Beirut weather 21.41 ° C
تاريخ النشر April 13, 2017
A A A
الاحد الدامي… قصة يوم غيّر تاريخ لبنان
الكاتب: محمد شقير - مجلة الوسط

في 13 نيسان 1975، انطلقت من حي عين الرمانة في بيروت الشرارة الاولى التي فجرت الحرب اللبنانية، “اطول حرب اهلية” في تاريخ الشرق الاوسط الحديث وأكثر حروب المنطقة تعقيداً بسبب تداخل قوى وعوامل اقليمية وخارجية عدة في مراحلها المختلفة.

وحين انطلقت الشرارة الاولى لهذه الحرب، لم يكن هناك لبناني واحد يتوقع ان تستمر سنوات وسنوات، وان تدمر لبنان، وتضعفه وتقضي على معظم مقوماته وتهجّر مئات الالاف من ابنائه وتلحق الدمار بمدنه وقراه، بحيث لم تسلم منطقة واحدة في البلد من هذه “الحرب المتنقلة” وقد نشرت السلطات الامنية اللبنانية اخيراً احصاءات كاملة عن حصيلة هذه الحرب اظهرت ان عدد القتلى تجاوز 144 الف قتيل وان هناك اكثر من نصف مليون مصاب و17 الف مفقود.

في ذلك اليوم، الذي يبدو كأنه من عصر آخر، كان رئيس جمهورية لبنان هو سليمان فرنجية، ورئيس الوزراء هو رشيد الصلح. والاثنان لا يزالان حيين يرزقان.

حين انفجرت الشرارة الاولى لهذه الحرب، يوم الاحد 13 نيسان 1975، كان رئيس الجمهورية سليمان فرنجية يمضي فترة نقاهة في مستشفى الجامعة الاميركية في بيروت بعدما اجريت له عملية جراحية مستعجلة، فيما كان رئيس الحكومة رشيد الصلح يتناول طعام الغداء الى مائدة الزميل جان عبيد، وهو اليوم احد النواب المعينين عن قضاء الشوف، بحضور عدد من الاصدقاء المشتركين في طليعتهم جان عزيز، خالد جنبلاط، عباس خلف، محسن دلول، محسن ابراهيم وجورج حاوي.

كيف عرف فرنجية؟
الرئيس فرنجية -الذي كان يمضي فترة نقاهة في مستشفى الجامعة الاميركية، التي دخلها، صباح يوم الجمعة في 11 نيسان واجريت له عملية جراحية في اليوم التالي-، فلم يعلم بالحادثة الا صباح الاثنين 14 نيسان اي بعد انقضاء ساعات عدة على تعرض الاوتوبيس الى اطلاق نار وسقوط عدد كبير من الضحايا. ولم يبلغ الرئيس فرنجية بواسطة الاجهزة الامنية، وانما عن طريق الصدفة، عندما نادى، وهو يتماثل للشفاء من جراء العملية، مرافقه حليم ابو ضاهر وطلب اليه ان يحضر له راديو “الترانزستور”.

وهنا يروي احد اقارب الرئيس فرنجية لـ”الوسط” بأن عائلة رئيس الجمهورية عرفت بالحادثة بعد اقل من ساعة على حصولها، الا انها حرصت على عدم اطلاعه على التفاصيل، او وضعه في صورة ما حدث.

ونجحت عائلة الرئيس فرنجية في كتم السر عنه وتولى نجله طوني فرنجية متابعة الاتصالات لتطويق ذيول الحادثة ومنع حصول مضاعفات، فيما طلب من الاطباء والممرضين والممرضات الذين كانوا يشرفون على متابعة وضعه الصحي، عدم التحدث اليه في هذا الموضوع. وكذلك الحال بالنسبة الى زواره. الذين تصرفوا بشكل طبيعي ومنعوا عنه كل الاخبار على هذا الصعيد.

اما كيف عرف الرئيس فرنجية، فان عائلته تروي التفاصيل وتقول لـ”الوسط” ان رئيس الجمهورية استيقظ باكراً من سريره في مستشفى الجامعة الاميركية، ولم يجد المذياع وسأل عن الشخص الذي اخفى “الترانزستور” ولماذا اخفاه منذ يوم الاحد. وحاولت عائلة فرنجية ان تفتح معه حواراً من نوع آخر، بغية صرف نظره عن تكرار السؤال، خصوصاً ان المذياع لا يفارقه، ويبقي عليه في جيبه اينما كان، الا ان الرئيس فرنجية نادى مرافقه حليم ابو ضاهر، وطلب منه احضار جهاز الراديو على وجه السرعة. وارتبك الجميع، ووقعوا في حيرة، ولم يكن في وسعهم التهرب وحضر حليم ابو ضاهر وبيده جهاز الراديو وسلمه الى الرئيس فرنجية الذي بدأ يقلب المحطات، الى ان جاء موعد نشرة الاخبار التي تحدثت عن الاجواء المشحونة بسبب حادثة عين الرمانة. وقبل ان يتابع نشرة الاخبار صمت لثوانٍ معدودة، وسأل عما حدث في عين الرمانة، واستفسر عن الاسباب الكامنة وراء حجب المعلومات عنه، خصوصاً انها تتناول حادثة بهذا الحجم.

ورد احد افراد عائلة فرنجية بقوله: “يا فخامة الرئيس، لقد اتفقنا على عدم اعلامك بالحادثة، وان طوني بك يتابع المعالجة على الارض، ويقوم دولة الرئيس باجراء الاتصالات اللازمة بكل المعنيين لضبط الوضع، ونحن من جانبنا نقدّر وضعك الدقيق، واتفقنا، بناء لنصيحة الاطباء على ابقائك بعيداً عن الاجواء المشحونة”. ولم يأخذ الرئيس فرنجية باستشارة الاطباء ولا بنصيحة افراد عائلته، وطلب اليهم، الاتصال على الفور برئيس الحكومة، وتحدث واياه، وكان رأيه جازماً بضرورة انزال الجيش اللبناني للسيطرة على الموقف وبلجوء حزب الكتائب الى تسليم الفاعلين، بعد ان قيل له ان بعضهم ينتمون الى الحزب”. هكذا تصرف فرنجية فور اطلاعه على ما حدث.

احد المقربين من عائلة الرئيس فرنجية يقول ان رئيس الجمهورية بدأ يعيش في قلق على مستقبل لبنان وان مخاوفه اخذت تزيد حتى انه امتنع عن الذهاب الى المملكة العربية السعودية للاشتراك في تشييع جثمان المغفور له الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز وانه طلب من الوفد اللبناني الرسمي ان يطلع كبار المسؤولين في المملكة على الاسباب التي دعته الى الاعتذار. ويضيف: “ان اغتيال الملك فيصل بن عبدالعزيز كان حصل قبل فترة من بدء حوادث 13 نيسان 1975، وكان يفترض بالرئيس فرنجية الاشتراك في تشييعه الا انه عدل في آخر لحظة لقرار اتخذه بعدم مغادرة لبنان نظراً الى خطورة الموقف”.

ويروي ان الرئيس فرنجية كان رفض ايضاً دخول المستشفى وللسبب ذاته، لكنه رضخ لاوامر الاطباء نظراً الى وضعه الصحي الدقيق، وتابع من على سريره تفاصيل المأساة التي حلّت بلبنان ويعتبرها “مؤامرة” اكثر مما هي نتيجة حوادث عابرة..

واذا كان 13 نيسان 1975 هو بمثابة تاريخ مشؤوم للبنانيين، سجلت فيه بداية اندلاع الحرب اللبنانية، فان هذا التاريخ اليوم، وبعد انقضاء 17 عاماً على بدء الحروب اللبنانية وغير اللبنانية فوق ارض هذا البلد، بدأ يعني للبنانيين الكثير واول ما يعنيه ان الحرب ربما تكون انتهت من دون ان ينتقل لبنان الى السلم السياسي والاقتصادي.

مادة مؤرشفة . انطوان المقسيسة