Beirut weather 16.88 ° C
تاريخ النشر July 13, 2022
A A A
اللبنانيّون بلا حقوق: الكهرباء ثم المياه… ماذا بعد؟
الكاتب: يمنى المقداد - الديار

يترك المواطن في لبنان بمفرده لمواجهة الأزمات المتتالية، فالإدارة السياسيّة التي نكبت البلاد لا تزال على بلادتها في التصدّي.

الأزمات كما يقال: «على مد عينك والنظر». ولعلّ أبرزها اليوم أزمة المياه التي تعود بقوة، لا سيّما مع حلول فصل الصيف الذي يفرض إستهلاكا مضاعفًا للمياه، ويعرّض بالتالي الناس إلى ابتزاز أصحاب الصهاريج وقبلهم أصحاب المولّدات.

إلى ذلك، تعاني مناطق كثيرة من لبنان شحّا في المياه أثناء فصل الحرّ، رغم وفرتها، نتيجة سوء إدارة هذا الملف على المستوى الرسمي، وعدم انتشار ثقافة الترشيد شعبيا، واليوم يضاف عامل كان بمثابة الضربة القاضية، هو انقطاع التيار الكهربائي شبه التام، الذي أثّر على ضخ مياه الدولة، ومثلها مياه الآبار الشعبية الخاصة، إن جاز التعبير.

في متفرعات أزمة المياه مؤخرا، أنّ انقطاعها لم يعد مقتصرا على ضواحي العاصمة، بل تعداها ليطال بيروت الإدارية ومحيطها، والتي تعاني من انقطاع مياه «الشفة» منذ أسابيع، والسبب وفق ما تداولته بعض وسائل الإعلام، عطل طرأ على الخط 1200، وهو خط المياه الأساسي الذي يغذّي خزّانها الرئيسي، على أنّ الأزمة ممتدة منذ نحو شهر ونصف الشهر في مناطق أخرى من المدينة على ذمة تلك الوسائل.

وبعيدا عن إصلاح العطل الذي جعل مشكلة مياه العاصمة تطفو على السطح الإعلامي والسياسي، فإنّ المسألة أعمق بكثير من ذلك، فموارد المياه في المنطقة غير متاحة نتيجة السياسيات المائية الخاطئة، وحاجات الناس تسدّها الآبار الأرتوازية الخاصة، أو تلك الخاصة – العامة عبر إشتراكات شهرية.

أمّا «مياه بيروت» كما نسميها، والتي تستعمل كذلك للخدمة، فهي من نصيب القاطنين في «مناطق شرعية» إن صح التعبير، أمّا من يسكن «المشاعات» أو «العشوائيات» كما يطلق عليها البعض، والتي تضم عائلات لبنانية نزحت أيام الحرب الأهلية والإعتداءات الصهيونية وعائلات سورية، فهي محرومة من حقّ الإنماء، – مع شجب التعدّي على أملاك الدولة من قبل أيّ كان- في المقابل تتمتّع الأملاك العامة التي سلبها المسؤولون بكل الخدمات الإنمائية فيها!

«ما بقى فينا نتحمّل» !

لمى عطوي (29 عاما)، تعيش في أسرة مؤلفة من 6 أفراد في منطقة البسطة في بيروت، تحدّثت لـ «الديار» عن مشكلتها فقالت: «مياه الخدمة مقطوعة عن بيتنا منذ أكثر من أسبوعين… ما بقى فينا نتحمّل… بالبناية عنّا مش الكل بيقدر يطلّع ماي لأنو الخزانات على السطح.. في ناس عم تعبّي غالونات ويطلعوها ويتحملوا مصاريف المياه الزائدة وحمل الغالونات طوابق كثيرة… نحنا عبيّنا مرتين… مرة طلعت مالحة وكمان مش بسهولة قدرنا نعبي.. في عصابات عم تتحكم بالناس… هل مخطط المياه بدو يكون متل مخطط الكهرباء؟ نحن ما فينا نتحمّل، عدا عن الضغوطات الثانية الإشتراك بالدولار وبدون عدادات وغيرها من المصاريف»…

اضافت: «أول شي البرميل كان سعره 25 ألف ليرة، بعدين صار 35 و50، ووصل اليوم لـ 60 ألف ليرة والماي مالحة.. صرلنا شهر بلا ماي.. ما في حدا عم بيضوي عالقصة كأنّه انقطاع الماي أمر طبيعي.. كل الناس تخدرت اليوم ..هذا الوضع ما بينسكت عنه إنّو نعيش بلا ماي، لأنّ المياه أساس بكل شيء.. ما فينا نضل ندفع وكلّ شي صعب..».

 

 

سعر برميل المياه إلى 100 ألف ليرة !

في إحدى ضواحي العاصمة، قال «أبو علي»، صاحب صهريج «آدمي» على ما يصفه زبائنه، فأسعاره مقبولة، والمياه التي يبيعها «حلوة»، يخبر «الديار» حول مصدر المياه التي يبيعها للناس، أنّه يشتريها من آبار أرتوازية خاصة يملكها مواطنون حوّلوها إلى محطات لبيع المياه على حدّ تعبيره، وعن الأسعار يلفت إلى أنّها كانت عاديّة جدا تبدأ من 50 ألف ليرة، ولكن عندما ازداد الطلب على المياه، وارتفعت أسعار البنزين والمازوت، أصبح بعض أصحاب الصهاريج أكثر طمعا وزادوا الأسعار الى 300 و400 و500 ألف ليرة، وكان الزبون يتقبل ذلك، « لأنو حاطينو» تحت الأمر الواقع، «يا بتقعد بلا ماي يا إنو بدنا نجيب بهذا السعر»، لافتا إلى وصول سعر برميل المياه إلى 100 ألف ليرة في «بيروت الغربية» كما اعتاد أن يسمّيها، تحديدا عند انقطاع المياه مؤخرا وكثرة الطلب عليها.

 

 

نداء إلى أصحاب الأيادي البيضاء

عدنان أحد سكان منطقة بئر حسن، روى لـ «الديار» المعاناة المزمنة لتلك المنطقة في موضوع المياه، مستهلا حديثه بأنّه تمّ إيجاد حلول لمشكلة معظم الآبار في المنطقة، إلّا مشكلة البئر الخاص في الحي الذي يقطنه لا تزال عالقة، موضحا أنّ البئر كان شغالا باشتراك شهري يبلغ 20 ألف ليرة، يخصص جزء من مجموع هذه الإشتراكات لدفع أجرة المسؤول عن تشغيل المياه، والتي تبلغ نحو مليون و 100 ألف ليرة، والباقي للصيانة.

تضم المنطقة جنوبيين وبقاعيين ونازحين سوريين، بعضهم من متوسطي الدخل، فيما الباقون يرزحون تحت خط الفقر، على ما يقول عدنان، الذي شرح أنّ المنطقة تضم 5 آبار تمّ حلّ مشكلة أربعة منها من خلال تركيب طاقة شمسية من قبل أصحاب الأيادي البيضاء، فيما بقيت مشكلة البئر الخامس والذي يشغل عبر «طرنبتين» إحداهما معطّلة، متابعا أنّه إذا أردنا تركيب إشتراك كهرباء، فإنّه سيكلف أكثر من 30 مليون ليرة شهريا، وسيتوجب على كل واحد من المشتركين البالغ عددهم 120 مشتركا نحو 500 أو 600 ألف ليرة شهريا، أمّا شراء مولّد كهرباء على المازوت فسيكلّف 8000 دولار و2 إلى 3 تنكات مازوت يوميا، أي مليون و400 ألف ليرة، أي أكثر من 30 مليون ليرة شهريا، ما سيتسبب بضغط كبير على الناس، فيما كهرباء الدولة تتوفر نحو ساعة كل 10 أو 15 ساعة يوميا أو ساعة كل 3 أو 4 أيام، لافتا إلى أنّ الحل الوحيد هو تركيب طاقة شمسية من دون بطاريات كلفتها 12 ألف دولار، لتأمين 7- 8 ساعات يوميا من الضخّ.

عدنان أخبرنا أنّ هناك عائلات تدفع حوالي 500 إلى 600 ألف ليرة ثمن مياه كلّ اسبوع أو كل 3 -4 أيام، إذ يبلغ سعر 10 براميل بين 250 و300 ألف ليرة، و 400 ألف ليرة للمياه «الحلوة»، وعن نفسه فهو يدفع لبيته وبيت أخيه نحو مليوني ليرة شهريا بمعدل 500 ألف للنقلة الواحدة. وختم أنّ هذه المعاناة تضم 120 مشتركا، أي 120 فرعا لتمديد المياه، يستفيد منها نحو 500 أو 600 عائلة، والحل الوحيد بتركيب طاقة شمسية، ولأنّه يستحيل على المشتركين تأمين ثمنها بهذا الوضع الصعب، واناشد أصحاب الأيادي البيضاء للمساعدة في هذا الموضوع.

 

المسؤول عن الكهرباء والمياه هو طرف واحد

العالم الهيدرولوجي والخبير في علوم المياه الجوفية الدكتور سمير زعاطيطي، يلفت لـ«الديار» إلى أنّ المشكلة أصبحت كبيرة جدا اليوم، نتيجة إهمال الصيانة للمياه السطحية الموجودة وقطع الكهرباء تماما، حيث لم نعد نستطيع ضخ المياه السطحية إلى البيوت، أو إخراج المياه الجوفية فوق سطح الأرض، فالكهرباء أساسية، والمسؤول عن الكهرباء والمياه هو طرف واحد: وزارة الطاقة والمياه.

ويؤكد أنّ الوضع متفاقم جدا ليس فقط في بيروت، فهو سيء جدا في منطقة بنت جبيل وفي بعض قرى الجنوب التي تتوفر فيها المياه الجوفية ويدفع أهلها ثمن مازوت للضخ والنقل إلى البيوت، متسائلا: «شو صار بالبلد»؟ لماذا بدأت الأمور بالتأزم منذ العام 2010؟ لماذا هذا السكوت عن ذلك؟ مضيفا: «الناس ماتت، وما من أحد مستفيد إلا الذين سرقونا، ومافيات صغيرة كالمولدات و»السيترنات»، مشدّدا أنّ العامل الإضافي التي أدى إلى تدهور الوضع إضافة الى الفساد السياسي هو غياب البحث العلمي بمشاكل الطاقة والمياه وسواها منذ الحرب الأهلية حتى يومنا هذا.

الحل يبدأ بإصلاح القطاع

وعن الحلّ زوّد زعاطيطي «الديار» بورقة عنوانها العريض إصلاح الوضع المائي الموجود، تتضمن مشروع التعاون التقني اللبناني الألماني، وهو عبارة عن تقارير ومنشورات المؤسسة الفيدرالية لعلوم الجيولوجيا والمصادر الطبيعية، هانوفر – ألمانياBGR المكلّف من قبل مجلس الإنماء والإعمار ومصلحة مياه بيروت ووزارة الطاقة والمياه بإجراء دراسات على نبع جعيتا، ورد فيه أنّ الوضع الحالي لتمديدات مصلحة مياه بيروت وجبل لبنان المائية لنبع جعيتا تفيد بخسارة حوالى 30% من كمية المياه المنقولة بالقناة الحالية بين النبع ومعمل ضبية، وأنّ النفق الذي يصل القناة بمعمل ضبية هو صغير الحجم لا يتسع لأكثر من 3.1 متر مكعب ثانية، واقترح المشروع إنشاء نفق ثان، وبالتالي المطلوب من مصلحة مياه بيروت وجبل لبنان لجهة تمديدات مياه نبع جعيتا:

1- تحسين حصر نبع جعيتا.

2- إنشاء خطي توصيل للمياه قساطل وأنفاق بين النبع ومعمل ضبية، في حال تعطل أحدها نستعمل الآخر، عملية بإمكانها وقف الهدر وزيادة التصريف حوالي 7 مترمكعب/ثانية.

3ـ إنشاء سد بموقع داريا بسعة 9 مليون متر مكعب لتعويض النقص في فترة الشحائح.

4- كلفة البندين فوق من 30 الى 50 مليون دولار أميركي.

5- منع التعديات غير القانونية على الشبكة لجهة إستعماله الأغراض الري.

6- زيادة حجم معالجة وتكرير المياه في ضبية وتجديد طرقها ووسائلها.

7- إنشاء مختبر خاص يعنى بنوعية الماء وزيادة فعالية المختبر.

8- تخفيض هدر المياه في شبكات مدينة بيروت.

 

مصادر مياه جديدة لبيروت وضواحيها

بالتوازي قدّم زعاطيطي ورقة سابقة لوزارة الطاقة والمياه تتحدّث عن مصادر مياه جديدة، عبارة عن مشروع خاص لتأمين مصادر مياه متجددة للعاصمة بيروت وضواحيها، بمصادر مياه جوفية جديدة في المرفأ – رأس بيروت وخلده، يؤكد فيها عدم وجود مخزن جوفي يمكن إستثماره داخل هضبة بيروت، كاشفا في المقابل عن وجود منطقتين قريبتين من بيروت غنيتين بالمياه الجوفية وهي: وادي شحرور – كفرشيما، جسر القاضي – الدامور، إذ يمكن حفر آبار إستثمارية فيهما وتأمين مصادر مياه جديدة لبيروت وضواحيها.

خلاصة القول… مشكلة المياه في بيروت وضواحيها، كما في مناطق متفرّقة من لبنان، ليست وليدة الساعة، فقد هرمت أجيال تلو أخرى، والنتيجة «دق الماي وهي ماي»، فهناك من لا يريد الحل! فالحلّ العلمي موجود، ولكن على ما يبدو أنّ أهل السياسة لا يريدون لأهل العلم أن يحكموا بعلمهم!