Beirut weather 24.41 ° C
تاريخ النشر March 2, 2023
A A A
تداعيات رفع الدولار الجمركي.. التضخم يتعزّز وانهيار القدرة الشرائية
الكاتب: يوسف جابر - العهد

بدأت التداعيات السلبية لرفع سعر صرف الدولار الجمركي إلى 45 ألف ليرة تطال مختلف القطاعات الاقتصادية، في حين لم يكد يمضي شهر على بدء تطبيق احتساب الدولار الجمركي بقيمة 15 ألف ليرة مقابل كل دولار استيراد. تقلبات وتغيّرات شبه يومية في أسعار السلع على اختلافها من محروقات إلى مواد غذائية، يُضاف إليها سعر صرف الدولار الجمركي، في ظل انعدام معالجات جديّة للأزمة، أما المواطن فمتروكٌ لمواجهة مصير مجهول يحكمه الدولار.

وقبيل الخوض في التفاصيل، تجدر الإشارة إلى أنَّ موازنة 2022 أُقرّت قبل ثلاثة أشهر من نهاية السنة، وعلى هامشها اتفق على احتساب الدولار الجمركي بقيمة 15 ألف ليرة اعتبارًا من شباط 2023. وبُرّر ذلك يومها بأن التجّار سبق أن رفعوا أسعار سلعهم وسعّروها بالدولار وأنهم يسددون الرسوم والضرائب بالليرة على سعر صرف يبلغ 1507.5 ليرات وسطيًّا، ما يفوّت على الخزينة أكثر من 10 آلاف مليار ليرة سنويًّا، ويتيح للتجّار تحقيق مزيد من الأرباح. أما مع رفع السعر إلى 45 ألف ليرة فبُرر بذريعة “تأمين التمويل اللازم للعطاءات والزيادات التي أقرّت وستقرّ لاحقاً، فضلًا عن تأمين واردات إضافية بما يساهم في إعادة إحياء العمل في القطاع العام على الصعد كافة”.

وأكّد المدير العام السابق للمحاسبة في وزارة المالية الدكتور أمين صالح، لموقع “العهد” الإخباري، أنَّ ما نشهده من إفلاس وانهيار وفوضى هو نتيجة السياسات التي اعتمدتها السلطة السياسية المالية الحاكمة، مشيرًا إلى أنَّه ليس متفاجئًا بارتفاع سعر صرف الدولار، ولن يكون متفاجئًا بوصوله إلى مستويات أعلى بكثير لأن الدولة الحاكمة تتعمد خفض سعر العملة الوطنية بتحميل الناس الخسائر، وهذه الخسائر نتيجة الأموال المسروقة والمهدورة والمسطو عليها من قبل السلطة السياسية والمالية الحاكمة في هذا البلد.

واعتبر صالح أنَّ رفع سعر صرف الجمرك ما هو إلاّ بدعة، ومن المفروض أن يكون هناك سعر صرف موحّد للدولار وللعملات الأجنبية مقابل الليرة اللبنانية، يعلنه المصرف المركزي وتطلق وزارة المالية اعتماده”، ولفت إلى أنّه “في حالة الانهيار في البلد لا يجوز لا لرئيس حكومة ولا لحكومة ولا لوزير مالية ولا لحاكم المصرف أن يلجأ لاعتماد سعر صرف جمركي، مشيرًا إلى أنَّ الجمارك هي ضرائب وبالتالي أي زيادة في الضرائب تحتاج الحكومة لصلاحية استثنائية، وهو ما تفتقده هذه الحكومة، وبالتالي لا صلاحية لها للتشريع الجمركي وهي في حالة تصريف أعمال، حتى لو كانت مجتمعة.

وبيَّن أنَّ كل ما يُتخذ من قرارات مخالف للدستور والقانون وعلم الاقتصاد وعلم المالية وعلم النقد، وبالتالي فإن هذه “الطغمة” السياسية الحاكمة في البلد لا يهمها إلا محاولة تسيير أجهزة الدولة بمزيد من التضخم.

وعن ذريعة الحكومة لرفع سع صرف الدولار الجمركي، رأى صالح خلال حديثه لـ”العهد” أنَّ “هذه التبريرات لا محل لها في علم المنطق والقانون، وحينما زادوا رواتب الموظفين ثلاثة أضعاف حذرناهم من ذلك، وأكدنا لهم أن هذا سيؤدي إلى مزيد من التدهور في العملة الوطنية لأنكم ستضطرون إلى طباعة المزيد من الأوراق النقدية اللبنانية وستضخونها في السوق، وهذا ما يحصل الآن أيضًا، وهذا الأمر ليس منقطعًا عن سياق عام تقوم به الدولة العميقة في لبنان”.

وأضاف: “قبل الحديث عن الدولار الجمركي، حاكم البنك المركزي رياض سلامة قام بإعادة تقييم على أساس الـ15 ألف ليرة لموجوداته كلها، ما زاد من ميزانيته 529%، وهذا التضخم بحجم ميزانية البنك المركزي سيرافقه تضخم بحجم الكتلة النقدية لأنه زاد ودائع المصارف لديه بالعملة اللبنانية حوالي 780 % وبالتالي حين سيدفع للمصارف على أساس 15 ألف ليرة عن إيداعاتها بالعملة الأجنبية ستدفع بدورها لزبائنها على هذا الأساس، ما سيدخلنا في دوامة تذويب الودائع بالدولار وهو ما سيؤدي بدوره إلى زيادة الكتلة النقدية في السوق، وبالتالي سيزيد الطلب على الدولار والأسعار والضرائب والرسوم لينعكس ذلك انخفاضًا على ما تبقى من قدرة شرائية لدى المواطنين”.

وأكد أن التضخم الحاصل حاليًّا يضع اللبنانيين أمام نموذجين مجتمعين، نموذج زيمبابواي بالنسبة للفقر، ونموذج فنزويلا بالنسبة للتضخم، مرجحًا أننا “سنكون من الدول ذات معدلات التضخم الأعلى في العالم، ويمكننا لمس ذلك من خلال الأسعار الموجودة في الأسواق”.

وتابع: “أُجريت موازنة 2022 على أساس 15 ألف للدولار الجمركي وتم احتساب الإيرادات، وحينها حُدّدت الموازنة بـ47 ألف مليار ليرة. الآن هل تكفي هذه الأموال؟ بالتأكيد لا، ما يعني أن الحل ليس بزيادة الإيرادات، بل بمكافحة التضخم وبإعادة تثبيت سعر الصرف على نحو ثابت ومستقر ومعقول”.

صالح أضاف: “يكمن الحل أساسًا باسترجاع الأموال المنهوبة والمسروقة وإعادة الاموال المحوَّلة إلى الخارج حتى يستقر البلد، وبإعادة توزيع الخسائر اللاحقة بالدولة على كل من استفاد، وهذا ما سيعيد سعر الصرف إلى مستويات معقولة ومقبولة، وبالتالي إلى حل تدريجي يبدأ بخطى ثابتة وعلمية واقتصادية، ولكن لا يوجد معالجات جدية، وهذا ينم عن استهتار المسؤولين بحياة المواطنين في هذا البلد”.

وأشار إلى أنَّ “السياسة التي تتبعها الدولة في التعاطي مع الأزمة يدلّ على أنها بعيدة عن أي حل جدي، ولا تريد استرداد الأموال المنهوبة، لأن الموجودين في السلطة هم من نهبوها، وهم يستهزئون بالناس عندما يدعون أن الحل بزيادة الواردات. الحل يكمن فقط في إستعادة الأموال المسروقة وإرجاع سعرف الصرف إلى ما كان يجري الحديث عنه إبان حكومة حسان دياب في نيسان الـ2020 على 4297 ليرة، ويمكن ذلك عبر إزاحة هذه السلطة السياسية، ليحل محلها البديل الذي يضع قوانين تُعيد الأموال المحولة للخارج، الأمر الذي سيعيد حتمًا بين الـ9 والـ14 مليار دولار، وكل الأموال التي دُفعت خلافًا للقانون وللدستور على الدين العام وفوائده”.

وتابع: “أريد أن أسأل رئيس الحكومة ووزير المالية ومجلس الوزراء، الآن كم تجبون من أموال؟ لن تستطيعوا جباية أكثر من 500 مليون دولار، فلماذا لا تسترجعون الهندسات المالية المقدرة بـ5 مليار دولار ونصف؟”.

أما عن انعكاس رفع قيمة الدولار الجمركي على المواد الغذائية، قال صالح: “يوجد قسم من السلع والمواد معفى من الضرائب الجمركية والـ TVA كالمواد الغذائية واللحوم وغيرها، ولا يخضع للزيادات، ولكن برفع الدولار الجمركي تزيد تعرفة المحروقات وأجور النقل والتخزين والكهرباء والسيارات وغيرها، وحين يرتفع سعر عنصر من هذه العناصر ينعكس تلقائيًا على باقي العناصر المرتبطة به”.

وحول ارتداده على سعر صرف الدولار في السوق السوداء، قال صالح: “كلَّما زاد التضخم والكتلة النقدية ازداد الطلب على الدولار، وهم يتعمدون خفض سعر العملة الوطنية لتبرير زيادة الضرائب والرسوم. وقد رفعوا السعر الجمركي إلى 45 ألف لأنهم أوصلوا الدولار إلى الـ90 ألفًا”.

وفي الختام، اعتبر صالح “أن لا حل إلا بإجبار السلطة على جلب الأموال المنهوبة لأنه لم يعد ينفع معها الكلام، وطالما أن أحدًا لا يتحرك فستزداد الضرائب والرسوم والأسعار ويرتفع الدعم عن كل شيء حتى الدواء، وهذا ما سينعكس اجتماعيًّا على المواطنين، فهناك حوالي 200 ألف يهاجرون سنويًّا إلى الخارج ونسبة البطالة بين الخريجين 47 %، وهذا ناتج عن إفلاس المؤسسات بسبب الفوضى النقدية التي تعم البلد”.