Beirut weather 20.41 ° C
تاريخ النشر April 14, 2017
A A A
البيت الأصفر
الكاتب: وفاء عواد - البيان

رمّم ماضيه في قلب بيروت ويرفع شعار القنّاصة مرّوا من هنا، «البيت الأصفر» متحف لذاكرة الحرب اللبنانية

ساحة واسعة للفنون توثق تاريخ الحرب
مبنى متداعٍ ومغلّف كعلبة بشعار «متحف لذاكرة الحرب».. مبنى بركات أو «البيت الأصفر» عند تقاطع محلّتَي السوديكو وبشارة الخوري في قلب بيروت، في موقع جامع وتقاطع يوصل قلب المدينة بأطرافها كافة، شرقاً وغرباً جنوباً وشمالاً… وفي الأسماء تكمن الحكاية التي تختصر معاني الحرب الأهليّة وتداعياتها المدمّرة على اللبنانيين، والتي هي برمزيتها كانت بين أضلعه، فتركت بصماتها الواضحة عليه وجعلت منه شاهداً وتذكاراً، أي مكاناً للحفاظ على الذاكرة: ذاكرة المدينة بحلوها ومرّها.. أما تفاصيله، فتبدو وكأنها تعانق زمن الحرب، وتستعدّ للخروج إلى الحياة مجدّداً.

وكائناً في زاوية الوصل بين شرايين بيروت التي تنبع كلّها من الذاكرة، أصبح «بيت بيروت» كلّ بيروت، بعد أن كان من مراكز الفصل بينها.. بيت يحوي الذاكرة، ذاكرة ما قبل الحرب، بحكايته وقصص ساكنيه، وذاكرة الحرب التي تركت آثارها في بنياه وتغلغلت بين أعمدته فطبعته بشظاياها ومتاريسها ودمائها وفجواتها واختلافاتها. فيه يرى البعض أنفسهم وماضيهم، ومنه يرون الجهة الأخرى بعين قنّاص الحياة أو الموت. فيه يتعرّف البعض الى ماضٍ سمع عنه أو لم يقرأه، ومن زاويته يقرأ بين سطور بيروت شارعاً شارعاً.

يومها، كان هذا المكان أحد «أسخن» المحاوِر التي فصلت بين شطرَي العاصمة اللبنانية بيروت، على مدى 15 عاماً، وتحديداً بين 13 نيسان 1975 و1990، وشكّل موقعه نقطة فصل حربيّة، حيث ارتفعت السواتر الترابيّة ونبت شجر الخروَع واستوطنت الكلاب «الداشِرة».. وسقط أبرياء كثيرون لم يتسنَّ لهم أن يحسبوا حساباً للقنّاص القابع في الداخل، والذي كان بالنسبة اليهم «آخر الدنيا»!

%d8%a7%d9%84%d8%b5%d9%88%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%8a%d9%88%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d9%8a%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b5%d9%81%d8%b1

تواقيع
اختارت الميليشيات المكان لتقيم فيه بسبب موقعه الإستراتيجي، بعدما قسّم «خطّ التماس» مدينة بيروت الى نصفين، واستحال معه تقاطع «السوديكو» من محاور القتال الأساسية.. وعلى عادة المحاربين، ترك بعضهم توقيعه على الجدران.. نقرأ فنعرف أن «أبو داني مرّ من هنا»، أو نستذكر «نمور الأحرار»، وهو الحزب الذي أسّسه الرئيس الراحل كميل شمعون، أو نتوقف عند لحظة وجدانية للذين كانوا يصنعون الموت مع عبارة «مع جيلبير سأموت» بتوقيع «طرزان».. ويبقى أن هذا البيت خرج من الحرب، نفض الغبار عنه، وترك الندوب من دون تجميل، لتبقى الجروح شاهدةً وحافظةً للذاكرة.

وبين الأمس واليوم، لا يزال المبنى على حاله، بعدما «نجا» من الهدم على رغم موقعه الإستراتيجي تجارياً وتمّ تصنيفه في خانة المباني الأثريّة، ولا يمكن للعابرين تجاهله، إذ يبدو المشهد سريالياً.. ينتصب «منخوراً» بالرصاص والقذائف، ويسمح لكل من يدخله أن يطلّ من الفتحات التي استخدمها القنّاصة، والمنتشرة في الطبقتين الثانية والثالثة، أو أن يتمترس خلف أكياس الرمل التي احتمى وراءها المقاتلون. في المقابل، فإنّ الطابق الأرضي، مما بات يعرف بمتحف «بيت بيروت»، يحتوي على مكتبة وكافيتيريا ومحل لبيع التذكارات.

أما في الطابق الأول، فخصّصت زاوية منه لذكرى القنّاصين والحروب، في جانبها الإنساني، أي من دون أسماء ولا تواريخ. كما خصِّص الطابق الثاني لتطوّر بيروت العمراني والإجتماعي إبتداءً من القرن التاسع عشر. أما الطابق الثالث، فأزيلت غرفه كلّها ليصبح مساحة واسعة للفنون، وهكذا، سيصبح «بيت بيروت» مركزاً ثقافياً متكاملاً، بعد الإنتهاء من تجهيزه بالمحتوى الثقافي.

مرحلة
والمفهوم التراثي لـ«المبنى الأصفر»، ذي الطابع العمراني المميّز، لا يشبه غيره في بيروت.. فالمبنى الذي ينتمي الى المرحلة الإنتقاليّة بعد بيوت الحجر ذات الطبقتين، وهي حقبة «المباني الصفراء» مع سقف عالٍ وتوزيع مرتكز على البهو الرئيس، واستعمال الإسمنت المسلّح كمادة أساسية في هياكل البناء، إستمدّ لقبه من لون حجارته، وشيِّد فوق الدكاكين من ثلاث طبقات تزيّنها أعمدة جميلة وقناطر مزخرفة و«درابزون» مشغول، خلال عقد العشرينات من القرن الماضي، ويتميّز بـ«متكأ الفراغ»، جسر ممدود في الهواء وملتفّ كحزام حول الأعمدة، فيربط شرق البناء بغربه ويمحو الحدود بين الجهات.. علماً أنه شيِّد على مرحلتين: بنى المهندس اللبناني الشهير يوسف أفتيموس الطابق الأرضي (الدكاكين) والطابق الأول في العام 1924، ثم أتمّ المهندس فؤاد قزح الطابقين الثاني والثالث في العام 1932، ما جعل المبنى يحوز إجازة «أجمل مبنى سكني في بيروت».