Beirut weather 23.41 ° C
تاريخ النشر July 14, 2023
A A A
اللبنانيون أمام إنهيارات متتابعة
الكاتب: د. قصي الحسين - اللواء

كل يوم يجد اللبنانيون أنفسهم، أمام إنهيار جديد. منذ أكثر من نصف قرن، ولبنان يتهاوى أمام العواصف الإقليمية والدولية، تشتدّ عليه بين الحين والآخر، فيستجمع نفسه، يستجمع قواه، يعاند العاصفة التي تضربه بعنف، تضربه بلا رحمة، ثم ينهض من جديد.. يستعدّ للعاصفة القادمة.
بلاد قوية في أرضها، وفي شعبها، وفي تاريخها، وفي طموحاتها، وفي أجيالها الذين فلقوا الصخور، وارتاضوا أمواج البحار، وطاروا في الآفاق مثل النسور، ولكنها إبتليت منذ أكثر من نصف قرن، بطبقة سياسية فاسدة، سهّلت للتوحش الإقليمي، كما للتوحش الدولي، أن يستلبها، أن ينفذ إليها بحرابه، بمؤامراته، بأطماعه.. أن ينفذ إليها بمخططاته التي لا ترحم الأرض، ولا ترحم الشعب، ولا ترحم الأجيال القادمة.

توحش إقليمي وتوحش دولي، وبينهما وسيط فاسد من المسؤولين ينفذون له غاياته، ويحققون له مآربه، ويمهدون له الأرض، ويروّضون له الشعب.. حتى يتم جميع مشروعاته المشبوهة في لبنان، دون شأفة أو رحمة بل على حساب البلاد والعباد.
راهن التوحش الإقليمي، كما التوحش الدولي، على الطبقة الفاسدة، كانت خير خادم لتفكيك الدولة، لضرب مقوماتها، لضرب إدارتها، لضرب مؤسساتها.. جعلوا الطوائفية تنخر بدنها، جعلوا الفساد يضرب جميع ما تطال يده من بنيتها. نصّبوا، بل عيّنوا على أجهزتها كلها صغار النفوس، وعديمي المسؤولية، تتغشاهم الجهالة العمياء، وتسيطر على نفوسهم الأطماع الشخصية والعائلية والطائفية.. تسيطر على نفوسهم الغايات والمآرب النفعية، ولو على حساب مصلحة البلاد العليا، في حفظ كيان الأجداد، وفي صون المكتسبات الوطنية والإدارية والدولتية.
طبقة، بل فئة طوائفية رخيصة، بل مجموعة من الزبائنية والسماسرة، بل ثلة من «باعة الأسماك»، من حراس/ تجار الهيكل، أوكل إليهم التوحش الإقليمي والدولي، أن يقدموا رأس لبنان: الدولة والإدارة والمؤسسات، وكذا الأرض والشعب، على طبق من الفضة، لهؤلاء الجلاوزة الذين اشتهروا على مدى التاريخ كله، بذبح الأوطان وإستلاب خيراتها، وجعلها لقمة سائغة، في فم كل طامع، في فم كل متآمر على حقوق لبنان واللبنانيين، بأن يكون لهم وطن آمن حر سيد مستقل، مصان في حدوده، محفوظ الكيان.
هذا العام هو عام الإنهيارات المتتابعة. بدأ التوحش الإقليمي، كما التوحش الدولي اليوم، بالتعاون الكامل مع باعة الأوطان. تراه يبدأ بتسريب الأخبار المسمومة، وتسريب المعلومات المضللة. تراه آخذ في رسم الخطط والمخططات المشبوهة. تراه ممعن في التكتم على ما يبيته من نوايا تفكيكية خبيثة، لهذا الوطن الصغير. تراه يمعن في بث الأضاليل، بأن البلاد أصبحت مقاطعات، وبأن الشعب، أصبح شعوبا، وبأن الإدارة غدت خما، غدت قنا.. وأن الحكام والمتحكمين، كما ورثة الأحكام، قد أصبحوا فئة طاغية من الأقيان.
تراهم ينظرون كيف تنهار المؤسسات أمام عيونهم. فيفرحون في سرّهم، بما أصابوا من أموال. يراهنون على إستكمال مشروعاتهم الخبيثة، بكل جشع، بكل عنجهية، بكل بلادة، وحتى بلا ضمير، ولا مسؤولية.
تنهار أمام عيونهم، مؤسسة الحكومة، ومؤسسة الرئاسة، ومؤسسة الحاكمية، وبدل أن يسارعوا، لوقف الإنهيارات، يسرعون لترقّب ساعة تساقط الأجهزة كلها، المدنية وغير المدنية. فتستكمل الإنهيارات التي بدأت مع مؤسسات التعليم ومع مؤسسات الكهرباء ومع مؤسسات المياه ومع المؤسسات الصحية. ناهيك عن إنهيار بنى القطاع النقدي كله بلا إستثناء، في البنوك والمصارف والشركات النقدية.
هذا العام، هو عام الإنهيارات المتتابعة. فما بعد التوحش الإقليمي، والتوحش الدولي، والفساد المحلي، إلّا تساقط البلاد، إلّا الإنهيارت المتتالية، إلّا السقوط في الجحيم، إلّا الذهاب إلى جهنم، إلّا التساقط، حبة حبة وإدارة إدارة ومؤسسة مؤسسة، ورئاسة رئاسة، في القعر.. قعر الهاوية.
* أستاذ في الجامعة اللبنانية