Beirut weather 21.41 ° C
تاريخ النشر November 9, 2016
A A A
طائفة الدولة لا دولة الطوائف
الكاتب: رؤوف شحوري - الأنوار

لا وجود للرجل الخارق سوبرمان إلاّ في المخيّلة، وفي العالم الافتراضي وفي الأفلام الأميركية. ومن المبالغة، بل من الظلم، مطالبة أي رجل دولة مسؤول بتحقيق انجازات خارقة، مهما بلغ من النزاهة والشفافية وصلابة الارادة وقوة الشخصية وصدق العزيمة على التطوير والتغيير والاصلاح واعادة التأسيس. وانبثاق عهد جديد في لبنان هو انعطافة مفصلية في تاريخ لبنان المعاصر اذا اقترنت بانجاز جوهري مركزي واحد يحدّ من طائفية النظام والمجتمع، والتي كانت دائما أمّ الفساد والمعطّلة لأي اصلاح وتغيير وتقدّم…

ويمكن إحداث اختراق في هذا الشأن من خلال التسلل عبر بنود الدستور ووثيقة الوفاق الوطني في الطائف. ولدى الرئيس ميشال عون من الشجاعة ما يتيح له الاقدام حيث تخاذل الآخرون، بتحضير الأجواء والتوقيت لتنفيذ بند في الدستور الذي أقسم على حمايته، وهو البند المتعلق بتشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، والعمل على ذلك حتى لو تطلب عهودا جديدة قادمة…

سيبقى النظام طائفيا في هذا العهد كما كان في السابق، ولكن في امكان هذا العهد الحدّ من حدّة النزعة الطائفية والمذهبية بما يطلقه من زخم لاتخاذ قرارات متبصّرة تعزز الثقة بالدولة لا سيما في القضاء والأمن والادارة الحكومية. وعندما يطمئن المواطن الى عدالة القضاء، وقدرة الأمن على حمايته، وعمل الادارة لخدمته دون ابتزازه، فستنشأ مع الوقت طائفة جديدة من مختلف الطوائف تؤمن بالدولة والمواطنة، وتمهّد لبزوغ فجر جديد في قادم الزمن الآتي للتخلص من الطائفية السياسية وغير السياسية. وتكون تلك مرحلة انتقالية بتأسيس طائفة الدولة لتحلّ بالتدرّج محلّ دولة الطوائف…

سياسة صفر مشاكل التي فشلت في تركيا فشلا ذريعا، يمكن أن تحقق نجاحا باهرا في لبنان. سبب الفشل في تركيا هو النزعة النيوعثمانية عند الطرف الذي تسلّق الى قمة هرم السلطة بالخداع والقمع. مثل هذا الاحتمال والخطر معدوم في لبنان. ويكفي اعتماد سياسة خارجية لبنانية منبثقة من الدستور بالتواصل والتعاون مع عمقه العربي، وفي موازاة سياسة اقليمية ودولية تقوم على مبدأ عدم الانخراط في المحاور، والتعاون الايجابي مع الجميع، على قاعدة عدم الاضرار بالآخر، بل تقاسم المصالح معه، حين يكون ذلك متاحا في الاقتصاد دون تضارب مع السياسة.

عندما ينجح لبنان باقامة علاقات مبنية على الثقة مع السعودية ودول الخليج والقاهرة وسائر العواصم العربية، وطهران وأنقرة، وموسكو وواشنطن، ولندن وباريس وبرلين وبكين وغيرها من عواصم العالم ولا سيما مع دول الانتشار اللبناني في العالم، عندها سيكون في موقع يتيح له القيام بدور تواصل ومصالحة مع المختلفين ومن تباعد بينهم الخلافات…
عندها فقط يمكن أن يعود لبنان ليوصف ب سويسرا الشرق!