نعود بالذاكرة إلى اجتماع تكتل “التغيير والاصلاح” نهار الثلثاء في 22 شباط 2011، خلال مشاورات تشكيل الحكومة في عهد الرئيس ميشال سليمان. يسأل رئيس الجمهورية ميشال عون (رئيس التكتل أنذاك): “أين الحق الذي يعطي رئيس الجمهورية حصة في الحكومة؟”، وأرفق سؤاله بدعوة من يريد الرد أن يبرز النص الدستوري للأمر. ما كان غير ممكن حصل، ووصل عون إلى قصر بعبدا وانقلب السحر على الساحر، وبات سؤال عون نفسه موجهاً إليه!
دستورياً الاجابة حاضرة منذ أعوام، “لا نص يعطي رئيس الجمهورية حصة وزارية” وهو ما يؤكده المحامي بول مرقص لـ”النهار” بالقول إن “الاستشارات التي يقوم بها الرئيس المكلف غير ملزمة، وتكمن العبرة في منحه الثقة في مجلس النواب تأييداً لحكومته، وبالتالي هو غير ملزم بأي مطالب سواء من الكتل النيابية أو المرجعيات السياسية. وفي الدستور ليس ثمة حصصا وزارية لأحد، لكن تقليداً أرساه اتفاق الدوحة في شكل غير رسمي، أعطى رئيس الجمهورية حصة وزارية”. قبل اتفاق الدوحة، سجلت سابقة لرئيس الجمهورية السابق إميل لحود بحصوله على حصة وزارية في حكومة العام 2000.
ويرى مرقص أن “لا طاقة لرئيس الحكومة المكلف تلبية كل المطالب النيابية وهو حر وسيد في هذه التشكيلة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية”. وتحدد شروط التأليف بـ”الاتفاق مع رئيس الجمهورية، استشارات غير ملزمة يستمع فيها الرئيس المكلف لرأي النواب، والشرط الأساسي نيل الحكومة الثقة”. ويؤكد أن “وصف وزارات بـ”السيادية” هجين ومسخ من الناحية الدستورية، كما أن تمثيل كل الكتل النيابية في الحكومة يحولها إلى مجلس نواب مصغر، أمر يعدم المساءلة والمراقبة ولا يكون القرار إلا بالتسويات إن لم نقل الصفقات”.
في نيسان عام 2011 أيضاً يشدد عون في دردشة مع الصحافيين بعد لقائه النائب فيصل كرامي على أن “مطالبة رئيس الجمهورية بوزراء وحقائب يتنافى مع النصوص الدستورية التي لم تأتِ على ذكر حصة له داخل الحكومات”. وبعدما تمثل عون بوزراء في حكومة العهد الأولى، يُستكمل مسار الخروج عن الطائف والدستور بالمطالبة بحصة وزارية للرئاسة الأولى!
وفي توضيح لاتفاق الدوحة، فإن النائب السابق أحمد فتفت الحاضر في جلسات الدوحة يؤكد أن “الاتفاق حينذاك أعطى رئيس الجمهورية حصة وزارية لأنه لم يكن له أي نائب وغير ممثل في المجلس ويحتاج وجوداً سياسياً ليمارس حداً ادنى من سلطته”، مشدداً على أن “اتفاق الدوحة كان موقتاً، وحصة رئاسة الجمهورية الوزارية أتت نتيجة غزوة بيروت في 7 أيار 2008 وانتهت مع مفاعيل المعركة الانتخابية عام 2009، والجميع اعتبر أن اتفاق الدوحة انتهى أنذاك، وعلينا العودة إلى أسس كرسها اتفاق الطائف، وهي لا تعطي أي حصة لرئيس الجمهورية في الحكومة لأن السلطة التنفيذية باتت مناطة بمجلس الوزراء مجتمعاً”.
ماذا لو حصل الرئيس على حصة وزارية؟ يجيب: “يدفعنا ذلك إلى المطالبة بحصة لرئيس الحكومة منفصلة عن حصة تياره، كما أن مظلومية تطال رئيس الحكومة لأن الحصة السنية ناقصة، فتاريخياً كان يُعتبر رئيس الحكومة منسقاً وليس وزيراً وتعطى الوزرات مساواة بين الطوائف من دون احتساب رئيس الحكومة لكن بعد الطائف بات يحتسب الرئيس من حصة السنة وبالتالي تخسر الطائفة وزيراً من حصتها”. ويذكر أن الرئيس نجيب ميقاتي نال حصة وزارية خلال تشكيله الحكومة في عام 2010، كذلك نال الرئيس الشهيد رفيق الحريري حصة في عام 1992 ولم تكن له كتلة نيابية أنذاك، والرئيس سليم الحص حاز حصة وزارية عام 1998. أما الرئيس سعد الحريري، فلم ينل أي حصة في حكوماته السابقة منفصلة عن حصة تياره.
وتأكيداً لما كرّسه الطائف، فإن القاضي عباس الحلبي العارف بتفاصيل الاتفاق، يرى أن “الحديث عن حصة لرئاسة االجمهورية هرطقة، واتفاق الطائف لم يذكر أيا من هذه الامور ولا يربط أيضا وزارة المال لطائفة معينة، بل جعل رئيس الجمهورية حكماً لا تأثير له داخل الحكومة ولا حصة وزارية كي لا يصبح فريقاً، وبالتالي اعطاء رئيس الجمهورية حصة أو تخصيص حقيبة معينة لطائفة ما هو خروج عن اتفاق الطائف”، ويقول: “نتفهم حصول الرئيس السابق ميشال سليمان على حصة وزارية لأن لا حيثية شعبية له، وأدخل الدوحة هذا المنطق ليكون وزراء الرئيس هم الوسطيون بعكس الرئيس الحالي الذي هو فريق، ولا افهم بعد انتخابات فيها لوائح للعهد وشعار الرئيس القوي في كل لبنان حصول الرئيس عون على حصص وزارية منفصلة عن تياره”.