرجح أن يكون البغدادي قد خطط لذلك الهجوم انطلاقا من داخل السجن. فهذا الإرهابي البالغ من العمر 45 عاما ينحدر من السمراء. مروان من الصليب الأحمر الدولي الذي لا يريد ذكر اسمه بالكامل يقول، إن غالبية الاعتقالات تمت بين 2007 و 2008. الصليب الأحمر الدولي يلزم الصمت، والموظفون فيه يعملون متسترين. مروان كان مسؤولا عن زيارات السجناء واعتنى بالعائلات التي كانت تأتي من بعيد لتفقد سجنائها. الصليب الأحمر الدولي تفاوض مع المحتلين البريطانيين والأمريكان طوال سنتين ليحصل على ترخيص لدخول المعتقل في 2005. وكان مروان يسكن في إحدى البنايات التي تشغلها حاليا شركة النقل اللوجيستي.
*

جنود أميركيون يطوون العلم الأميركي

جنود أميركيون يطوون العلم الأميركي
*

في البداية كان هناك فقط سنة
“غالبية السجناء كانوا ينحدرون من مناطق سنية يسيطر عليها اليوم تنظيم داعش”: الرمادي والفلوجة ومحافظات صلاح الدين ونينوى وديالة، لأن المقاومة ضد المحتل الأميركي كانت بداية من أصل سني. يوميا كانت تحصل تفجيرات قنابل وسيارات ملغومة لقتل أميركيين وبريطانيين وجميع من يتعاون معهم. بوكا كان معتقل المنتفضين. وكانت هناك منافسة بين نزلائه حول من يقتل أكبر عدد من الناس. وحتى 2007 كان المعتقلون جميعهم تقريبا من السنة. وعندما تفجرت الحرب الأهلية التحق بهم سجناء من الشيعة ليقبع الجميع أمام الزنزانات من حيث يمكن مشاهدة السفن التي تغادر الميناء النفطي في أم قصر كأعضاء القيادة لتنظيم داعش الملتفة حول المنظر حاجي بكر المقتول في عام 2014 في سوريا وأعضاء ومتعاطفين مع إرهاب القاعدة وضباط مخابرات صدام حسين وصهره ووزير داخليته السابق وزعماء للمقاومة الشيعية والميليشيات الأخرى. داخل معتقل بوكا تم التخطيط ونشر الإيديولوجيات وعقد تحالفات. داخل المعتقل “وجب الفصل بين السنة والشيعة”، كما وصف عضو الصليب الأحمر الدولي مروان التوترات القائمة حتى داخل السجن بين السنة والشيعة. “وإلا عايشنا هنا داخل المعتقل حربا أهلية”.

مقبرة من الناجين
في شارع فرعي على جنبات شط العرب في البصرة يجلس سعد عبد الله الفضلاوي في مكتبه وهو قابض بمسبحة في يده. خلفه عُلق العلم العراقي والعلم الإيراني. أبو خالد كما يسميه زملاؤه أمضى سنتين داخل سجن بوكا، وهو الآن يبيع أسفارا إلى إيران. وخلال مهنته الثانوية هو يقاتل إلى جانب ميليشيا حزب الله الشيعي ضد “داعش” وأبي بكر البغدادي في الجبهة بالسمراء حيث اندلع النزاع قبل عشر سنوات بين السنة والشيعة. وهذا النزاع مشتعل الآن في كافة المنطقة، في العراق واليمن وسوريا والبحرين وشيئا ما في لبنان. ويصف هذا الشيعي المعتقل الأميركي بوكا وسط الصحراء بأنه “مقبرة من الناجين”.

*

جانب من معتقل بوكا
جانب من معتقل بوكا
*

ويقول الرجل البالغ من العمر 47 عاما عن اعتقاله من قبل جنود أميركيين وبريطانيين: “لقد جاؤوا في إحدى الليالي بالهليكوبتر وكسروا باب بيتي ووضعوا مسدسا في فمي وربطوا يدي في الحمام وأجبروني على القعود”. “لقد استهدفوني واتهموني بأني الرجل الذي يجمع الأموال لحزب الله، وكنت مجبرا على الإفشاء بمعلومات وخيانة زملاء والتوقيع على اعتراف”. وقال فضلاوي، إن الاستنطاق تم في بغداد ومن ثم حُول إلى بوكا حيث كان يقبع البغدادي وفريقه.

وعندما بدأ الأميركيون في الإعداد لانسحابهم من العراق بدؤوا يخلون ابتداء من ايلول 2009 تدريجيا معسكرات الاعتقال، وتم تحويل دفعات من السجناء من بوكا إلى بغداد. وتم تسليم 250 منهم فقط للحكومة العراقية كان بينهم وجهاء في نظام صدام حسين مثل وزير خارجيته طارق عزيز. وعاد سعد عبد الله الفضلاوي في البداية إلى عائلته في البصرة. وأبو بكر البغدادي أنشأ عاما بعدها ما يسمى بتنظيم “الدولة الإسلامية في العراق وسوريا”. هذا التنظيم الإرهابي يبسط اليوم سيطرته على أجزاء كبيرة في العراق، وحزب الله تحولت إلى ميليشيا ذات نفوذ. “داخل بوكا تحولوا إلى ما هم عليه اليوم”، يقول مروان من الصليب الأحمر الدولي.

مكان تفريخ عناصر الإرهاب معتقل بوكا في جنوب العراق