Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر March 22, 2024
A A A
ثغرات في لقاء بكركي؟!
الكاتب: غسان ريفي - سفير الشمال

يجهد البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في العمل على ملء الفراغ الماروني الحاصل في البلاد، والذي يدأب على الإشارة اليه في كل عظاته بدءا من عدم انتخاب رئيس للجمهورية وتحميل “الجماعة السياسية” مسؤولية ذلك، وصولا الى ما يسميه “إقصاء المسيحيين وخصوصا الموارنة عن المراكز والمناصب في الدولة اللبنانية”.

ويقف الراعي حائرا بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية اللذين يختلفان على كل شيء، لكنه يسعى الى مراعاة كل من الطرفين في عظاته التي ترى مصادر مطلعة أنها “بدأت منذ فترة تشهد بعض التناقضات نظرا لعدم قدرة أي كان على أن يتحدث بلغة ترضيهما في الوقت نفسه”.

يدرك الراعي حجم الهوة السحيقة القائمة بين التيار، والقوات التي لم يعد خافيا على أحد أنها ترفض لقاء النائب جبران باسيل لكي لا يشكل هذا اللقاء رافعة له، وتعطل في الوقت نفسه أي لقاء جامع للمسيحيين لكي لا يستخدمه باسيل من أجل الخروج من العزلة التي أدخل نفسه فيها، لذلك فقد وضع رئيس القوات سمير جعجع قبل أيام شرطا للقاء باسيل وهو أن “يتحدث بوجوب تسليم سلاح المقاومة الى الدولة اللبنانية”.

واللافت أن الراعي عندما دعا النواب المسيحيين الى إجتماع عام للبحث في ملف الاستحقاق الرئاسي، عمل التيار والقوات كل بطريقته على إفشاله خوفا من إمكانية أن يصب هذا الاجتماع في مصلحة طرف دون آخر فيساعده في تحقيق طموحاته الرئاسية، ما دفع الراعي وحفاظا على هيبة بكركي الى دعوة النواب أنفسهم الى لقاء صلاة وتأمل إنتهت مفاعيله مع خروج النواب من الكنيسة.

اليوم عادت الأنظار لتتوجه الى بكركي مع إنعقاد اللقاء المسيحي على مستوى الممثلين من الكوادر للتيار والقوات والكتائب وحركة التجدد، وهو الاجتماع الثاني الذي احتضنته بكركي برئاسة البطريرك الراعي الذي لم يكن له ما يريد بجمع القيادات المسيحية من الصف الأول، فأراد ما يكون في إجتماع لممثليهم بهدف مناقشة جملة من العناوين السياسية.

وتشير المعلومات الى أن أساس إنطلاق هذه الاجتماعات كان من أجل دراسة أوضاع وحضور المسيحيين في إدارات الدولة وهو الملف الذي يتولاه الأب طوني خضرا، حيث عقد سلسلة إجتماعات بعيدة عن الاعلام ولم يصدر عنها أية بيانات.

كما يحرص البطريرك الراعي اليوم الى إبعاد إجتماعات ممثلي الاحزاب المسيحية عن الاعلام تجنبا لإثارة أية حساسيات ولعدم تحميلها أكثر مما تتحمل.

بات معلوما أن النقاشات التي تجري تتناول عدة عناوين أبرزها: التشديد على ضرورة إنتخاب رئيس للجمهورية، وإحترام قرارات الشرعية الدولية، وإعتماد الحياد لابعاد لبنان عن الصراعات الاقليمية، وإحترام الدستور، ودعم التحقيق في إنفجار المرفأ، وكذلك موضوع اللامركزية الادارية الموسعة، وذلك تمهيدا لإصدار وثيقة يأمل الراعي أن تكون وطنية يمكن طرحها على سائر الأفرقاء في البلد.

لقاء بكركي شابه الكثير من الثغرات، أولا أنه لا يشمل كل التيارات المسيحية، حيث كان لغياب تيار المردة الذي نأى بنفسه عن المشاركة فيه أثرا كبيرا، كما أنه لقاء مسيحي صرف لا يضم أي ممثل عن الاحزاب والتيارات من سائر الطوائف، فضلا عن أن التيارين الأبرز فيه يختلفان في الشكل وفي المضمون على كل الأمور وعلى الاستراتيجيات ومقاربة الملفات، وبالتالي فإن اللقاء وبحسب مصادر سياسية “محكوم بعدم الوصول الى أي نتيجة، خصوصا أن القوات والتيار منذ ٣٦ عاما وهما يخوضان حروبا بين بعضهما البعض، من حرب الإلغاء بالحديد والنار الى حرب الالغاء السياسي، الى هدنة تفاهم معراب الذي أفضى الى إنتخاب الرئيس ميشال عون وما لبثت أن سقطت بفعل الصراع على المصالح والمكاسب، الى التجاذبات والمناكفات وتسجيل النقاط وتصفية الحسابات وتبادل الاتهامات”، فماذا يمكن بحسب المصادر نفسها “أن يقدم التياران للمسيحيين بعد أكثر من ثلاثة عقود من الصراعات المتواصلة التي إنعكست سلبا على المجتمع المسيحي؟”.

إنطلاقا من كل ذلك، يبدو أن تيار المرده آثر عدم تلبية دعوة المطران أنطوان أبي نجم للمشاركة في اللقاء، ومن يقرأ تاريخ المرده يدرك أنه لا يتعاطى مع أي ملف إلا من بُعد وطني، وهو لم يسبق له أن كان ضمن تجمع طائفي أو مذهبي وقد دفع ثمنا باهظا بسبب مواقفه هذه، وبالتالي فهو من الطبيعي أن يعزف عن المشاركة في لقاء بكركي.

وربما لم يقتنع المرده بعنوان الوثيقة الوطنية، خصوصا أن ذلك يتطلب مشاركة الأطراف من الطوائف كلها، في حين أن صدور وثيقة عن تجمع مسيحي ومحاولة إسقاطها على سائر التيارات والاحزاب قد يؤدي بشكل أو بآخر الى إستفزاز البعض خصوصا في ظل هذه الظروف التي يتقدم فيها الخطاب الطائفي على ما عداه.

الى ذلك، لم يمر وقت طويل على إعلان رئيس تيار المرده أمام وفد نقابة المحررين، أن “التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية يختلفان على كل شيء ويتفقان ضدي”، الأمر الذي يجعل مقاطعة المرده للقاء بكركي يعكس إنسجام المرده مع نفسه، خصوصا أن التيار والقوات لم يقصر أي منهما في قطع الطريق على فرنجية تارة بتقاطع هجين، وتارة أخرى بكيل الاتهامات له، وطورا من خلال عناوين سيتنافس كل منهما في إلصاقها بالوثيقة المزمع إصدارها والتي من الطبيعي عندها أن تفتقد صفة الوطنية لمصلحة الوثيقة الفئوية.