Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر March 11, 2017
A A A
روائي بريطاني يفضح خفايا حرب لبنان 1860
الكاتب: مودي بيطار - الحياة

يستكشف دزمِند آستلي – كوبر في روايته الأولى «في زمن التوت» التغير الاجتماعي الذي واكب حوادث 1860 في لبنان وتلاها، وتزايد النفوذ الغربي فيه عبر وسيلة جديدة هي التعليم. تتابع الرواية الصادرة عن «ترنينغ بوينت»، بيروت، حياة ثلاث نساء: مريم الخاضعة، ليال العملية وروز المتمردة وسط أهوال الحرب ومآسيها التي شكّلت طقوس البلوغ للفتيان، وبداية عمل النساء وتعليمهن، وخسارة الحب أو وهمه. يعتمد آستلي- كوبر في روايته التاريخية السرد الزمني والوصف الكثيف لمرحلة تكرّرت مراراً في تاريخ لبنان حتى اليوم. تغطي الرواية الحقبة بين 1860 و1881 وتركّز على قرية عين اللوز الشوفية الخيالية التي يتعايش فيها المسيحيون والدروز، وإن كان الأخيرون «لا يشبهوننا ويكتفون بمخالطة بعضهم بعضاً» وفق الجدّة أم جورج. هذه المرأة التي تعيش مع أسرة ابنها، وتتمتع بحضور أقوى من حضور الزوجة، تبرز قوة اقتصادية وعاطفية تساهم في يسر الأسرة ونمو حفيدتها الكبرى مريم.

تبدأ «في زمن التوت» بوفاة الخال عبدالله الذي تتوقع العائلة من مريم الزواج بابنه فارس. في الرابعة عشرة، تعبد مريم والدها وتتمنى الزواج برجل مثله، لكنه هو أيضاً يعتبر فارس الذي تشمئز منه الابنة الزوج الطبيعي لها. تتأثر الفتاة بحكايات جدتها، ويهمّها رأيها، وترغب في التعلم حين يشاع أن امرأة «فرنجية» ستفتح مدرسة في القرية للجنسين. تعارض الجدّة تعلّم الفتيات لأن رجال القرية «حمير» ولن يتزوجوا فتاة قادرة على القراءة والكتابة. كل أهل عين اللوز كانوا أمّيين باستثناء الكاهن، ولئن عجزت مريم عن تحقيق حلمها عملت في ما بعد في معمل الحرير الذي كسبت فيه مادّياً من دون أن يساعدها ذلك على التحرر من سلطة المجتمع الذكوري.

ترافق المأساة الخاصة بوادر صدامات أهلية تمتدّ وتفرز السكان طائفياً. يُسمع إطلاق نار خلال جنازة عبدالله يتبيّن أنه اشتباك بين المسيحيين والدروز على جسر القاضي. يتحمّس جوزف، شقيق مريم الأكبر، للمشاركة في القتال، لكنها تقلق مع والدها الوفاقي جورج. كانت شاهدت فتىً درزياً يعمل مع والده في بستان، وأرقت وهي تفكر به. فاجأها وأزعجها في آن أنها ما زالت تتذكّر وجهه، وأقلقها تخيّلها ملمس شعره الأجعد إن مرّرت أصابعها فيه. التقته في الدرب بعد ذلك لدى عودتها بجرّة الماء من النبع، وفتنها حين حمل الجرّة بدقة حركاته التي اختلفت عن حركات شقيقيها الأخرقين. وافقت على رغم خوفها على مرافقته إلى العرزال الذي يبنيه، وشاركته ثمرة إكيدنيا. شعرت بحاجة ملحّة في بيتها إلى حنان والدها، ولم تحصل عليه كالعادة. أبهجها وجودها مع مهنّد، لكن آخر ما أرادته كان التحوّل منبوذة كالمرأة القذرة الثياب التي تزوجت درزياً فأقصاها أهل الطرفين مع زوجها وأولادهما. خلافاً لمريم التي تخشى تدهور العلاقة بين الطائفتين، ينضم مهنّد مع والده إلى جيش الشيخ خاطر في الهجوم على ضهر البيدر حيث يقاتل كل منهما بالمنجل. يصاب الفتى في المعركة الأولى في كتفه، فيعود به والده إلى عين اللوز. يربح الدروز المعركة، وحين تقصد مريم النبع، تجد البنات ينتظرن دورهن في صفّين، واحد للدرزيات والثاني للمسيحيات. تطمئن عليه من شقيقته فاطمة وتهجس به، لكنه حين يتذكّرها يجهل السبب الذي دفعه إلى دعوتها إلى العرزال.

يؤلف الدروز جيشاً من 5 آلاف رجل يزحف إلى زحلة بمساعدة الشيعة، الحلفاء الجدد الذين وقفوا دائماً مع المسيحيين ثم انقلبوا عليهم لعجرفتهم وظلم جابي الضرائب منهم الذين عملوا في خدمة شيوخ البقاع وباشوات دمشق. يترك جوزف بيته خلسة ويُفاجأ بانقسام المسيحيين حين يصل إلى ضهر البيدر. تطلب بقايا المهزومين هناك منه إقناع طانيوس شاهين، القائد الشعبي الذي يستطيع وحده جمع جيش يقاتل الدروز، بالانضمام إليهم. كان واضحاً، يقولون، أن الكسروانيين لن يتركوا منطقة النهب ليخاطروا بحياتهم في المعركة، لكنهم أملوا في أن يثير الفتى حسّ الكبرياء لدى شاهين. يفشل ويتجه إلى زحلة التي يهاجمها الدروز من الشمال بدلاً من الجنوب كما توقع مقاتلو المدينة. تُهزم زحلة وتُحرق، فتفقد الحرب وهجها لدى جوزف الذي يعود إلى قريته. تسترجع القرية الوفاق بين طرفيها بعد هزيمة المسيحيين، ويتعزّز الوئام حين ينقذ جوزف فاطمة من جنديين عثمانيين أرادا الاعتداء عليها.

%d8%b1%d9%88%d8%a7%d8%a6%d9%8a-%d8%a8%d8%b1%d9%8a%d8%b7%d8%a7%d9%86%d9%8a-%d9%8a%d9%81%d8%b6%d8%ad-%d8%ae%d9%81%d8%a7%d9%8a%d8%a7-%d8%ad%d8%b1%d8%a8-%d9%84%d8%a8%d9%86%d8%a7%d9%86-1860

آستلي – كوبر المتزوج من اللبنانية رندا يمّين يعرف لبنان جيداً، وينقل أحداث روايته بين الشوف، البقاع، الجنوب وبيروت. يلجأ الفلاحون المسيحيون بين جوار حاصبيا وبانياس إلى قصر الأمير سعدالدين شهاب في حاصبيا الذي كان سكرتيره نديم الريّس مسيحياً من معلولا، سورية. عمل في مكتب الحاكم العثماني أولاً، وفوجئ بخزانة سعدالدين شبه الفارغة لكساد تجارة الأقمشة في لبنان وسورية بعد سماح العثمانيين باستيرادها من بريطانيا وفرنسا. يخشى على أسرته الصغيرة بعد إصرار قائد الحامية العثماني الجديد عثمان بيه على تنفيس الاحتقان بتسليم المسيحيين سلاحهم الذي تردّد أن الدروز استولوا عليه خلال نقله. يلجأ نديم مع زوجته ليال وطفله إلى دار تاجر أقمشة سوري تتبعهم أسرة إليه. يطارد دروز حوران الأسرة ويعفون عنها حين يعرفون أنها يهودية، وفي مشهد عبثي خالص يقطع أحدهم رأس نديم أمام زوجته وطفله. هل كان نجا لو لم تلجأ الأسرة اليهودية إلى الدار في الوقت نفسه؟ يقتل المهاجمون اللاجئين المسيحيين والأمير سعدالدين وأولاده وأحفاده، وتهرب ليال عبر عين اللوز إلى بيروت. تؤويها أسرة مريم التي تُفتن برفعتها وعلمها وإتقانها الفرنسية، وفي العاصمة تتعرّف إلى مترجم لبناني في سفارة النمسا وتقبل الزواج به شرط أن يتبنى طفلها.

تُمضي مريم ثماني سنوات تفكر بمهنّد الذي جهلت إحساسه نحوها وتزوج أخيراً. تتعبها معارضتها والدها الذي أصرّ على فارس زوجاً لها، وحين ترى مهنّد مع زوجته وطفله تُشفى من عذاب حبها. تلك اللحظات معه في العرزال تحسّها الآن حلماً عذباً في ليلة صيف لا أكثر. تشعر في هزيمتها بثقل ينزاح عن كتفيها، لكنها لا تستطيع تحمّل لمسته الدبقة ورائحة فمه، وتتساءل ما الذي فعلته لتستحق مصيراً كهذا. يتواطأ والدها وشقيقها ضدها على رغم نفورهما من فارس، وحين تزورها صديقتها روز من معمل الحرير بعد ستة أعوام لا تتعرّف فوراً إلى المرأة المترهلة، الحزينة العينين.

يجعل الكاتب روز شخصية نسوية تسبق زمنها في مجتمع شديد المحافظة لا يقبل التمرد. بعد مقتل أسرتها في مجزرة دير القمر، تبني شخصية قوية، مستقلة، وتقرّر السفر إلى أميركا بعد سماعها عن لبنانيين قصدوها وأرسلوا المال إلى عائلاتهم. تجول وحدها في بيروت وتقبّل رجلاً غريباً في العلن، وتسمح لرجال بتقبيلها ومداعبتها. قد تكون، هي الأصغر سناً من مريم، وسيلة إنقاذها الوحيدة بوعدها أن تساعدها على اللحاق بها إلى أميركا، وتوحي أنها تفضّل البقاء بلا حب أو زواج على أن تتزوج خضوعاً للتوقعات.

درس آستلي- كوبر الأدبين العربي والفارسي في جامعة أكسفورد، وعمل صحافياً، وجال في لبنان وعرف تاريخه وعاداته. أبطال روايته مسيحيون، وفيها 116 كلمة عامية لبنانية في 312 صفحة، ما قد يزعج القارئ الناطق بالإنكليزية. في الصفحة 88 ينادي رجل رفيقه بـ «أبو ستيف»، لكن هل كان اللقب حقاً معروفاً يومها؟ مريم تدعو عنزتها المدلّلة «بابوش» وهذا مستغرَب أيضاً في لبنان أواسط القرن التاسع عشر.