Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر May 6, 2018
A A A
المخاض العسير
الكاتب: اللواء عصام أبو جمرة - الجمهورية

بعد انتهاء عهد الرئيس ميشال سليمان عاش لبنان مخاضاً عسيراً استمر سنتين ونصف من دون انتخاب رئيس للجمهورية بظل معارضة العماد عون التي حملت شعار “انا او لا احد”.

ووصل العماد إلى الرئاسة بتاريخ 30 10 2016 لكن دون ان ينتهي المخاض باعلانه أن: “العهد يبدأ بعد اجراء الانتخابات النيابية” بتاريخ 07 05 2018 !!! لا في اللحظة التي ينهى الرئيس فيها قسم اليمين في المجلس النيابي كما يفرض الدستور.

وجاءت اول حكومة للعهد الجديد حكومة وحدة وطنية تمثلت فيها كل الاحزاب وكانت المفاجأة فيها بتسمية وزير لمكافحة الفساد المتفشي في البلد، مع العلم ان المسؤول الاول عن مكافحة الفساد في كل وزارة هو وزير الوزارة بذاته وليس وزيرا آخر مهمته حصرا مراقبة علة الفساد وردعها. لذلك كان تعثر عمل هذا الوزير واصبح انتشار هذه الافة احراجا لوجوده.

ومرت سنتان تقريبا من العهد والازمات تتضاعف والديون تنمو وتتفاقم ومسلسل الفساد والهدر مستمر، حتى سمعنا عن لسان راس العهد ان لبنان مهدد بالافلاس،!!! كما كنا وما زلنا مهددين بقطع الكهرباء، اذا لم ترضخ المعارضة لصفقة البواخر الكهربائية التي أصر على عقدها وزير الطاقة بقيمة ملياري دولار ونيف، متجاوزا موجة الاعتراضات العارمة عليها، خاصة من هيئة الرقابة وادارة المناقصات التي رفضت الموافقة عليها وأعادتها عدة مرات الى مجلس الوزراء بسبب فقدانها الشروط المطلوب توفرها قانونا.

لم يتوقف البؤس اللبناني عند الكهرباء المقننة ومياه الشفة المقطوعة والبطالة المقنعة، بل اضافوا على قاموس ازماته، ازمة النفايات المنتشرة منذ عدة سنين في كل مكان قبل بداية العهد وما زالت في الشوارع منتشرة حتى تاريخه بطريقة مقرفة تطال صحة المواطن بسموم ميكروباتها التي تنبعث بالهواء و يتنشقه قاطنو لبنان وكأنهم يعدمون بالغاز السام ببطء.

وقد حذرت الدراسات الدولية بان معدل التلوث في لبنان فاق المعدلات، وهو المسبب الرئيسي للاصابة بمرض سرطان الروايا الذي ينتشر بسرعة مرعبة… وعلى من تقرع المزامير. وقبل ان يتم تنفيذ الانتخابات ونرى نتائجها اقدم بعض من في الحكومة على تمرير مخالفة عبر قانون الموازنة بتعديل للمادة 49 منه ، يسمح باعطاء الاقامة الدائمة في لبنان لمن يتملك فيه منزلا من الاجانب ما يؤدي حتما الى الخلل في المعادلة اللبنانية وتغيير لوجه لبنان الديمغرافي وكيانه .ماحمل بعض نواب للطعن بهذا التعديل امام المجلس الدستوري لالغائه لاحقا.

وجاء قانون الانتخابات بعد ثمان سنوات من الاخذ والرد في مجلس النواب بشوائبه المذهلة من خلال اعتماد النسبية وصوت تفضيلي في آن وتقسيم الاقضية على قياسات اصحاب النفوذ وتوزيع المرشحين فيها كما يناسبهم مذهبيا وحزبيا وسياسيا لتحصيل اكبر عدد منهم، غير مكترثين برغبات الشعب في التغيير وطموحاته بالاصلاح، تحت حجج واهية لم يكن القصد منها الا احتكار السلطة واحراج الشعب معا.

ونفذت خطوة اشراك اللبنانيين المهاجرين في الانتخابات النيابية اللبنانية من بلدان انتشارهم في العالم ، المطلب القديم الجامع الذي كان مطلوبا تنفيذه بعد ان اقرته حكومة عام 2009…التي كنت من عدادها . لكن اقتراع 45000 لبناني مغترب جاء قليلا بالنسبة لعدد المغتربين من حاملي الجنسية 5400000 … وقليل ايضا بالنسبة لعدد الذين اقدموا على تسجيل انفسهم ضمن المهلة المحددة… انه رقم ينم عن:

عدم ثقة او شك بتنفيذ هذه الخطوة بشكل قانوني سهل، فكيف اذا قارناه بعدد اللبنانيين المنتشرين في بلدان الاغتراب الذي يزيد على خمسة عشر مليونا.ً

لذلك تمنيت بأن لا يصبح تنفيذ هذه الانتخابات في الاغتراب كانتخابات 6 أيار في لبنان، حيث عمليات رشاوى الناخبين بالالاف بالجملة والمفرق وشراء المقاعد بالملايين دون وجل او خجل، وحيث اصبح الاعلام سوقا للدلالة والتعريف: ( انا فلان وانا …) اعلاما غالي الثمن دون رادع من قبل اية سلطة مسؤولة معنية في الدولة، فالنواطير نائمة والذئاب تسرح:

هيئة الاشراف على الانتخابات اكتفت بطمأنة اللبنانيين على أنها تسجل المخالفات لقانون الانتخاب ولا قدرة لها على وضع حد لمخالفات المرشحين من أهل السلطة!!!! ووزير يصل به الغرور الى استفزاز وزير آخر بشكل يثير الغرائز والنعرات الطائفية البغيضة الخطرة، !!! ورئيس يدعو المواطنين للتصويت بكثافة، متخطيا الفساد الانتخابي الذي بلغ الذروة… ولا تدابير تتخذ من قبل اي مسؤول من المعنيين بحق مرتكبيه لوقفه فورا قبل اجراء هذه الانتخابات !!!

لهذا كان السخط كبيرا”على قانون الانتخاب المعتمد الذي يكشف يوما بعد يوم عن سيئاته وعدم تلاؤم حيثياته ومفاهيمه مع واقع لبنان المناطقي :الطائفي والحزبي الفسيفسائي. فكم من فريق سياسي يتوافق مع آخر في دائرة ، ويختلف مع ذات الفريق في دوائر أخرى ، ما اثار السخرية والاشمئزاز وعدم الثقة حتى في صفوف الحزب الواحد. وهذا ما ينبىء ويحتم بعدها افتراقاً وطلاقاً بين معظم الفرقاء ويتسبب بالفشل الحتمي للبرامج السياسية والاقتصادية المعلنة…!!!

وماذا عن المستقبل وما يمكن ان ننتظره بعد الانتخابات… وكيف يمكن ان ينهض الحكم ليبدأ بعدها وكيف سيكون اذا لم يحقق الحكم فوزه بعدد النواب الذي يطمح اليه… والسلطة بحد ذاتها انكشفت، خاصة بعد تغييب التفتيش المركزي، ومجلس الخدمة إضافة إلى ديوان المحاسبة وباقي اجهزة الرقابة، وماذا سيفعل افضل مما شاهدنا خلال سنة ونصف في ادارة البلد وكيف يمكن ان تكون استراتيجيته الدفاعية ، واقل ما يقال بالتحالفات النيابية انها من كل وادي عصا… ان السلطة تبدأ منذ اليوم الاول، والحكم يفرض نفسه منذ اليوم الاول لتسلمه هذه السلطة، فاذا لم يتمكن من ذلك عند الوصول… فآخرعامين من الحكم، كما هو معلوم تبدأ النهاية، ونحن على عتبة العام الثالث، واقل ما يقال إن المكتوب يقرأ من عنوانه …